الحدث

“التيار الوطني الحرّ” والدولة

 

محمد علي مقلد-نداء الوطن

موقف “التيار الوطني الحرّ” من الدولة يكاد يكون مطابقاً لموقف “حركة أمل” من الدولة. متشابهان في هذه النقطة بالذات وقد يتمايزان في نواح أخرى عديدة. وجه الشبه يتمثل في أن كلاً منهما امتطى حصان الدولة للوصول إلى السلطة، وعند بلوغها ترجل الفارس عن مطي صار بنظره أقرب إلى الأوتوبيس، جحش الدولة، منه إلى الحصان.

ملاحظتان لا بد منهما، الأولى: إن المقارنة بين التنظيمين في هذه المقالة ليست من قبيل 6 و 6 مكرر،على الطريقة اللبنانية، فقد سبق أن تناولت موقف كل من اليسار و”المقاومة” و”الكتائب” و”القوات” و”الاشتراكي” من الدولة، ومن الدولة فحسب، كما أن سلسلة المقالات التي تحمل عنوان اغتيال الدولة لا تتنطح إلى كتابة تاريخ للأحزاب أو إلى قراءة نقدية لتجاربها، بل إن همها محصور بالبحث عما يعزز فكرة الدولة ويساعد على إعادة بنائها وإعادة بناء الوطن.

والثانية: لا يجوز لأحد أن يدرجها في سياق الحملة على رئاسة الجمهورية والدعوة إلى إحالته على المحاكمة.

كل مجد “التيار” انبنى على تمجيد الدولة في مواجهة خطرين، الميليشيات المحلية والمطامع الخارجية بلبنان. معركة الجنرال ضدهم جميعاً تذكر بفتح عمورية لأبي تمام، “تجمع فيها كل لسن وأمة”، المتضررون من الحرب الأهلية، والمعترضون على نهج “القوات اللبنانية” الميليشيوي، والمستاؤون من المساومات الكتائبية مع النظام السوري، وكل الراغبين باستعادة الشرعية وسيادة الدولة من المتربصين بها خارج الحدود والمعتدين عليها في الداخل، فخاض باسمهم حربي التحرير والإلغاء.

أحدثت هزيمته نوعاً من الإرباك لدى مريديه ومؤيديه، فقد بدا متشدداً ضد اتفاق الطائف، أي ضد حل علق اللبنانيون آمالهم عليه لإيقاف الحرب الأهلية، ومتساهلاً مع التدخل الخارجي خصوصاً بعد تلقيه مساعدات عينية ومالية من النظام العراقي.

نهج نظام الوصاية عزز التضامن مع الجنرال وهو في منفاه الباريسي، وبلغ التضامن ذروته بعد اغتيال رفيق الحريري وتعزز الالتفاف حوله كرمز من رموز المواجهة مع النظام السوري، من أجل ذلك أقيمت احتفالات جماهيرية في كل المناطق اللبنانية تحضيراً لعودته، شارك فيها كلها عبر تسجيلات صوتية. لست نادماً على مشاركتي في استقباله يوم ألقيت، باسم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، خطاباً في بلدة إبل السقي في الجنوب، رحبت فيه بعودته المنتظرة. في حينه كنا نخوض معركة السيادة الوطنية والوحدة الوطنية.

الحركة الجماهيرية التي آزرت الجنرال ورثها “التيار الوطني الحر” وحرف مسارها. بعد أن كانت بحثاً عن عودة الشرعية وتعزيزاً لسيادة الدولة، صار هاجسها الأساس الوصول إلى السلطة. صحيح أن الخلط بين الدولة والسلطة ظاهرة معممة في عقل الحركة القومية العربية وعقل السياسيين اللبنانيين، لكن الأمر فاضح ومبالغ فيه لدى “التيار” الذي استبدل مفرداته بنقيضها، فصار الناطقون باسمه من عتاة الطائفيين بعد أن كان منصة علمانية، وبات كل شيء يحسب بحسابات مذهبية، بما في ذلك المطر والحرائق والوظائف وإدارات الدولة والماء والكهرباء.

لم يكتف “التيار” بتعميم ظاهرة الحكم الوراثي العربية داخل التنظيم بل سعى جاهداً لتعميمه على النظام اللبناني، فعطل تشكيل الحكومات وانتخابات الرئاسة من أجل التحضير لتوريث سياسي في سلطة الحزب كما في سلطة الدولة، ولم يعتمد في اختيار أجهزة الدولة وإداراتها وأجهزتها الإدارية مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص، بل درجة الولاء لزعامة لم تتوفر لها مقومات الزعامة لكثرة ما رميت بالفضائح وتهم الفساد والإفساد والمحسوبيات والاعتداء على المال العام، فكان من الطبيعي أن تندلع ثورة الربيع العربي في لبنان للمطالبة بتطبيق الدستور ومنع التوريث السياسي.

الأخطر من كل هذا ما يرمى به “التيار” ورئيسه ورئاسة الجمهورية بتهم انتهاك الدستور وتأمين الحماية لمنتهكي القوانين. ولعل الأمر الفاضح في هذا المجال الموقف من السلطة القضائية والاعتداء على استقلاليتها بالامتناع عن توقيع مرسوم التشكيلات التي أقرها مجلس القضاء الأعلى، فضلاً عن تحويل رئاسة الجمهورية إلى طرف في الصراع الداخلي والصراعات الخارجية.

ليس هذا مدعاة لعرقلة قيام الدولة فحسب بل هو سبب كاف للقضاء عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى