مناورة محافظي إيران: دعم لاريجاني.. لتفريق المتشدّدين

حسن فحص – أساس ميديا-الإثنين 24 أيار 2021

يبدو أنّ تأكيد التيّار الإصلاحي في إيران مشاركته في الانتخابات الرئاسية، وسعيه لحشد قواعده الشعبية من أجل المشاركة الواسعة، لن يكونا مرتبطين بوجود مرشّح خاص به يمثّله في السباق النهائي بعد صدور نتائج دراسة أهليّة المرشحين عن مجلس صيانة الدستور.

وإذا ما كان الإصلاحيون المتشدّدون يقفون وراء مرشّح واحد وواضح هو المساعد السياسي لوزير الداخلية الأسبق وعضو اللجنة المركزية لحزب “المشاركة” المحظور مصطفى تاج زاده، فإنّهم يضعون في حساباتهم إلى حدّ اليقين أنّ تاج زاده لن يعبر من مصفاة صيانة الدستور. لكنّهم على الرغم من ذلك، وعلى العكس من الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، يؤكّدون مشاركتهم في الاقتراع، وسيعملون على إقناع الشرائح الاجتماعية المؤيّدة لهم بتبنّي الخيار البديل الذي سيلجأون إليه.

وفي حين ربط أحمدي نجاد، الذي كان في يوم ما الابن المدلّل للنظام وأجهزته، مشاركته ومشاركة مناصريه في الاقتراع بموافقة “صيانة الدستور” على أهليّته لخوض السباق أو عدمها، دخل المرشد الأعلى للنظام على خط مواقف أحمدي نجاد واعتبر أنّها “محل شكّ”، وتصبّ في إطار ما يروّج له أعداء النظام والعمليّة الديموقراطية التي تمثّلها الانتخابات.

نستطيع القول إنّ إصلاحيّي إيران لا يمكنهم أن يذهبوا إلى تسوية مع النظام وقيادته حول مشاركتهم في الاقتراع ودعم مرشح محدّد قد يطلبه النظام منهم. وعليه، قد يبدو من الصعب أو شبه المستحيل أن توافق هذه الجماعة على دعم مرشح الجناح المتشدّد من التيّار المحافظ، إبراهيم رئيسي، لأنّها قد تكون كمن يطلق النار على نفسه.

وأمام هذه الحقيقة، تتوزّع خيارات الجناح الإصلاحي بين واحد من اثنين: إمّا الذهاب مع الآخرين إلى تبنّي ترشُّح النائب الأول لرئيس الجمهورية عضو اللجنة المركزية لحزب “كوادر البناء” إسحاق جهانغيري، وإمّا الذهاب إلى خيار من خارج القوى الإصلاحية يكون منطقة وسطاً بينهم وبين قيادة النظام من دون أن يشبه الاقتراب من مرشّح محافظ. وهنا يصبح علي لاريجاني البديل المحتمل أو الخيار الأرجح لهذه القوى، يمكن الوقوف خلفه ودعمه في معركته لمواجهة رئيسي، مرشح المتشدّدين.

ومن غير المستبعد أن يكون الهدف، بالدرجة الأولى، من تبنّي الإصلاحيين لخيار ترشُّح لاريجاني، هو إيصال رسالة إلى قيادة النظام تفيد باستمرار قدرتهم على تأدية دور في مستقبل العملية السياسية، وحشد الشارع الشعبي، وأنّ كلّ الجهود التي بُذِلت لإخراجهم من الساحة السياسية وإضعافهم لم تنجح أو فشلت في تحقيق الهدف النهائي منها.

