بقلم شوشانا سولومون
المجتمع الإسرائيلي “يُمتحن” وهي “على حافة الهاوية”، كما يقول كونسورتيوم مؤلف من 35 صندوقا لرأس المال الاستثماري و130 شركة ناشئة؛ تماما كما حاربوا جائحة كورونا، يجب أن يناضلوا من أجل التضامن
أثارت الاشتباكات الدامية التي شهدتها إسرائيل بين المواطنين العرب واليهود في الأسبوع الماضي موجة من ردود الفعل في عالم التكنولوجيا والأعمال والرعاية الصحية.
وأصدر قادة من هذه القطاعات، يهودا وعربا، بيانات تعبر عن التزامهم بدولة تعامل الجميع على قدم المساواة بموجب القانون ودعوا إلى “شفاء المجتمع الإسرائيلي”، تماما كما شُفيت الأمة إلى حد كبير من جائحة فيروس كورونا المميت.
تصاعدت التوترات بين اليهود والعرب في إسرائيل إلى عنف غوغائي في عدة مدن مختلطة الأسبوع الماضي، مما حول المدن إلى مناطق حرب حقيقية، مع فشل الشرطة في احتواء أخطر الاضطرابات الداخلية التي تجتاح البلاد منذ سنوات.
يوم الإثنين، توفي رجل يهودي من سكان اللد بعد ستة أيام من إصابته بجروح خطيرة جراء إلقاء طوبة على رأسه خلال مواجهات، في حين أصيب آخرون – من اليهود والعرب – بجروح خطيرة في حوادث إطلاق نار وضرب خلال الاضطرابات، التي هدأت إلى حد كبير هذا الأسبوع.
وقال 35 صندوقا للمال الاستثماري و130 شركة ناشئة تشكل مبادرة “Power in Diversity” (القوة في التعددية)، التي تم إنشاؤها قبل أربع سنوات لجلب مجتمعات مهمشة مثل العرب واليهود الحريديم والإثيوبيين وآخرين إلى قطاع التكنولوجيا: “اليوم، المجتمع الإسرائيلي يُمتحن بينما على حافة الهاوية”.
وقال الكونسرتيوم في بيان: “لدينا خياران أمامنا، إما أن نتقبل أننا مجتمع متنوع ونزدهر بجمال تنوعنا أو أن نستمر في إقصاء المختلف عنا وننحدر في دائرة الكراهية والعنف”.
وكُتب في البيان، الذي نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي باللغات الإنجليزية والعبرية والعربية من قبل اللجنة التوجيهية لـ Power in Diversity، “ليس أمامنا ألا نرى بهذه الفترة كفرصة للتغيير. وعلى الأغلبية الصامتة أن تعترض على الوضع القائم. وأن تسترد الأجندة من المتطرفين في مجتمعنا”. من بين الصناديق المشمولة في المبادرة فيولا، وبيتانغو، وقمرة، وغليلوت، وفينتج إنفستمنت بارتنرز، و 2 بي انجلز.
وتابع البيان، “نحن الموقعون أدناه من مجتمع التكنولوجيا المتقدمة، نعيد تأكيد التزامنا ببناء بلد يتمتع فيه كل مواطن، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس أو التوجه الجنسي، بالمساواة في الفرص والمعاملة المتساوية بموجب القانون واحترام كليهما قادتهم السياسيين وجيرانهم، وحرية الذهاب إلى أي مكان في هذا البلد دون الخوف من سوء المعاملة أو العنف. نحن نلتزم بالعمل مع أي شخص من جميع الفئات لجعل هذه الدولة النور والقدوة لباقي الأمم كما يمكن ويجب أن تكون”.
وقال آلان فيلد، مؤسس كندي إسرائيلي وشريك إداري في “فينتج إنفستمنت بارتنرز” الذي قام بإنشاء Power in Diversity: “سيكون هناك غد بعد هذا الصراع”.
وقال فيلد في مقابلة عبر الهاتف: “إن طريقة التغلب على الصراع هي القوى العاملة، وهي واحدة من الأماكن القليلة التي يعمل فيها الناس من جميع المجتمعات معا، ويلتقون في بيئة إيجابية، ويعملون معا من أجل هدف مشترك. يتيح التفاعل للناس كسر الحواجز وبناء التفاهم والثقة والاحترام”.
وأضاف فيلد إن مبادرة Power in Diversity تعمل منذ سنوات لمساعدة شركات التكنولوجيا وصناديق رأس المال الاستثماري على توظيف موظفين من مجتمعات متنوعة والتغلب على تحيزات فطرية، والتي قد لا يكون أصحاب العمل على دراية بها. وقال إن الطريق إلى الأمام هو تكثيف الجهود لمساعدة الناس من مختلف المجتمعات على العمل معا.
