الأخبار
ما تواجهه هذه الإدارة لا يقتصر على الشقّ الخارجي، وكيفية التصرّف حيال الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي فحسب، بل يدخل أيضاً ضمن سياق الضغوط المتواصلة التي تُمارَس عليها من قِبَل الجناح التقدُّمي في الحزب الديموقراطي، والتشكُّك تجاه إسرائيل، والذي وصل ببعض أقوى المدافعين عنها في الكونغرس، إلى انتقادها. وآخر الضغوط التي مُورست في هذا المجال، كان من جانب النائب غريغوري ميكس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الذي أكد أنه سيطلب من إدارة بايدن تأجيل النظر في صفقة السلاح لإسرائيل. ميكس، الذي “لا غنى عنه في المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية (إيباك)”، عَقد اجتماعاً طارئاً للديموقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية لمناقشة تأخير صفقة السلاح. اقتراحٌ جاء بعدما أثار عدد من الديموقراطيين مخاوف في شأن إرسال أسلحة أميركية الصنع إلى إسرائيل، خصوصاً إثر الغضبة التي أثارها إسقاط برج “الجلاء” الذي يضمّ وسائل إعلام، من بينها وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية. كما جاء غداة قيام 28 من أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين بكتابة خطاب يدعو إلى وقف إطلاق النار. هذه الجهود قادها السناتور الديموقراطي، جون أوسوف (34 عاماً)، الذي يُعدُّ وجهَ الجيل الأصغر من اليهود الأميركيين في الكونغرس. علامةٌ أخرى على تطوّر آراء الديموقراطيين، جاءت من جانب السناتور بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أحد أكثر حلفاء إسرائيل ثباتاً في الحزب، والذي أصدر بياناً عبّر فيه عن انزعاجه من الضربات الإسرائيلية التي قتلت مدنيين فلسطينيين وأسقطت برجاً يضمّ وسائل إعلام إخبارية.
ربطاً بما تقدَّم، وجد بايدن نفسه مضطرّاً إلى التأكيد أن “لا تغيير” في الالتزام تجاه إسرائيل. وبعد إعلان التهدئة، كرّر الرئيس الأميركي دعمه لـ”حلّ الدولتَين”. “لا يوجد تحوُّل في التزامي بأمن إسرائيل، نقطة انتهى”، قال بايدن للصحافيين في مؤتمر صحافي، عقب اجتماعه مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن. وعندما سُئل عن رسالته إلى الديموقراطيين الذين يريدون منه أن يكون أكثر حزماً تجاه إسرائيل، وأولئك الذين ينتقدون صفقة السلاح، قال: “التحوُّل هو أنّنا ما زلنا بحاجة إلى حلّ الدولتين. إنه الجواب الوحيد”، مضيفاً أنه ملتزم بالمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية في غزة، بطريقة لا توفّر لـ”حماس” الفرصة لإعادة بناء أنظمة أسلحتها.
ومن هذا المنطلق، أفادت وسائل إعلام أميركية بأن الإدارة تدرس كيفية إعادة ضبط سياستها في المنطقة، في ضوء وقف إطلاق النار، من دون تشتيت الانتباه عن الأولويات الأخرى. وعلى المدى القصير، سيتّخذ بايدن خطوات لزيادة المشاركة الأميركية، حيث سيزور وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، المنطقة، كما ستقوم وزارة الخارجية بإيفاد دبلوماسي مخضرم، هو مايكل راتني، لقيادة سفارة الولايات المتحدة في القدس. ووفق “نيويورك تايمز”، يمكن راتني، نائب مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الذي شغل منصب القنصل العام في القدس خلال إدارة باراك أوباما، أن يكون بمثابة قناة واشنطن للفلسطينيين في هذه الأثناء. ويأتي اختيار راتني في وقت لا يزال فيه من غير الواضح توقيت اختيار بايدن سفيره، وهي المهمّة التي وصفها العديد من الخبراء الإقليميين بأنها عاجلة، إلّا أن شخصَين على اتصال بالبيت الأبيض توقّعا أن يختار توماس نيدس، الذي شغل، أيضاً، منصب نائب وزير الخارجية في إدارة أوباما. وعلى نطاق أوسع، يدرس مسؤولو إدارة بايدن الأساليب التي يجب اتّباعها لتهدئة الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. وقد توصّلوا إلى إجماع مبكر على قيادة جهد إنساني دولي لغزة، وهو ما قال بايدن إن السلطة الفلسطينية ستقوده، وليس حركة “حماس”.