وفي الدرجة الثانية، سيكون الهدف إلحاق هزيمة بالأحزاب والقوى المحافظة التي تمثّل الجناح المتشدّد الساعي إلى ضرب العملية الديموقراطية والتعدّدية السياسية، وتحويل الأدوات الدستورية إلى وسيلة لتعزيز مفهوم “السلطة” و”الإسلامية”، وتغليبهما على مفهوم “الجمهورية”. وذلك بالوقوف وراء أحد أبناء هذه القوى الذي أبدى موقفاً مغايراً لهذه الرؤية، واقترب من أن يكون أكثر تمثيلاً لمسار اعتداليّ بدأ يشقّ طريقه ومكانه في الحياة السياسية، واللعب بخبث على الصراعات الداخلية بين المحافظين وضرب بعضهم بالبعض الآخر. والهدف بعيد الأمد والاستراتيجي هو فتح الطريق أمام عودة المحافظين بفعّالية إلى أداء دور مفصليّ وأساسي في مستقبل إيران السياسي.

وقوف القوى والأحزاب الإصلاحية مع لاريجاني سيتّجه نحو مزيد من التبلور في الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أنّ هذه القوى لم تصل إلى رؤية واضحة أو موحّدة حول تبنّي المرشّح الأبرز والأقرب إلى صفوفها، إسحاق جهانغيري. إذ إنّ بوادر الجدل الداخلي بين الإصلاحيين، توحي بوجود انقسام بينهم حول الإجماع المفترض على جهانغيري أو دعم لاريجاني. وقد بدأت بالظهور بين قيادات اللجنة المركزية لحزب “كوادر البناء”، من خلال نقاشاتهم للتحوّلات في الخطاب السياسي للاريجاني في السنوات العشر الماضية، وللتغيّرات التي طرأت عليه وعلى مواقفه التي توحي بمغادرته معسكر المحافظين المتشدّدين في أثناء تولّيه رئاسة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في أواخر تسعينيّات القرن الماضي والسنوات العشر الأُوَل من القرن الحالي، بالإضافة إلى النهج الوسطيّ الذي اعتمده في إدارة السلطة التشريعية مع تولّيه رئاسة البرلمان، والتعاون الواضح في دعم سياسات حكومة روحاني ومواجهته للمتشدّدين، خصوصاً في ما يتعلّق بالرؤية الاقتصادية لإدارة أزمات البلاد.

إذا ما ذهب الإصلاحيون إلى خيار لاريجاني، المحافظ المعتدل في الانتخابات الرئاسية، فإنّهم يعترفون ضمنيّاً بوجود أزمة حقيقية داخل صفوفهم جعلتهم عاجزين عن إنتاج قيادات قادرة على مخاطبة الشعب وإقناعه بجدّية المشروع الذي يقودونه. بالإضافة إلى عجزهم عن الخروج من الحالة الخاتميّة، والعجز عن بلورة مساحة جديدة تتكامل مع خاتمي ولا تقف عنده أو تلغيه.

مشاركة لاريجاني في الانتخابات لن تكون ربحاً لهذه القوى بمقدار ما ستكون خسارة للتيار الخصم: المحافظ. خصوصاً أنّ أيّ تغيُّر في منحى المشاركة الشعبية صعوداً وارتفاعاً لن يصبّ في مصلحة “رئيسي”، بل في خانة لاريجاني، الأمر الذي سيؤدّي إلى تراجع القاعدة الشعبية الداعمة للمتشدّدين ورئيسي. ولن يكون الأخير قادراً على تحقيق ما استطاع تحقيقه عام 2017 في مواجهة روحاني عندما استنفرت كل أجهزة النظام والقوى المحافظة للوقوف وراءه ودعمه، ولن يستطيع استعادة ما حصل عليه في تلك الانتخابات من أصوات بلغت نحو 16 مليوناً. إذ من المتوقّع أن لا تتجاوز أصواته في هذه الانتخابات عتبة عشرة ملايين في حال تجاوزت نسبة المشاركة الشعبية عتبة أربعين في المئة (40%). لذا سيكون بمقدور الإصلاحيّين، الذين يفتقرون إلى مرشّح قويّ، تحقيق نصر مجّاني بضرب القوى المحافظة بعضها بالبعض الآخر، وإيصال مرشحٍ يستطيعون التفاهم معه على الحدّ الأدنى من مطالبهم.

 

Exit mobile version