ناصر قنديل-البناء
– لن يكون سهلاً على الذين يتربّصون بالمقاومة ثقافة وخياراً ونهجاً وحركات ومحوراً التسليم بأن نصراً تحقق في الجولة الأولى من حرب استقلال فلسطين، كما لن يكون سهلاً على الذين تحكمهم الحماسة في نصرة المقاومة كثقافة وخيار وحركات ومحور أن يتقبّلوا ببساطة أن نصراً تحقق من دون أن يكون وقف النار مرفقاً لمكاسب بعينها، كفكّ الحصار عن غزة أو الالتزام بوقف الانتهاكات في القدس، وأهمية مناقشة معادلة النصر الجديد تنبع من كونه غير مسبوق بحجمه ونوعه، وهو مرشح للتكرار مراراً قبل أن نبلغ أحد خيارين، الثورة المسلحة الشاملة داخل فلسطين، أو المنازلة الشاملة بين الكيان ومحور المقاومة، أو كلتيهما معاً. فنحن ننتقل من مرحلة كان عنوانها إثبات جدوى المقاومة كخيار في مواجهة خيار التفاوض، ومن مرحلة كان عنوانها المعارك الجزئية المتصلة بحماية غزة، الى مرحلة عنوانها استقلال فلسطين بتوحيد عناوينها ومصادر قوتها الجغرافية والسياسية، التي مزّقها وفرّقها خيار التفاوض، توحيد الضفة وغزة والقدس والأراضي المحتلة عام 48، وتوحيد القدرة النارية للردع مع المواجهات الشعبية للاحتلال، وتوحيد النضال الفلسطيني مع حضور محور المقاومة، وتوحيد كل المواجهة مع الكيان مع الشارعين العربي والدولي لمساندة حق الشعب الفلسطيني، وبهذا يصير أي من المكاسب التقليدية خسارة ومصدر ضرر لحرب الاستقلال إذا كان من نتائجه ضرب هذه الوحدة، كتعويم خيار التفاوض من بوابة ربط مصير القدس الشرقية بالحل السياسي، او فصل غزة عن الضفة، او العودة لتهميش مكانة فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48، ويصير الامتناع عن الإصرار على المكاسب هو المكسب بذاته، لأنه يبقي الصراع مفتوحاً، ويضع جميع المكونات والشرائح المعنية بالاستقلال على خط الاشتباك بالتوازي، وينشئ الثقة بأن جولات الحرب لن تكون لحسابات ومكاسب جزئيّة أو فئويّة.
– بعد جولات متفرّقة العناوين والأجندات فلسطينياً، ومتعددة الأهداف بالنسبة لجيش الاحتلال، هذه هي الجولة الأولى الشاملة لاختبار موازين القوى، حيث يحتشد الشعب الفلسطيني والسلاح الفلسطيني في مواجهة جيش الاحتلال، ويكتشف الكيان خلالها انه عاجز عن حسم المواجهة لصالحه، وعاجز عن تحقيق مكاسب جزئية على الطريق، وأنه عاجز عن ضمان الحماية من تداعيات جولات مشابهة، وأنه عاجز عن الرهان على مواجهة أشمل مع محور المقاومة، ويتعرّف الفلسطينيون بالعين المجردة على وجوههم وعيونهم، فيكتشفون حجم قوتهم، وما أصابوا به الكيان من ارتباك وما أظهروه لديه من ضعف، ويتعرفون على عظمة ما لديهم من رصيد وقوة كامنة، فينهض معهم العالم وتنهض معهم أمتهم، وتتوحّد من حولهم قوى المقاومة، ويصبحون فجأة الرقم الأصعب في معادلات العالم الجديد الناشئ عن جولات حروب تغيّرت خلالها معادلات القوة والضعف في السياسة الدولية، وبالوقائع عادت القضية الفلسطينية بصفتها قضية الأرض والإنسان بوهج قيل إنها فقدته، وبالوقائع عادت القضية الفلسطينية بصفتها قضية فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48 والقدس التي قيل إنها طويت من زمان، وعاد حق العودة الى الواجهة، وأعيد طرح مصير الاستيطان والتهويد بعدما تم التسليم بأنهما من الثوابت غير المطروحة للنقاش، وفي مواجهة هذه التحوّلات لا يملك كيان الاحتلال ما يفعله سوى المخاطرة بجولة ثانية، وهو أنهى الجولة الأولى قلقاً من التداعيات، بينما يملك الفلسطينيون الكثير ليفعلوه، فهم يحتاجون الزمن لتنظيم صفوفهم التي تفجّر حضورها دفعة واحدة، ولتشبيك قضاياهم وترتيب أوراقها، وتمتين تحالفاتهم وقد ظهرت مصادر حضورها وقوتها على مساحة المنطقة ومساحة العالم.
– سيعود المستوطنون وجيش الاحتلال الى التوحش وسيواجههم الفلسطينيون بروح معنوية جديدة، وسيؤدي تراكم الاشتباك إلى انفجار جولة جديدة، يحتاج الفلسطينيون أن يسبقها هذه المرة استثمار على نتائج هذه الجولة وهو ما لا يملكه كيان الاحتلال، فأمامه أحد طريقين، الاستعداد لما يسميه قادته بالحرب الأهلية العربية اليهودية ووقوف الجيش وراء المستوطنين وما يعنيه ذلك من مخاطرة الدخول في مواجهة شاملة مع كل فلسطين وصولاً لحرب شاملة مع كل محور المقاومة، أو المخاطرة بحرب أهلية يهودية يهودية بمواجهة توحّش المستوطنين والقبول بإحياء الخيار التفاوضي على أرضية صيغ تتضمن التأقلم للتعايش مع غزة خارج الحصار، ومع سلطة فلسطينية في الضفة والقدس الشرقية من دون مستوطنات، ولصعوبة كل من الخيارين سيتورط الكيان بجولات جديدة قبل أن يحسم خياره، بينما على الفلسطينيين أن يستثمروا الوقت للاستعداد في الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 48 سياسياً وعملياً للجولة القادمة، بربط المصير والقضايا ورفع الجهوزية والمقدرات، أما الضغط لفك الحصار عن غزة فيجب أن يكون على الجبهة العربية لفتح الحدود مع مصر، والتنسيق ضمن محور المقاومة يجب أن يبدأ من دمشق بتثبيت مكانتها عاصمة لقوى المقاومة ومعالجة ذيول المرحلة الموروثة من بقايا الربيع العربي المشؤوم.
– يكفي أن نقارن ما جرى في عشرة أيام بحرب الأيام الستة لنعرف أننا أزلنا آثار النكسة، وأن ننظر في العيون، عيون الفلسطينيين وعيون المستوطنين لنعرف من انتصر. فالنصر هو منح التفويض وامتلاك الشجاعة لمواجهة قادمة، والكيان اليوم يخرج أضعف من التفكير بجولة جديدة، والفلسطينيون يخرجون بعزم الجهوزية لما هو أعظم، هكذا تبدأ حروب الاستقلال.