“ليبانون ديبايت” – فادي عيد
شكّلت جلسة مجلس النواب الأخيرة بكل تفاصيلها، مقدّمة لمرحلة سياسية جديدة، تكرّست فيها بوضوح التحالفات التي ستمتدّ من اليوم إلى حين حلول موعد الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة. وعلى الرغم من أن المنحى الإنقسامي قد بات محسوماً على الساحة الداخلية، فإن الحراك السياسي قد انطلق لصياغة اصطفافات سياسية جديدة، خصوصاً لجهة الوضوح الذي ارتسم في موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي كان داعماً للرئيس المكلّف سعد الحريري، بحيث بدا من الطبيعي، وعلى الرغم من المواقف التي أعلنها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، والتي حمّل فيها الرئيس الحريري بعض المسؤولية عن التأخير في التشكيل، بأنه سيسير في هذا الحلف السياسي إرضاءً للرئيس بري.
ومن هنا، تحدّثت أوساط سياسية مواكبة، عن أن إشارة الرئيس الحريري الواضحة، إلى أن التشكيلة الحكومية التي كان قد قدّمها إلى رئيس الجمهورية ما زالت صالحة، وبالتالي، فهو ردّ على رسالة رئيس الجمهورية، بأنه لن يشكّل حكومة كما يريدها رئيس الجمهورية وفريقه، أو أي فريق سياسي آخر.
لذا، توقّعت هذه الأوساط، أن يستمر الأفق مسدوداً، كما أن تبقى حكومة تصريف الأعمال حتى نهاية العهد الحالي، كما أكدت أن الساحة اللبنانية تبدو اليوم متروكة لمصيرها، ولإدارة القوى السياسية الداخلية، وللأزمات الحاضرة والمرتقبة، ذلك أن الأولوية لدى المجتمع الدولي تنصبّ باتجاه ملفات إقليمية أخرى. وبالتالي، فإن الحريري مستمر في مهمة التأليف، ولكن ما تغيّر بعد رسالة رئيس الجمهورية، هو تثبيت هذا التأليف من قبل المجلس النيابي، إنما مع بروز واضح للمشهد السياسي المرتقب في المرحلة المقبلة، حيث دخل الملف الحكومي عاملاً مؤثّراً في الإصطفافات والتحالفات على صعيد الإنتخابات النيابية في حال حصولها، أو الإنتخابات الرئاسية إذا حصلت.
وحيال هذا الواقع، تقول الأوساط السياسية نفسها، أن الأبرز في مناقشة رسالة رئيس الجمهورية، هو أن طرفي الخلاف الحكومي قد قرّرا، ولو من دون اتفاق، على الإحتكام للمجلس النيابي، وبالتالي للدستور، وذلك، بدلاً من الإجتهادات والتفسيرات للنصوص الدستورية التي لم تؤدِّ سوى إلى بقاء الملف الحكومي يدور في حلقة مفرغة، كما حصل خلال الأشهر السبعة الماضية.
وعليه، فإن مبادرة المجلس إلى حسم الإشتباك السياسي ووضع حدّ لكل التفسيرات والتأويلات، من الممكن أن تشكل خطوة على طريق الخروج من هذه الدائرة، ووضع عملية التأليف في إطار جديد، ومن دون أن يكون ذلك باتجاه إيجابي، أو باتجاه سلبي، كما تكشف الأوساط نفسها، ذلك أنه من الصعب أن يبادر أصحاب القرار إلى تخفيض سقوفهم العالية، والذهاب باتجاه الحلول، في ظل التعقيدات التي استجدّت أخيراً بالنسبة لعودة “العنصر السوري” إلى المشهد الداخلي، لأن فرصة الحلّ قد تكون هُدِرَت، وبات الوضع اليوم صعباً مع بروز تحدّيات جديدة أمام كل القوى السياسية، وليس فقط أمام فريقي التأليف، ذلك أن استحضار مشاهد الإنقسام الطائفي والتوتّر المريب في الشارع منذ بدء الإعداد للإنتخابات الرئاسية السورية، يشير إلى أن القوى السياسية في مكان، بينما الفريق الفاعل والمؤثّر في اللعبة الداخلية قد أصبح في مكان آخر، فيما الشعب منشغل بالإنهيارات المتتالية في كل القطاعات.