“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
في زمن الإستعراضات والعراضات، من اليرزة إلى الحمرا، مروراً بالأونيسكو كلّه وفقاً لترقيم الترقيعات المؤقتة، في انتظار التسويات الكبرى التي تربط كل تلك الأحداث بحبل غليظ يمتد من فيينا إلى بغداد فبيروت، وقد لا ينتهي عند محور غزة – تل أبيب.
كل شيء حضر واستُحضر إلى المقرّ المؤقّت، حتى النائب ديما جمالي، “تركت شغلها” في الإمارات ونزلت إلى بيروت للمشاركة “كرمال عيون الرئيس”، قصدها الرئيس سعد الحريري. وحدها هموم اللبنانيين غابت، وكذلك أصواتهم من خارج القاعة. أدلى جبران باسيل بدلوه، “إذا كمّلت هيك لازم يتعدّل الدستور”، فردّ سعد الحريري “الكيل أكيال”، “ما تِحلَموا بحكومة متل ما بدن الأزلام” ، لتبقى كلمة الفصل لتحالف بري – جنبلاط وسكوت الحزب.
جلسة جاءت لتثبت مرة أخرى أن سعد الحريري، مدمن كؤوس السمّ والإنتحار، قد تغيّر، فإذا به يعتمد سياسة الهجوم المباشر للمرة الثالثة، من منبر البرلمان المهجّر هذه المرة. رفع سقفه، لم يساير أو يسالم أو يهادن، واصفاً رئيس الجمهورية وفريقه بأقذع التعابير، مسمّياً الأشياء بأسمائها. في المقابل، نبرة هادئة للصهر، الذي قضى نهاره في بعبدا يوم إرسال الرسالة إلى المجلس، تجنّب فيها تسمية الشيخ سعد بالإسم. ووسط العدوين اصطفّت القوى السياسية.
وبفارق 24 ساعة، بين التلاوة ولقاء الشيخ والنقاش والإجتماع بالصهر، جاءت نهاية المنازلة النيابية، بتعادل سلبي صبّ في غير مصلحة رئاسة الجمهورية، إذ ثبّت الحريري رئيساً مكلفاً، من جهة، والفراغ الحكومي إلى ما شاء الله من جهة ثانية، وهو خلاصة ما ورد ما بين سطور طبخة التسوية الشيعية – الدرزية برضى سني، ومعارضة ثنائي معراب – ميرنا الشالوحي، وأن لكلّ منهما منطلقاته وأهدافه، في مشهد “ولا أهضم” سبقت فيه “مطرقة الإستيذ” حتى رفع أيدي الموافقين، محتفلةً بسقوط الورقة الدستورية الأخيرة المتوفّرة لرئيس “مزلّط من الصلاحيات”، وكأن برئيس المجلس يقول لرئيس الجمهورية “شو كان بدّك بهالشغلة”.
“الحزب التقدمي الإشتراكي” غرّد خارج السرب النيابي، فيما أمسك “حزب الله” العصا من النصف، لغايات في نفس حارته وما بعد بعدها، كما بات واضحاً في أكثر من مناسبة. أما “إستيذ” عين التينة، فمارس التقيّة بأبهى طقوسها. شكلاً تموضع في الوسط، ومضموناً انحاز للأزرق، وما “قفشاته” خلال سير الجلسة سوى خير دليل، فها هو يرفض شطب عبارة أزلام الرئيس من المحضر تارةً، أو يتوجّه إلى جبران “مطلوب منك عملية إنتحارية ثانية”، طوراً، في تعبير واضح عن حقيقة المواقف والمُضمَر في القلب. إنها تقيّة الحزب يمارسها رئيس المجلس.
“تيتي تيتي متل ما فاتوا طلعوا… فشّوا خلقن وضهروا”.
في طبيعة الحال، لا يعني أبداً ما قيل من كلام نبرته عالية، أن اللقاء بين الطرفين بات صعباً أو مستحيلاً، فالأطراف تعوّدت الجلوس إلى نفس الطاولة بعد كل حفلة “جرصة وبهدلة”، على قاعدة عفا الله عما مضى، وصارت ورانا… هي قصة الحماة والكنّة والجروح يلّي كل مرة بتختم عا زغل… ولح يضل.