في هذه الأثناء، أفادت “نيويورك تايمز” بأن “من المتوقّع أن ينظر بايدن في مبادرات أخرى”. فبحسب مسؤول أميركي، سيلقي الدبلوماسيون الأميركيون “الذين وضعوا جانباً آفاق التوسّط في اتفاق سلام أوسع بين الجانبين”، نظرة جديدة على قضية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلّة. كذلك، ستعيد الإدارة الأميركية التركيز على كيفية البناء على اتفاقات التطبيع الجديدة. ومن جهة أخرى، تدرس الإدارة كيفيّة تعزيز العلاقات والتنسيق بين الفصائل السياسية الفلسطينية “المتنافسة” في غزة والضفة، على ما جاء في تحليل شارك في كتابته، عام 2018، هادي عمرو، نائب مساعد وزير الخارجية الحالي لشؤون إسرائيل وفلسطين.
أمّا الخطوة اللاحقة التي تتطلّع إليها إدارة بايدن، فهي إعادة بناء غزة. وبحسب مسؤول في إدارة بايدن، فإن “الولايات المتحدة تخطّط لتكون في صدارة استجابة دولية، تكلّف مليارات الدولارات، لتشمل استعادة الخدمات الصحية والتعليمية”، والتي تُعتبر “جزءاً ضرورياً من الدبلوماسية”، بمعنى أنك “تحتاج إلى وضع حماس في موقف يتعيّن عليها فيه الاختيار بين صواريخها ورفاهية غزة”، بحسب دينيس روس. وأشار روس إلى أن المانحين الدوليين قد يكونون حذرين، من دون تأكيدات قابلة للتنفيذ بأن أيّ استثمارات لن تذهب سدًى. وهو يبني، في هذا الإطار، على تحذيرات مماثلة كانت قد صدرت في عام 2014، عندما دمّرت الحرب الإسرائيلية على غزة أكثر من 170 ألف وحدة سكنية. حينها، تمّ إعلان وقف إطلاق النار، وأنشأ “المجتمع الدولي” نظام مراقبة يسمّى آلية إعادة إعمار غزة للإشراف على جهود إعادة الإعمار، و”ضمان عدم قدرة حماس على استيراد الإمدادات التي يمكن استخدامها كأسلحة”. إلّا أنّ تحليلاً أجراه معهد “بروكينغز” خلص، في عام 2017، إلى أن جهود إعادة الإعمار فشلت إلى حدّ كبير بسبب “المعارضة السياسية المستعصية ضدّ حماس – ليس فقط من إسرائيل، ولكن أيضاً من مصر، التي تعارض علاقات مسلّحي حماس بالإخوان المسلمين”. وخلص التحليل، أيضاً، إلى أن الوصول المقيَّد إلى غزة – الذي فرضته مصر-، إضافة إلى الحصار الإسرائيلي، أدّيا إلى تقييد إمدادات البناء والمساعدات الإنسانية وغيرها من المعدّات إلى المنطقة. وفي الوقت نفسه، وجد التحليل أن المانحين الدوليين كانوا بطيئين في إرسال الأموال التي التزموا بها لجهود إعادة البناء في غزة، عام 2014. فالغالبية العظمى من التبرّعات التي لم يتمّ الوفاء بها، بعد ثلاث سنوات من وقف إطلاق النار، تعهّدت بها الدول العربية في الخليج، والتي عارضت أيضاً علاقات “حماس” بـ”الإخوان المسلمين”.