وقال: “لا يمكننا انتظار السياسيين وقيادتنا لحل هذه المشكلة لأنهم لا يفعلون ذلك”، مضيفا إنه في نهاية المطاف، سيأتي النجاح من الجهود الشعبية.
وتابع القول أن الأحداث التي وقعت خلال الأسبوع الماضي كانت بمثابة “نداء صحوة”، مضيفا: “إذا لم نحل هذه المشكلة، إذا لم نجد طريقة للجمع بين الناس، فقد يصبح هذا مثالا صغيرا لمشكلة أعمق بكثير”.
رأب الصدع
وبالمثل، أصدرت مجموعة من الخبراء العرب واليهود من نظام الرعاية الصحية في إسرائيل – أعضاء في الأوساط الأكاديمية وقطاع التكنولوجيا والأطباء – بيان مقاصد تحت عنوان “كسر الحواجز” باللغات الإنجليزية والعبرية والعربية، دعت فيه الجمهور الإسرائيلي إلى مداواة جراح المجتمع.
وجاء في البيان الذي نُشر على منصات التواصل الاجتماعي، “نحن، الأشخاص العاملين في جميع مجالات الأنظمة والأبحاث الطبية, والتقنيات الصحيّة في إسرائيل، مجموعة متعددة القوميّات، المجتمعات والأديان، ندعو كافة الجماهير لمقاومة ومعارضة أعمال العنف والكراهية والتّوجه لشفاء الجروح والشرخ الدامي”.
“نحن الذين نحيا معا حياة مشتركة كل يوم في المستشفيات، مختبرات الأبحاث وشركات الأجهزة والصناعات الطبيّة، نعيش بشكل مختلف عن واقع الاحداث الاخيرة ونعلم أن هناك طريقة أخرى بديلة يؤمن بها أغلب المواطنين في البلاد”.
“في العام الماضي قاتلنا جنبا الى جنب فيروس كورونا وتغلبنا عليه. الآن علينا جميعا – يهودا وعربا أبناء جميع الطوائف والديانات – أن نعمل معا لإعادة السلام إلى البلاد وبناء مستقبل أفضل لنا ولاطفالنا. فقط مستقبل مبني على المساواة الحقيقية والمشاركة سوف يجلب لنا الازدهار. لطالما كان هذا حقيقة رائعة تنبض بالحياة في مجال الصحة. دعونا نجعلها حقيقة واقعة تعم جميع مجالات حياتنا اليومية لأننا نحن إخوان”.
بدأ هذه المبادرة دكتور توفيك بيكر، الرئيس التنفيذي لشركة Pangea Therapeutics الناشئة في مجال علاج الأورام الدقيقة والمؤسس المشارك لشركة MedAware، وهي شركة ناشئة تساعد في تقليل أخطاء الوصفات الطبية.
بيكر هو عضو في 8400 Network (شبكة 8400)، وهي شبكة من المتخصصين في الرعاية الصحية والمستثمرين وصناديق رأس المال الاستثماري والشركات الناشئة والمستشفيات والأكاديميين والقطاع العام التي تسعى إلى جعل التكنولوجيا الصحية والتقارب الحيوي (Bio-Convergence) محرك النمو الجديد للاقتصاد الإسرائيلي.
وقال بيكر في مقابلة هاتفية: “عندما رأيت العنف الأسبوع الماضي، كتبت منشورا على مجموعة واتسآب التابعة لشبكة 8400، مع حوالي 200 عضو، قلت إنه مثلما يتمثل جهدنا المشترك في التعافي، فإن المهمة الأكثر إلحاحا الآن هي معالجة التصدعات الرهيبة التي تحدث بين اليهود والعرب في بلدنا. جذب هذا المنشور الكثير من الاهتمام من داخل وخارج شبكة 8400، وأدى إلى دعوتنا للعمل”.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت المبادرة في إنشاء مجموعة من المقابلات بالفيديو يتحدث فيها أعضاء يهود وعرب من قطاع الرعاية الصحية والتكنولوجيا الصحية عن تجاربهم في العمل معا، وعن آمالهم والصعوبات التي يواجهونها وكيفية تحويل رؤية التعايش إلى حقيقة، كما قال بيكر.
وقال بيكر: “الهدف هو أن نظهر للمجتمع الإسرائيلي أن هناك بديلا. يمكننا إقامة حياة مشتركة هنا معا من أجل الازدهار المتبادل. وهذا مهم بشكل خاص عندما تتدفق الكراهية في الشوارع حرفيا”.
