معن بشور-البناء
لم يكن من قبيل الصدف أبداً أن يتزامن موعد عقد اتفاقيّة سايكس بيكو (عام 1916)، مع موعد إعلان وعد بلفور (عام 1917)، فالسياسة الاستعمارية تجاه أمتنا تقوم على ركيزتين أساسيتين: تجزئة الوطن العربي وتقسيم الأمة من جهة، واغتصاب فلسطين من جهة ثانية…
ومن هنا فقد شهد القرن الفائت وبداية القرن الحالي صراعاً بين هذا المخطط الاستعماريّ وبين حركة التحرر العربيّة الأصيلة القائمة على فكرتين أساسيتين: الوحدة طريق فلسطين وفلسطين طريق الوحدة.
وفي ضوء هذا الصراع، كان هناك صراع بين مسارين أيضاً، مسار يقوم على فكرة أننا أمام عدو صهيوني لا يُقهَر، وأمام هيمنة استعمارية وأميركيّة لا تردّ، وبالتالي لا بدّ من الإذعان للإملاءات الاستعمارية وللعنجهية الصهيونية. وهو مسار اتخذ أشكالاً متعدّدة من حروب وفتن لضرب وحدة الأمة من جهة، وتمزيق وحدة الأقطار من جهة ثانية، وهو مسار أوصلنا الى اتفاقيات تطبيع، قديمة وجديدة، مع العدو ارتكبتها حكومات عربية بذريعة أنّ السلام مع العدو هو مفتاح الازدهار والاستقرار والأمن في المنطقة، ليتضح أن هذه الاتفاقيات كانت مدخلاً لحروب لم تتوقف بين أقطار الأمة وداخل كلّ قطر، وأنّ ملايين العرب والمسلمين قد قضوا في ظل هذا “السلام” الموهوم والتطبيع المشؤوم، وانّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الأقطار التي طبّعت حكوماتها مع العدو ازدادت سوءاً وتردياً.
أما المسار الآخر، فكان مسار التحرّر والمقاومة، الذي أخذ شكل مقاومة الاستعمار في مراحله الأولى ثم مقاومة التجزئة والاستبداد والفساد في المراحل التالية، ودائماً شكل مقاومة المشروع الصهيوني، التي هي مقاومة لمصنع الشرور المتضخمة والمتنقلة في وطننا العربي من المحيط إلى الخليج…
هذا المسار هو الذي أوصلنا اليوم الى هذه المعركة المشرّفة التي يخوضها الشعب الفلسطيني بكلّ مناطقه الجغرافيّة وفصائله الوطنيّة وقواه الاجتماعيّة، فتلتفّ أمته كلها، ومعها أحرار العالم، حوله في واحدة من أكبر المواجهات مع العدو الصهيونيّ.
في هذه المعركة اتضح تلازم معركة وحدة الأمة حول فلسطين والمقاومة فيها وعلى طريقها، مع معركة تحرير فلسطين التي تتدرّج من مرحلة الى أخرى بسبب التعقيدات المتصلة بنفوذ المشروع الصهيونيّ وتكامله مع المشروع الاستعماري.
في المعركة التي تشهدها أرض فلسطين انطلاقاً من الأقصى وحي الشيخ جراح، الى الضفة الغربيّة والأراضي المغتصبة عام 1948، مروراً بغزّة التي تحوّلت رغم مساحتها المحدودة والحصار الخانق المفروض عليها منذ 15 عاماً الى قاعدة صلبة لمقاومة متنامية ضد الاستعمار، نشهد بداية مرحلة جديدة تؤذن بأفول دولة الكيان وتبشّر باقتراب حلم التحرير.
كما نشهد في هذه المعركة انّ فلسطين بقدر ما هي قضية وطنية لكل فلسطيني، وقضية قوميّة لكلّ عربي، هي قضية إيمانيّة لكل مسلم ومسيحي ومؤمن في العالم، وقضية إنسانيّة لكل إنسان حر في هذا الكون.
انّ الحرص على تكامل البعد الوطني مع الأبعاد القومية والإيمانية والإنسانية لقضية فلسطين هو أفضل ما يمكن ان نقدّمه لشعبنا العظيم في فلسطين في معركته الراهنة، وان كل خطاب أو ممارسة ذات طابع إقصائي، ومهما كانت المبررات، هي طعنة في صدر هذه الانتفاضة التاريخية في حياة فلسطين.
فلسطين تجمعنا.. والوحدة قوتنا… والتحرير طريقنا… والمقاومة نهجنا…