الحريري “هزم” عون… تسهيلاً للاعتذار؟

 

محمد بركات -أساس ميديا

الأكيد أنّ النائب جبران باسيل خسر أمام الرئيس المكلف سعد الحريري على حلبة مجلس النواب للملاكمة السياسية. بدت كلمة الحريري، “مبكّلة”، وللمرّة الأولى حملت نبرة هجومية لم نعهدها منه أبداً. بل وبدت كأنّها إعلان حريريّ بأنّ زمن الملاطفة تحت سقف المبادرة الفرنسية قد انتهى، ودخلنا في زمن المواجهة من داخل المؤسسات… وربما من خارجها، كما بشّرنا رئيس الإتحاد العمال العام عبر mtv ليل الخميس، من “صار الوقت” مع مرسيل غانم. فقد أعلن التحضير “للنزول إلى الشارع، بهدف الضغط لتشكيل الحكومة”.

إذاً خسر باسيل أمام الحريري. لكنّ مصادر متابعة قالت لـ”أساس” إنّ الحريري، بحسب المعطيات الداخلية والخارجية، لم يعد أمامه إلا الاعتذار. وقد يكون التصعيد باباً للاعتذار، بعدما يكون الرئيس المكلّف قد ألقى الحجّة على رئيس الجمهورية ميشال عون، ويوقّت خروجه، مع مكاسب شعبية بعد “خطاب المواجهة” في مجلس النواب، وعشية انفجار الشارع ورفع الدعم. فيخرج ليترك الانفجار الشعبي بوجه عون وبوجه أيّ رئيس يجرؤ على حمل كرة نار التكليف في حضنه، محتفظاً برصيده لدى حزب الله، مبرئاً إياه من عرقلة تشكيل الحكومة إلى حدّ القول أنّه سمّى وزراء الحزب دون العودة إلى قيادته في التشكيلة التي تقدّم بها إلى عون.

أما باسيل، الخاسر الأكبر من جولة المصارعة السياسية الحرّة التي ارتكبها ميشال عون بحقّ نفسه، فربما يكون كلامه عن طلب تعديل الدستور لتقييد الرئيس المكلف بفترة زمنية محدّدة ليشكّل الحكومة، باباً تحضيرياً للقول إنّ الانهيار الآتي سببه “تقاعس” الحريري عن تشكيل الحكومة.

أما رئيس مجلس النواب نبيه برّي فقد كان نجم الجلسة من خلال إدارة حديدية منعت بشكل منظّم وصارم الإنحراف النيابي نحو أيّ شكل من أشكال الطائفية. ولو أنّه بدا محايداً، لكنّ عاطفته إلى جانب الحريري، وحيث وجب أن يكون، ينحاز إلى جانب الدستور. فسرّع بعقد الجلسة الثانية أمس السبت، وقبلها برّد الأجواء يوم الجمعة، بالاكتفاء بتلاوة رسالة الرئيس عون إلى مجلس النواب. وبعد كلمتي باسيل والحريري، أعلن برّي “موقف” المجلس النيابي، وهو التمسّك بـ”تكليف الحريري، وأي موقف غير ذلك يتطلّب تعديلاً في الدستور، وهذا الأمر غير وارد”. ورفع مطرقته مُعلناً: “صُدِّق”.

بالتأكيد خسر باسيل، وبالنقاط ربح برّي، وبالضربة القاضية ربح الحريري، من خلال كلمة “حامية” برهن فيها كيف أنّ الرئيس عون يريد من رسالته أن “تخلّصه” من تكليف الحريري. وعدّد الحريري مراحل “تعطيل الدستور” التي أوصلت إلى الرسالة، وأبرزها الرسالة المتلفزة عشية الاستشارات النيابية في بعبدا، التي دعا خلالها عون الكتل النيابية إلى عدم تسمية الحريري، ثم رفضه التشكيلة الحكومية التي قدّمها الحريري، إضافة إلى اشتراطه الثلث المعطّل “ما يعطي الرئيس حقّ إقالة الحكومة، في تعديل مقنّع للدستور”، ثم إهانة موقع رئاسة الحكومة برسالة “مع درّاج” إلى بيت الوسط، وصولاً إلى استدعائه الحريري إلى بعبدا عبر رسالة تلفزيونية…

وضع الحريري عون في كادر “المُعطِّل” و”مُعلِّق الدستور”، وأعلن تمسّكه بالتكليف وصولاً إلى التأليف، وترك مجلس النواب “حكَماً” يقرّر منح الثقة أو حجبها.

يقول مرجع دستوري عتيق لـ”أساس” إنّ “ما انتهت إليه الجلسة، عبر الكلمة التي تلاها الرئيس نبيه بري، جاء ليؤكِّد المؤكَّد، وهو أن لا نصّ دستوريّاً يسمح بسحب تكليف تشكيل الحكومة، وأنّ المطلوب هو الإسراع في تشكيل الحكومة باتّفاق رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلَّف”. وختم المرجع الدستوري: “دستوريّاً، لا طائل في هذه الجلسة. أمّا سياسيّاً فقد نجح الرئيس برّي في إنقاذ مجلس النواب من الانقسام والصدام، معيداً الأمور إلى المربّع الأوّل، أي تشكيل الحكومة وفقاً للدستور”.

من جهته، أكّد نائب رئيس “تيار المستقبل” الدكتور مصطفى علوش لـ”أساس”، أنّه “باستثناء الكلام الذي أدلى به الرئيس الحريري في الجلسة، لم يكن أيّ كلام دستوريّاً. فإذا قارنّا بين كلام الحريري وكلام جبران باسيل، نجد أنّ كلام الأخير ينفع أن يقال في الصالونات وليس في المجلس. في المقابل جاء ردّ الرئيس الحريري واضحاً ودستوريّاً، ووضع النقاط على الحروف”.

ولم يتوقّع علّوش تضخّم الخلافات بين الطرفين بعد هذا الكلام، معلّقاً: “هذا هو حجم الأزمة منذ البداية. ميشال عون يريد السيطرة على الحكومة من خلال جبران باسيل، ولا يريد خيار مجلس النواب. وما يحدث حالياً هو تداعيات القرار غير الدستوري، الذي يقول فيه رئيس الجمهورية إنّه يريد تغيير رئيس الحكومة”.

وفي ما يتعلّق بمصير الحكومة وتأليفها، قال علوش: “الكلام الذي سمعناه في مجلس النواب، لن يغيّر شيئاً من الواقع. نحن في أزمة، وربّما يضع كلام الحريري الصريح والواضح الكلَّ أمام مسؤوليّاته، ويبيّن لرئيس الجمهورية حقيقة الوضع”.

 

 

Exit mobile version