العونيّون للحزب: طفح الكيل

 

جوزفين ديب -أساس ميديا

عند انتشار فيديو إطلاق صفّارات الإنذار في تل أبيب وانسحاب الإسرائيليين من الشاطئ حيث كانوا يستحمّون بالشمس، غرّد المحامي المنتمي إلى التيار الوطني الحر وديع عقل قائلاً:

“بالصور المتداولة عن هروب الناس من شواطئ إسرائيل، في شي لافت. المجرم الإسرائيلي، يلي بيقتل وبيسرق، محافظ على الشاطئ وما في مخالفات! هيدا درس للبنانيين. صحيح نجحنا بالتضامن ضد الاحتلال والإرهاب، ولكن لازم ننجح ضد مافيا الفساد يلي دمّرت لبنان الحلو، حتى لو كانت من أقرب المقرّبين”.

عند قراءة التغريدة تحضر المقاربة واضحة: “دولة مُحتلّة، شواطئها محرَّرة، مقابل دولة محرَّرة، شواطئها تحتلّها مافيات الفساد والسلطة”. سرعان ما انهالت الشتائم على المحامي العوني الذي تمسّك بتغريدة تختزن في معناها جوهر الخلاف بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله.

فخلال خمسة عشر عاماً من التحالف بينهما، خسر التيار الوطني الحر أكثر من نصف شعبيّته على الساحة المسيحية، كما يقدّر مراقبون محايدون، فيما حافظ حزب الله على قواعده شبه سالمة. ولعلّ أهم الأسباب في تراجع شعبيّة التيار هو حلفه مع حزب الله. فعلى ماذا يراهن فريقُ رئيس الجمهورية في العلاقة مع الحزب؟ وهل يكون الأخير وفيّاً لمَن رفض عرض السفيرة الأميركية في تحويله إلى “روك ستار لبنان في العالم” مقابل استدارة سياسية تعزل حزب الله في الداخل؟

ليست هذه المقاربة سوى غيض من فيض المقاربات التي يضعها “التيار” على الطاولة في تقويمه لأثر تحالفه مع حزب الله على “مشروعه السياسي” في البلاد. وإن كان فشَل هذا الفريق في تحقيق ما وعد به اللبنانيّين من تغيير وإصلاح يعود إلى كثير من الأسباب، أهمّها أداؤه السياسي نفسه، فإنّ للدور الذي أدّاه حزب الله، أو ربّما لم يؤدِّه، أثر مهم أيضاً.

كيف ذلك؟

على الرغم من الخسارة التلقائيّة لجزء من مناصري “التيار” عشية توقيع اتفاق مار مخايل عام 2006، بين الحزب و”التيار”، سار التحالف في خطّ تصاعديّ بدءاً من حرب تموز، ومروراً بمعركة قانون الانتخاب، ووصولاً إلى معركة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وما بينها من استحقاقات، أهمّها أحداث 7 أيار يوم “حرص الحزب على عدم الاقتراب من المناطق المسيحية، وتحديداً من خطّ السوديكو باتجاه الأشرفية”، كما يقول مسؤول في التيار  لـ”أساس”، مضيفاً أنّ “اتفاق الدوحة تَبِع مباشرةً تلك الأحداث، وبالتالي خفّف من وطأتها على الشارع المسيحي”.

بعد الانتخابات الرئاسية في 2016، عاشت البلاد أشهر عسل بتوافق  داخلي تُرجِم بحكومة رَأَسها سعد الحريري، وشاركت فيها كل القوى السياسية. يروي مسؤول في التيار أنّ “شهر العسل هذا كان مزيّفاً لأنّ مخطّطاً لضرب الاستقرار في البلاد كان قد وُضِع على نار هادئة، وانفجر في السابع عشر من تشرين الأول.

في أيلول 2019 عاد رئيس “التيار” النائب جبران باسيل من زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، واجتمع مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لسبع ساعات متتالية. شرح له باسيل خلالها خلاصة زيارته الأميركية التي أوحت بصعوبة الوضع في لبنان، وعدم إمكان فريقهما السياسي الاستمرار من دون خوض معارك حقيقية لإقرار قوانين إصلاحية. ونقل باسيل إلى نصر الله خشيته من تطوّر الوضع وانقلاب الطاولة عليهما باعتبارهما القوّتين الكبرَيَيْن في السلطة.

لم يجد باسيل تجاوباً من مضيفه. فقرّر أن تكون كلمته أمام اللبنانيين تصعيديةً في ذكرى الثالث عشر من تشرين من بلدة الحدث. يومئذٍ تحدّث عن “قلب الطاولة”. ما هي إلا أيّام قليلة حتى بدأت الانتفاضة في 17 تشرين الأوّل، وبدأ معها مسار التراجع المستمرّ في العلاقة بين الحزب والتيار”.

هكذا يروي مسؤول في “التيار” تدهور العلاقة بين بعبدا وحارة حريك. فمنذ بدء الانتفاضة: “كان حزب الله حريصاً على المنظومة بأولويّاته المعهودة، فيما كان رئيس الجمهورية ورئيس التيار يتعرّضان لأعنف هجوم مركّز واغتيال سياسي على الإطلاق”.