مبادرة “كسر الجدران” كانت تأمل أيضا في إقامة مسيرة مشترك للعاملين في المستشفيات من اليهود والعرب، ولكن تم تعليق هذه المسيرة لأن الكثيرين خشوا من أعمال انتقامية. لكن المبادرة وضعت خططا للمساعدة في تمكين رؤساء المستشفيات والشركات من “تعزيز الحوار البناء” مع العاملين من خلفيات متنوعة، للمساعدة في “جلب الحوار إلى المقدمة، وجعل الجميع يشعرون بالأمان عند طرح القضايا المزعجة”، على حد قوله.
في رسالة نصية نشرت بين أعضاء المبادرة، كتب الدكتور عبد اغبارية، رئيس معهد الأورام في مركز “بني تسيون” الطبي في حيفا، أنه بدلا من الحرب الأهلية، كما تصفها وسائل الإعلام، فإن ما يحدث في شوارع إسرائيل هو “حرب عصابات” بين مجموعات “غزت الشوارع على الجانبين”.
“لقد عشنا معا لأكثر من سبعين عاما، مع تقلبات صعودا وهبوطا، لكننا لم نتجاوز الخط الأحمر الذي تم تجاوزه هذه المرة والسبب هو دخول أطراف إجرامية في الصف. لقد كان العرب واليهود شركاء في بناء الدولة في جميع المجالات، واليوم لا يمكن لأي شخص أو جماعة سلب ذلك أو محوه”.
يواصل العرب اليوم “بناء الدولة وتقويتها في جميع المجالات: الطب، والأوساط الأكاديمية، والتكنولوجيا المتقدمة، والصناعة، والبناء. نحن نلعب دورا نشطا في كل مجال وقطاع في الدولة ولدينا طموحات كبيرة للمضي قدما والتواصل بشكل أعمق وإحداث تأثير”.
ومثلما تمكنت إسرائيل كمجتمع “من قيادة الطريق للخروج من أزمة كوفيد-19، كذلك سنجد طريقة للمضي قدما، أقوى معا، من هذه الأزمة”.
يوم الثلاثاء، أعلنت عدة مجالس استيطانية ومنظمات يمينية يهودية عن قطع علاقاتها بشركة “سلكوم”، إحدى أكبر شركات الاتصالات الإسرائيلية، بعد أن أوقفت الشركة نشاطها لمدة ساعة يوم الثلاثاء احتجاجا على العنف الغوغائي بين العرب واليهود الذي شهدته البلاد الأسبوع الماضي.
يوم الثلاثاء أيضا، عقد إريئل مرغليت، رئيس صندوق رأس المال الاستثماري JVP، وسالم جابر ، رئيس المجلس المحلي في أبو غوش، اجتماعا لأصحاب المشاريع الاجتماعية واليهودية والعربية في مجال التكنولوجيا المتقدمة من أجل مظاهرة مشتركة تدعو إلى التواصل والتعاون بين المجتمعات وضد العنف والتقسيم والتحريض. في 26 مايو، سيُعقد مؤتمر في القدس لعشرات رواد الأعمال من اليهود والعرب من المدينة لتعزيز التعاون، حسبما ذكرت JVP في بيان.
وجاء في رسالة باللغتين العربية والعبرية أرسِلت إلى شركات بارزة في إسرائيل، ونشرها منتدى الاقتصاد الاجتماعي على وسائل التواصل الاجتماعي “خلص، يكفي! يمكن إصلاح ما تكسّر، ويمكن اعادة البناء من الشظايا – وهذه مهمتنا”.
وانضم سامر حاج يحيى، أول رئيس عربي لمجلس إدارة بنك “لئومي” الإسرائيلي، إلى الرئيس التنفيذي للبنك حنان فريدمان في رسالة مصورة باللغتين العبرية والعربية دعا فيها إلى السماح والمراعاة والعطاء والسلام.
وقالت ريم يونس، المؤسسة المشاركة لشركة Alpha Omega للأجهزة الطبية ومقرها الناصرة، أنه مثلما ينظر الأطباء إلى المرضى ويسعون إلى سلامتهم وصحتهم، يمكن أيضا أن تفعل ذلك مجموعة الخبراء الطبيين الذين هم جزء من مبادرة “كسر الجدران”. مع طرق لتعزيز القيم الحميدة في المجتمع. بصفتها مواطنة فلسطينية إسرائيلية، قالت يونس إنها تتعاطف مع محنة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة: “لدى الكثير منا عائلات هناك. وهذه قضية مهمة لا يستطيع المجتمع اليهودي استيعابها”.
وأضافت يونس، وهي ليست جزءا من شبكة 8400 ولكنها انضمت إلى مبادرة “كسر الجدران”: “هدفي من الانضمام إلى هذه المبادرة هو تعزيز العدالة والمساواة وسد الفجوة بين المجتمعين”.