حتى مساء الامس كان رئيس مجلس النواب نبيه بري في انتظار عودة الرئيس المكلف سعد الحريري للتفاهم معه حول مجريات جلسة اليوم البرلمانية، المخصصة لتلاوة الرسالة الموجهة من رئيس الجمهورية ميشال عون بشأن موضوع تشكيل الحكومة، وتكليف الحريري بهذه المهمة. ما يريده بري تطويق مفاعيل الرسالة والاكتفاء بالنص الدستوري الذي يقول بتلاوتها من دون النقاش، فخشية رئيس المجلس كبيرة من توسع دائرة الخلاف بين النواب وتشعبه بما ينذر بتعديه قاعة المجلس لشدة التوتر السني المسيحي. الجلسة لا تزال قائمة وعون ينتظر تلاوة رسالته، انما السؤال هل ستقتصر على تلاوة الرسالة التزاماً بما ينص عليه الدستور ام سيفتح الباب امام النواب لمناقشتها؟ دستورياً يعتبر النواب ان المنصوص عليه هو تلاوة الرسالة، لكن احترام مقام الرئاسة يفترض طرحها للنقاش، وحينها سيفتح البازارعلى مصراعيه وستكون المواجهة قاسية بين النواب، وسينقسم المجلس الى جبهتين واحدة مع عون وأخرى مع الحريري ستزيد رقعة التشرذم السياسي وانعكاساته الخطيرة على البلد، خاصة وان المتوقع في حال فتح باب المناقشة ان نشهد مبارزة متوقعة بين سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من غير المعروف حينها ما سيكون عليه موقف بري، فهل سيكون طرفاً لصالح الحريري ام حكماً بين الطرفين؟ وفي حال لم يفتح بري المجال للنقاش فهل يمكن ان يتلو النواب مداخلاتهم بمؤتمرات صحافية على الهواء مباشرة من خارج الجلسة؟ فرضية التوتر والمشادات النيابية قائمة اللهم الا إذا نجحت المساعي بتطويقها في ساعة متأخرة من ليل امس.
وأمس الاول سرت اخبار عن أن عودة الحريري الى لبنان ستشهد اعلان مواقف قوية رداً على رسالة رئيس الجمهورية، ليتبين ان الحريري لم يعد الى لبنان ولم يترأس وفد كتلته التي زارت السفارة السعودية متضامنة، بعد زوبعة مواقف وزير الخارجية السابق شربل وهبة وتردد معلومات عن ان محاولة الحريري لزيارة السفير باءت بالفشل، ولذا فهو ارجأ عودة كانت مقررة. وعُلم ان بري استدعى الحريري الذي وعده بالعودة الى لبنان مساء امس والتنسيق معه حول ما يتوجب فعله ازاء الجلسة، التي يحاول بري تطويق مفاعيلها. ففي حال فتح النقاش سيتولى الحريري حتماً الرد على مضمون رسالة عون، في المقابل عُلم ان باسيل يستعد لاطلاق كلمة سيفند من خلالها وبالوقائع الدستورية والقانونية والسياسية مرحلة وعراقيل التشكيل وثغرات الدستور ومقترحات تعديله. وسنكون حكماً امام مبارزة بين الرجلين تعكس حقيقة الصراع السياسي الداخلي بين مشروعين وتوحي بمعركة كسر عضم. والمواجهة التي قد تحصل ستتحول الى مشكل سني مسيحي بين من يريد تعديل الدستور ومن يعارضه، وهو ما حاول بري من خلال اتصالات الامس تطويقه وتفادي عواقبه وانعكاساته الخطيرة.
لكن السؤال الذي طرحته مصادر سياسية معنية بالاتصالات الجارية لتفادي الازمة يتعلق بالهدف، او المغزى الذي دفع برئيس الجمهورية الى توجيه مثل هذه الرسالة، وهو عارف ضمناً انها لن تؤدي غرضها بسحب التكليف من الحريري وإلا لكان اقدم عليها قبل ذلك بكثير. وتتخوف المصادر من ان تكون الغاية من الرسالة طرح التعديل الدستوري وهذه مسألة ليست بالسهولة التي يتصورها البعض، لان التعديل الذي سبق وشهده الدستور اخذ سنوات شهدنا فيها تراكم ازمات وأعقب حرباً طويلة. وفي حال فشل الهدف من تعديل الدستور فقد تكون الخطوة الثانية بتقديم نواب تكتل لبنان القوي استقالاتهم من مجلس النواب، بهدف اجراء انتخابات نيابية مبكرة ليلتقي بذلك موقف “التيار الوطني” مع “القوات” و”الكتائب” ويتوحد المسيحيون حول هذا المطلب، فتتتم الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة لانتخاب مجلس نيابي جديد يتولى تكليف رئيس جديد للحكومة.
لكن السؤال هنا هل أن “التيار الوطني الحر” مطمئن الى وضعية شعبيته الى حد خوض مغامرة الانتخابات النيابية المبكرة؟ الجواب قد يكون ان التيار مدرك ان النتائج المقبلة للانتخابات لن تكون شبيهة بنتائج الانتخابات الماضية، وهو حكماً سيخسر عدداً من مقاعده النيابية وفي المقابل سيخسر الآخرون ايضاً، ولكن النتيجة ستكون احتفاظه مع حلفائه بالأكثرية النيابية.
ثمة خوف حقيقي من خلفيات توجيه عون لرسالته والخطوات التالية التي ستليها، خصوصاً وان “التيار الوطني” لا ينوي الاستكانة والاكتفاء بموقف المتفرج على استنزاف العهد.
في السياق المنطقي للامور قد لا يكون سيناريو “التيار الوطني الحر” مستبعداً، وتحليل خلفيات الرسالة وما يصبو اليه عون وباسيل استمرا مصدر نقاش نيابي خلف الكواليس، فيما كان بري ينتظر عودة الحريري ليبني على الشيء مقتضاه. بالمناسبة هنا، فغياب الحريري المستمر بات يقلق المتمسكين بتكليفه لحاجتهم للنقاش معه حول ما ينوي فعله، والأصعب ان لا احد من الدائرة المحيطة بالرئيس المكلف كان يملك الاجابة الوافية عن مصير جلسة اليوم، وعما اذا كان الحريري في وارد الرد شخصياً على رسالة عون. مصادره أكدت ان “تيار المستقبل” وفي حال فتح باب الرد فستكون هناك كلمة له لكن مصير الجلسة لم يكن مؤكداً بعد، وهو يتأرجح بين احتمالين: إما التلاوة وفتح باب النقاش وهذا مستبعد ولا يحبذه بري ولا رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط، تجنباً للانقسام، او الاكتفاء بتلاوة الرسالة وتحديد جلسة ثانية للنقاش افساحاً في المجال امام مزيد من الاتصالات للمعالجة وايجاد المخارج.