لم ينزل الهجوم، الذي تعرّض له باسيل، برداً وسلاماً على قلوب مناصريه، خصوصاً أنّه قوبل بهدوء من حزب الله، وغياب أيّ خطّة لمقاربات مختلفة تخفّف من وطأة الاحتجاجات الشعبية. فتُرك باسيل وحده يتخبّط في الواجهة، واختبأ الآخرون، ومن بينهم حلفاؤه. يومئذٍ كانت أولويّات حزب الله كما هي دائما: المحافظة على الثنائية الشيعية عبر مراعاة رئيس حركة أمل نبيه برّي، والحرص على العلاقة مع السنّة عبر مراعاة الرئيس سعد الحريري، على الرغم من استقالته التي أصابت أهل السلطة في العمق.

أمّا العلاقة مع المسيحيين فهي “آخر أولويات” الحزب على الرغم من كلّ ما قدّمه التيار الوطني الحر لهذا الحزب من غطاء لمشروعيّته، حتّى في قتاله في سوريا تحت عنوان محاربة داعش.

يقارب التيّار الوطني الحرّ العناوين السياسية بشكل مختلف عن حزب الله على الرغم من أنّ الأخير وقف صامداً بوجه الرئيس نبيه برّي في معركة رئاسة عون. في المقابل، يمكن التوقّف عند محطّات كثيرة راعى فيها الحزب حليفه المسيحيّ للمحافظة عليه من جهة، ولحماية سلاحه من جهة ثانية. فالحزب، كما هو معلوم، براغماتيّ، ينطلق بعلاقاته مع كل المكوّنات السياسية من منطلق مصلحيّ أكثر منه منطلقاً طائفياً، مع مراعاة الحساسيّات الطائفية وضروراتها لحماية السلاح.

يدرك التيّار هذه الحقائق، ولكنّه يرى ذلك غيرَ كافٍ في مشروعه الداخلي، ففي مجالسهم الخاصة يعلّق المسؤولون في التيار الوطني الحر على أولويات الحزب هذه، بالقول: “ما بدّن يزعلوا نبيه بري، نحنا زعّلنا العالم كرمالن. ليش قرّرت دول العالم تضربنا غير لأنّو نحنا حلفاءهم؟!”.

يقود هذا الكلام إلى آخر زيارات السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى دارة باسيل: “حينئذٍ عرضت شيا على باسيل أن تقدّم له الولايات المتحدة الأميركية هدايا سياسية وإعلامية، مستخدمةً عبارة “روك ستار” لبنان في العالم. لكن مقابل هذا العرض طلبت شيا استدارة حادّة في العلاقة مع حزب الله”. هكذا يروي مسؤول في “التيار” اطّلع على محضر اللقاء بين شيا وباسيل، مضيفاً أنّه “كان نقاشٌ داخل التيّار في كيفيّة التعامل مع العرض الأميركي، خصوصاً مع ما يعانيه التيار من هجوم إعلامي وسياسي عليه. غير أنّ القرار اتُّخذ بالمحافظة على التحالف حرصاً على الاستقرار في لبنان لأنّ البديل كان يمكن أن يكون حرباً أهليّة”.

لا يمكن مقاربة العلاقة بين الفريقين من دون التوقّف عند حكومة حسان دياب، والفشل الذي مُنيت به: “لم نتصرّف كفريق واحد قطّ في هذه الحكومة. بل خذل حزب الله التيّار في أكثر من معركة، من بينها الكابيتول كونترول والتدقيق الجنائي والخطة الاقتصادية ومعركة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”.

يضيف المسؤول في التيار معلّقاً على الأكثرية النيابية: “هذه أكثرية نيابية لدعم سلاح حزب الله، وليست أكثرية نيابية لدعم التيار في اقتراحات القوانين. هذه الأكثرية النيابية كذبة كبيرة، ونحن لا نملكها”.

لم يكن ينقص التيار في سياق العلاقة مع حليفه سوى تمسّكه بسعد الحريري رئيساً مكلّفاً. ولا يزال العهد يدفع ثمن هذا التمسّك حتى هذه اللحظة. لم يعد الغضب من حزب الله والشعور بالخذلان يقتصر على البيئة المحيطة بالتيّار، بل انتقل إلى صفوف المسؤولين والملتزمين أنفسهم.

في عام 2014، قال ميشال عون إنّ المقاومة والفساد لا يجتمعان، فأحدهما يلغي الآخر. قبل أسابيع، أعلن جبران باسيل فشل هذا التحالف في بناء الدولة التي وعد بها عون اللبنانيّين بعد عودته من منفاه. ينقل زوّار عون تعليقه على هذا المشهد بالقول: “في فمي ماء”.

لكن مقابل كل هذا، لا يزال البعض يعوّل على أن تنعكس المفاوضات في المنطقة أجواءً إيجابية على الداخل اللبناني. ولا يزال الرهان على أنّ الانتهاء من بعض الأوراق في المنطقة سيجعل حزب الله أكثر قدرة على التفرّغ للداخل.

هل ينجح رهان عون وباسيل على حليفهما في الاستحقاقات المقبلة؟

أدرك باسيل أن لا حظوظ له في رئاسة الجمهورية، على الأقلّ في المدى المنظور، بل هو يبحث عن ورقة تعطيه، في الحدّ الأدنى، حقّ الفيتو في المعركة الرئاسية المقبلة، وتبقيه على قيد الحياة في المشهد السياسي بعد تعرّضه لاغتيال سياسي، كما سبق أن قال في أكثر من مناسبة.

فهل يكون حزب الله على قدر آمال حليفه؟

للحديث تتمّة حتماً في المقبل من الأيام.

Exit mobile version