الأخبار- يحيى دبوق
في الإطار نفسه، سيتركّز الاهتمام الإسرائيلي على بحث فاعلية المعادلة المتشكّلة نتيجة الحرب، وإن لم يجرِ الاتفاق على محدّداتها: إن عاودت إسرائيل إجراءاتها في القدس، وكذلك في الضفة، فهل ستبادر غزة إلى التحرّك عسكرياً لمنع الاعتداء؟ هذا يعني البحث في تأثير الدور الحمائي الغزّي للقدس والمقدسيين وقضاياهم، ومدى إضراره على المستوى الاستراتيجي بإسرائيل، ودوره في تراجع مكانة السلطة الفلسطينية التي تُعدّ أداة طيّعة لدى الاحتلال، بالوكالة عنه وبالأصالة عن نفسها، لقمع أيّ مقاومة فعلية ضدّه. وإذا كانت إسرائيل التزمت بفكّ مستوى من مستويات الحصار، بما يشمل إمكانية إعادة بناء ما تضرّر من دور سكنية وبنية تحتية في القطاع، إلّا أنها ستكون معنيّة، إن قررت المُضيّ قُدُماً في التزامها المشار إليه، في البحث في إمكانية استغلاله لانتزاع تنازلات من الفصائل في ما يخصّ معادلة «غزة – القدس»، التي لم تقرّ بها علناً، وإن كانت تدرك أن متطلّبات تفعيلها باتت متوافرة لدى غزة، نتيجة المواجهة.
كذلك، ستهتمّ إسرائيل بدراسة أسباب الفشل الاستخباري الذي منعها من تحقيق إنجازات تطلّعت إلى تحقيقها أيّاماً طويلة، علّها تكون قادرة على تحقيق صورة انتصار ما، كان يحتاج إليها المستويان السياسي والعسكري لإنهاء الجولة. هذا الفشل الذي أدّى إلى تراجع الكيان، وإقراره بشكل غير مباشر بدونية قدرته على تحقيق الأهداف في مواجهة غزة، على رغم الفارق المهول في الإمكانات العسكرية بين الطرفين، يَطرح تساؤلاً حول إذا ما كان ناجماً عن النماذج والقوالب الاستخبارية المعتمَدة في تقدير نيّات غزة وقدراتها، والتي ثبت فشلها، أو تمكّن الفصائل من التملّص من الحصار واحتواء الجهد الاستخباري المُسلَّط عليها، وإن كان الأكثر رجحاناً خليط من الأول والثاني، مع نسب مختلفة.
من الآن، ستضع إسرائيل إمكاناتها، وما يمكنها أن تضيف إليها من أصدقائها وأتباعها، على طاولة البحث تمهيداً لبلورة خطط ومسارات تهدف إلى تفريغ الانتصار الغزّي من مضمونه وفاعليته، مع الإدراك مسبقاً أن تأثيراته السلبية لا تقتصر على تموضع إسرائيل مقابل الدائرة الفلسطينية فقط، بل تنسحب كذلك على تموضعاتها الأخرى في ساحات أشدّ خطراً وتهديداً، بما لا يقارَن مع ما تُمثّله غزة. ومن بين المسارات التي يُقدَّر أن تلجأ إليها إسرائيل، في هذا الإطار، السعي إلى تحقيق أهداف من شأن إنجازها، من وجهة نظر تل أبيب، ترميم الردع، وربّما أيضاً تعزيزه، في مواجهة غزة. وهي غاية تُمثّل أولوية لدى إسرائيل في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، بما لا يعني تقليص ما يُتوقَّع منها من أفعال تجاه الفلسطينيين فقط، بل وأيضاً إمكانية أن تلجأ إلى الإضرار بقادة الفصائل، علّها تُحقّق، عبر تغييبهم جسدياً، ما عجزت عن بلوغه خلال المواجهة نفسها. وهذا لا يعني بالضرورة عمليات صاخبة قد تتسبّب في استئناف القتال، إذ يمكن للاحتلال أن يشتغل على عمليات ببصمة مكتومة، ما يتطلّب العمل في اليوم الذي يلي على توفير القدرة العملياتية لتنفيذ اعتداءات كهذه. وعليه، سيكون على الفصائل، في المقابل، العمل على تأمين المنعة الاستخبارية المضادّة، والانكفاء العلني ما أمكن، كمظلّة حمائية ضرورية في هذه المرحلة، لمنع الاحتلال من تحقيق أهدافه. في مسار موازٍ، ستكون إسرائيل معنيّة، في اليوم الذي يلي، بدراسة موقع السلطة الفلسطينية، التي باتت في الوعي الجمعي لعموم الفلسطينيين، سلاحاً قمعياً يعمل بالوكالة عن الاحتلال لتحقيق أهدافه ورعاية مصالحه الأمنية. وعلى رغم أن الضرر اللاحق بالسلطة وبدورها الوظيفي، والذي يُعدّ من أهمّ النتائج المادّية للجولة الأخيرة، يتعذّر جبره، إلا أن إسرائيل ستبحث خياراتها في العمل على ترميم صورة رام الله في الوعي الفلسطيني.
في المحصلة، نتائج المواجهة في الساحة الفلسطينية متشعّبة ومتنوّعة ومتداخلة، ومنها ما تَحقّق بشكل كامل، فيما تنتظر نتائج أخرى معارك غير عسكرية يُفترض أن يخوضها الفلسطينيون لاستكمال تَحقّقها، فيما ستكون إسرائل معنيّة بمنعها أو خفض سقف توقّعات الفلسطينيين منها. لكن واحدة من أهمّ النتائج المُنجزة، وإن رفضت إسرائيل الإقرار العلني بها، هي معادلة «غزة – القدس»؛ فمن الآن فصاعداً، سيكون على صاحب القرار في تل أبيب استحضار ردّ فعل غزة على أيّ إجراء عدائي ضدّ القدس والمقدسيين.