د. سعد ناجي جواد-رأي اليوم
الشعوب الحية لا تموت ولا تنكسر، قد تتعرض لنكسات وقد تصاب باحباطات ولكنها تنهض من جديد اقوى واكثر عزما من ذي قبل، وخاصة اذا ما توفرت لها القيادة القادرة على اعطاء النموذج في تجاوز الازمات وبعث الامل في النفوس من جديد. والشعب العربي في كل مكان اثبت ذلك في فترات مختلفة.
واذا ما تركنا جانبا الحديث عن الصمود الاسطوري الذي اثبته ابناء فلسطين بصورة عامة وابناء غزة البطلة بصورة خاصة، والانتفاضة الشعبية التي عمت كل فلسطين وبدون استثناء رفضا للاجراءات التعسفية للاحتلال ومن ثم لدعم المقاومة في غزة، فان الهبة الغزاوية في بدء حملة اعادة اعمار ما هدمه العدوان، ورغم الماسي الكبيرة التي تمثلت بالعدد الكبير من الشهداء من المدنيين، لابد وان تشرح قلب كل متابع يتمتع بنفس عروبي وطني. هذه الحالة تزيد من التفاؤل الكبير بان شعب فلسطين قد اثبت انه شعب حي ولن يتنازل عن ارضه ومقدساته وحقوقه. والاهم فان المقاومة الفلسطينية، المسلحة والشعبية معا، قد اثبتتا ان الاحتلال ومهما حاول من اجل اطالة عمر احتلاله فانه الى زوال لا محالة. بل ويمكن القول وبثقة ان المواجهة الاخيرة قلبت المعادلة راسا على عقب. وان العد التنازلي للاحتلال قد بدأ، وان الغطرسة الاسرائيلية لم ولن تكون قادرة على قهر الارادة الفلسطينية، وان النظام العنصري في اسرائيل يسير بخطوات متسارعة الى مصير مماثل لذلك الذي وصل اليه نظام الفصل العنصري البائد في جنوب افريقيا. وهذا الكلام ليس كلاما عاطفيا، وانما مبني على اسس واثباتات ودلائل.
-
ان المقاومة صمدت واستمرت حتى اللحظة الاخيرة تنفذ ما تقوله، وظلت تواجه القصف بالقصف والتدمير بالتدمير. علما باني سمعت من صديق فلسطيني مطلع وأثِقُ بكلامه جدا، ان رغم الالام التي كانت تشعر بها قيادة المقاومة بسبب الاصرار الاسرائيلي على قتل المدنيين، الا انها استطاعت ان تتمسك بسياسة ضبط النفس ولا تندفع في قصف المدنيين في فلسطين المحتلة، وهي كانت قادرة على ذلك، بالاضافة الى انها ارادت ان تظهر انسانيتها مقابل وحشية وسادية نتنياهو وقادة جيش الاحتلال، وهذه الوحشية هي التي اثارت الراي العام العالمي.
-
المواجهة الاخيرة حملت اربعة مفاجأت لحكومة الاحتلال: الاولى هي بدون شك قدرات المقاومة العسكرية، والثانية ردة الفعل الشعبية في كل فلسطين المحتلة، والاهم انتفاضة ما يطلق عليهم عرب 1948، والذين اعتقدت اسرائيل انها دجنتهم و (اسرلتهم) وضمنت هدوئهم، واذا بها تجدهم فجاءة ودون سابق انذار يهبون لنصرة الاقصى وابناء حي الشيخ جراح والمقاومة في غزة بضراوة غير مسبوقة. والمفاجاة الثالثة كانت رد الفعل الشعبي العربي الكبير الذي عم عواصم عربية، والذي وصل الى حد محاولة اقتحام المتظاهرين من الاردن ولبنان للحدود مع فلسطين المحتلة. هذه الظاهرة التي لم تظهر مدى التمسك الشعبي بالقضية الفلسطينية فقط وانما اظهرت فشل كل محاولات الاعتراف باسرائيل. واذا ما صحت الاخبار التي تم تداولها عن موقف العشائر الاردنية العربية الاصيلة، وانها كانت تعد العدة لارسال الاف المقاتلين الى فلسطين المحتلة، وكذلك ما تردد عن الانذار الباكستاني والتركي والتهديد بارسال طائرات لدعم المقاومة وابناء القدس ولحماية المسجد الاقصى، وان اسرائيل اسقطت طائرة مسيرة قادمة من ايران، فان ذلك يجب ان يشعرنا بالنقلة الكبيرة التي احدثتها الحرب التي شنتها المقاومة في غزة العز والكرامة. والمفاجئة الرابعة والاهم هي رد فعل الاعلام الغربي والذي كان معروفا بمساندته المتطرفة لاسرائيل وبكل ما تفعله. ويمكن لمن يريد ان يتاكد من ذلك ان يقرا ماكتبته صحف مثل النيويورك تايمس والواشنطن بوست والغارديان، وغيرها كثير. وبالتالي فان كل هذه المفاجئات سواء من داخل فلسطين او خارجها، لم تدفن خطة (صفعة القرن) الى الابد، وانما اكدت ان نظام الفصل العنصري الاسرائيلي الى زوال وان حملة المقاطعة التي تتطير منها اسرائيل بصورة كبيرة وفشلت في ايقافها، ستزداد قوة واتساعا. وكل هذه الخطوات والاجراءات هي نفسها التي انهت واسقطت نظام جنوب افريقيا العنصري الذي امتلك قدرات عسكرية كبيرة وحتى نووية.
-
التغير الذي طرأ على الموقف الدولي، والامريكي بالذات، الذي رغم ترديد عبارة (حق اسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها)، ولكن الحقيقة تقول ان مواقف الغرب والولايات المتحدة قد تغيرت، وحتى مواقف بعض المجاميع اليهودية في الخارج. وان الولايات المتحدة سعت جاهدة لايقاف القتال، بعد ان وافقت على مقترح نتنياهو باعطاءه بعض الوقت ( للقضاء على حماس) حسب تعبيره. ولكنها وجدت ان الامر اصبح خارج عن سيطرة حكومة الاحتلال وانه تحول الى قتالا ليس بمقدرة الجيش الاسرائيلي حسمه لصالحه، وان خطر توسعه اصبح اكبر، وما كان ينتج عنه فقط مجزرة للمدنيين. ولهذا فلقد قيل ان الرئيس بايدن وادارته اجروا 80 اتصالا مع حكومة الاحتلال لكي تبادر الى اعلان وقف اطلاق النار.