أرجأ الرئيس نبيه بري إلى اليوم الاشتباك السياسي الذي كان متوقعاً في جلسة أمس التي خُصّصت لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون المرتبطة بالتأخر في تأليف الحكومة، والتي كان متوقعاً أن يلقي خلالها كل من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، كلمات عالية السقف. وفي حين لم تهدأ الاتصالات طوال الليلة الماضية من أجل السعي الى التخفيف من حدة الاحتقان اليوم والى ما يمكن ان تنهي اليه الجلسة بعد ظهر واي موقف يمكن ان يصدر باسم المجلس ردا على رسالة عون . وإذ تحدث نواب من كتل مختلفة عن موقف حازم للمجلس لا بد من صدوره في شان رفض أي إيحاء بإمكان تجاوز الأطر الدستورية الواضحة للتكليف والتأليف لم يستبعدوا ان يتضمن الموقف أيضا مطالبة صارمة بتحريك جمود المساعي لتشكيل الحكومة نظرا الى الاخطار المتعاظمة التي لم يعد ممكنا الاستسلام للازمة امام تصاعدها .وعلم ليلا ان بري سيصدر بيانا في خلاصة النقاش يضمنه موقفا متوازنا بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ويشدد على المضي في المساعي التوفيقية لتشكيل الحكومة .
قطوع المجلس
الاّ أنه وقبل الخروج بالتوصيات، تعوّل الاوساط السياسة على حنكة الرئيس بري في تمرير القطوع اليوم في الجلسة لا سيما على وقع المعلومات التي تتحدث عن كلمتين مدويتين لكل من الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل، اللذين اعدا عدتهما الكافية لرفع سخونة النقاش والجلسة عموما اليوم الى درجات عالية . وثمة من تحدث عن تكثيف بري وآخرين من الدائرة النيابية كما من خارجها مساعيهم بعد جلسة تلاوة رسالة عون امس من اجل تجنب الاشتباك السياسي الحاد في جلسة اليوم وان معالم نتائج هذه المساعي لم تكن سلبية ولكن مع ذلك فان ثمة اوساطا موصوفة غالبا بسعة الاطلاع لم تُبْد ارتياحا كافيا الى ما يسبق أجواء الجلسة اذ يبدو ان تحطم عامل الثقة تماما بين العهد والرئيس الحريري في الفترة الطويلة التي أعقبت آخر اجتماع فاشل عقد بينهما جعل من الاستحالة تقريبا تجنب صدام حاد بينهما .
ونقلت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ المشاورات خلصت إلى “اختيار ممثلين عن أكثر من كتلة لصياغة التوصية بشكل لا يُظهر أي طرف في موقع الخاسر أو المنكسر، بما يشمل صون تكليف الحريري من جهة، وحفظ ماء وجه رئيس الجمهورية من جهة أخرى، لأن أغلبية مجلس النواب تعتبر مضمون رسالته غير دستوري في مقاربة مسألتي التكليف والتأليف، وبالتالي في حال انقسم مجلس النواب حيال الرسالة فستصبّ الأكثرية حكماً في خانة إعادة دعم تكليف الحريري”.
ومن هنا، رجحت مصادر نيابية مطلعة لـ”اللواء” ان تخرج جلسة اليوم بأحد الخيارات الثلاثة: “قرار او موقف او إجراء” وهي المتاحة في مثل هذه الحالات، من اجل حث المعنيين على سرعة تشكيل الحكومة. واوضحت المصادر ان الرئيس بري واصل اتصالاته طوال بعد ظهر امس من اجل ان تكون الجلسة اقل توتراً وان تخرج بحل مرضٍ، خاصة ان الجو بين الرئيس الحريري والنائب باسيل “مش راكب بعد” ويُخشى ان تطيح مواقفهما بالجلسة ويطير نصابها اذا حصل التوتر. لكن السؤال هل يُحدد بري موعداً لجلسة اخرى بعدما تهدأ النفوس؟
وتشير المعلومات الى تحفز الحريري الى الرد المفند التفصيلي على رسالة عون من خلال بسط كل الوقائع التي يستند اليها الحريري لإثبات الخط المنهجي للعهد وتياره السياسي في توسل كل الوسائل للحصول على الثلث المعطل في الحكومة وتحوير المفهوم الدستوري لصلاحيات الرئيس المكلف بما يتماهى تماما مع المضمون الانقلابي للرسالة الرئاسية التي تهدف على نحو واضح الى تجاوز سافر للدستور والنيل من صلاحيات المجلس تمام كما من رئيس الحكومة المكلف .
ورجحت المصادر أنّ “يعمد الرئيس المكلف إلى مصارحة اللبنانيين في كلمته الجوابية اليوم على رسالة عون، بكل الوقائع والتفاصيل التي حصلت منذ تكليفه، ليكشف عن كل الجهود التي بذلها لإبداء التعاون مع رئيس الجمهورية، وكل العراقيل التي اصطدم بها في المقابل، لا سيما وأنّه كان كلما بادر إلى تلمس بعض التجاوب خلال لقاءاته برئيس الجمهورية يعود ليتفاجأ بأنه غيّر رأيه بعد مغادرة الحريري بعبدا”.
وفي المقابل فان باسيل كما تقول المعطيات ، اعد هجوما حادا بالأصالة والنيابة عن رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر” على الحريري استكمالا للمضامين الاتهامية التي وردت في رسالة عون الى المجلس .
وستلتزم كتلة “التنمية والتحرير” سقف موقف بري الداعي إلى تسريع التأليف بعيداً عن الثلث المعطل وصراع الصلاحيات، على أن تؤثر كتلتا “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” الحياد بين عون والحريري. في حين عُلم أنّ موقف كتلة “الجمهورية القوية” لن يقارب مشاكل التكليف والتأليف، ولن يركّز على خلاف عون وباسيل مع الحريري، إنما سيعيد التصويب على جوهر الأزمة الكامنة في الطبقة الحاكمة، التي لا خلاص معها ولا خلاص منها إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة.