أردوغان وغزة.. ليبيا ثانية قرب إسرائيل؟
لم يؤد إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس إلى حل جميع قضايا الصراع حول قطاع غزة. تضغط تركيا، وهي من أعنف المدافعين عن فلسطين، من أجل تمرير مذكرة بحرية مع إدارة الجيب الساحلي، مثل تلك الموقعة قبل عامين بين أنقرة وطرابلس، من دون مراعاة مصالح الدول الأخرى في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وترى إسرائيل في المبادرة محاولة من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان لشن حرب اقتصادية وتحدي مرة أخرى الحصار المفروض على قطاع غزة. انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام التركية فكرة أن تتمكن أنقرة من تنفيذ “النموذج الليبي” من خلال توقيع صفقة مع قطاع غزة. المبادرة أطلقها القائد السابق للبحرية التركية، الأدميرال جهاد يايجي، الذي يعتقد أن الاتفاقية التي استمرت عامين بشأن ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس يمكن أن تشمل قطاع غزة. وتعتقد أنقرة أن من شأن هذه الخطوة أن توفر لحركة حماس دعماً من البحر. المبادرة لها تأثير أيضاً في إضفاء الشرعية على المطالبات التركية في عدد من المناطق المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط. وسائل الإعلام الإسرائيلية التي رأت في هذه المبادرة رغبة من قبل أردوغان في الوصول إلى حقول الغاز قبالة سواحل الدولة العبرية. وكما أشارت “جيروزاليم بوست”، فإن اقتراح يايجي سيضع إسرائيل وتركيا على شفا تصادم ويضرب مشاركة إسرائيل في مشروع خط أنابيب غاز شرق البحر المتوسط (إيست ميد). سترسم تركيا خطاً من الساحل التركي مباشرة إلى غزة، ويفترض أن تقسم البحر وتخلق ممراً. من شأن ذلك أن يعزل إسرائيل عن “إيست ميد”، التي تريد إسرائيل واليونان وقبرص بناءه معاً. ووفقاً لصحيفة “جيروزاليم بوست”، فإن “هذه حرب اقتصادية واضحة تتحدى أهداف الطاقة الإسرائيلية”. بعد وصول حماس إلى السلطة في غزة، فرضت إسرائيل ومعها الجانب المصري حصاراً على القطاع الساحلي. الحدود البرية محاطة بجدار قوي مع نقاط التفتيش. بالإضافة إلى ذلك، تحظر إسرائيل الملاحة على طول الساحل. وبحسب تل أبيب فإن مثل هذه الإجراءات ضرورية من وجهة نظر مكافحة إمدادات السلاح للمسلحين. لكن المتضامنين مع غزة لم يقبلوا بهذا التفسير، حيث يقومون بتنظيم قوافل بحرية إلى القطاع المحاصر من الموانئ الأوروبية ضمن حملة يطلقون عليها اسم “أسطول الحرية”. فسر الإسرائيليون تصرفات “الأسطول” على أنها استفزاز ومحاولة لإيصال السلاح إلى التشكيلات الفلسطينية تحت غطاء الإمدادات الإنسانية. بعدما تمكن الناشطون في العامين 2008-2009 من الوصول إلى شواطئ غزة، بدأت إسرائيل لاحقاً في قمع جميع الرحلات بقسوة. في معظم الحالات، تم اعتراض القوافل من دون استخدام السلاح. ومع ذلك، في العام 2010 ، أسفرت محاولة لكسر الحصار عن سقوط ضحايا، حيث قتل ثمانية مواطنين أتراك على متن السفينة “مافي مرمرة”، وقد أى هذا الهجوم إلى تقويض العلاقات بين تركيا وإسرائيل. كان يايجي أحد مؤسسي مفهوم “الوطن الأزرق”، وهو عقيدة عسكرية سياسية تدافع عن مزاعم تركيا بولاية قضائية واسعة في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط وتعرضت العلاقات بين البلدين لضربة أخرى عندما استخدمت إسرائيل القوة في 2018 خلال مواجهات عند الحدود مع قطاع غزة. كان الأمر أكثر إثارة للدهشة أن يايجي نفسه، وفي مقالة نشرتها مجلة “تركي سكوب” التي تصدر تحت رعاية مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا (جامعة تل أبيب) في العام 2020، اقترح ابرام اتفاق بين تركيا وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية. وتحدث العميد البحري عن تأييده لتوسيع المذكرة البحرية الموقعة بين أنقرة وطرابلس بشأن الحدود البحرية ونقل الكتلة البحرية الثانية عشرة والمربعات جزئيا 7 و 8 و 9 و 11 إلى إسرائيل في شرق البحر المتوسط. وقد نظر حينها إلى المقالة باعتبارها بادرة للمصالحة. كان الأدميرال يايجي أحد مؤسسي مفهوم “الوطن الأزرق”، وهو عقيدة عسكرية سياسية تدافع عن مزاعم تركيا بولاية قضائية واسعة في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط. وهو كان أيضاً أحد واضعي الاتفاقات بين أنقرة وطرابلس. من المحتمل أن تهدف مبادرته الحالية إلى إظهار تغيير في المزاج في أنقرة لجهة رفض التعاون مع إسرائيل. في لقاء مع الشباب الأتراك في 19 أيار/مايو، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عدم رغبته في التعاون مع القيادة الإسرائيلية، إذ قال إن “نتنياهو لم يكن صديقاً لنا إطلاقاً ولن يصبح كذلك أبداً. سنواصل السير في طريق كفاحنا”. اسرائيل ردت بالمثل، حيث قال سفيرها في واشنطن جلعاد إردان، خلال اجتماع خاص للجمعية العامة للأمم المتحدة إن “القادة الأتراك ليس لهم الحق في لوم إسرائيل”، مشيراً إلى سعي تركيا لـ”شيطنة” ما “يلهم هجمات معادية للسامية مثيرة للاشمئزاز في جميع أنحاء العالم”. لكن المواقف المختلفة تجاه فلسطين لا تمنع الدول من الحفاظ على الاتصالات الاقتصادية. يقول جليل حرشاوي، الباحث في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وهو مركز بحثي في سويسرا، إن خطة بناء ممر بين تركيا وغزة تبدو غير واقعية. ميزة أخرى واضحة لأنقرة هي أن هذا النوع من السرد يثير الشكوك حول شرعية الترسيم الحالي في هذه المنطقة البحرية، حيث توجد العديد من الخلافات التي لم يتم حلها”، لكن حرشاوي أشار إلى أنه لا يوجد الكثير مما يمكن لتركيا فعله بشأن مد “النموذج الليبي” إلى قطاع غزة: إذا كانت الأمم المتحدة اعترفت بالحكومة في طرابلس، التي أبرمت معها أنقرة صفقة في عام 2019، فإن حركة حماس ليست كذلك، ولم يتم الاعتراف به ككيان دولة.
خاص 180