عاد ملف النزوح السوري إلى الواجهة مع اقتراع النازحين السوريين في سفارة بلادهم في اليرزة لرئيس النظام بشّار الأسد، ما دفع عدداً كبيراً من اللبنانيين إلى إستنكار هذه المشهدية الإستفزازية والتي يهدف من خلالها هذا النظام إلى القول “ما زلنا هنا”.
تكرّر مشهد إستفزاز عام 2015 يوم أمس، وقد فضح النظام السوري جماعته التي زحفت إلى السفارة لتجديد “البيعة” له وانكشف أمرهم، فهؤلاء ليسوا بنازحين أو تنطبق عليهم صفة “النزوح” طالما أنهم يؤيّدون النظام، والمواجهات التي حصلت على الأرض وخصوصاً في كسروان أكبر دليل على رفض اللبناني عودة نفوذ هذا النظام.
ويهدف الأسد من خلال تحريك جماعاته وإبقاء النازحين التابعين له في لبنان إلى تحقيق أهداف حسب المتابعين لهذا الملف أبرزها:
أولاً: يشكّل عامل النزوح مكسباً مادياً لنظام الأسد، فالوضع الإقتصادي في سوريا متردٍّ جداً، وهؤلاء يدرّون الأموال عليه لإبقاء النظام واقفاً على رجليه، وتتأمّن هذه الأموال إما من عمل هؤلاء السوريين في لبنان وأخذهم مكان العامل اللبناني، أو من المساعدات المادية المباشرة التي تصل من المنظمات الدولية، أو من عمل بعضهم في عصابات منظّمة كالتهريب والإتجار بالبشر والمخدّرات وكل الأعمال المشبوهة والممنوعة.
ثانياً: يهدف الأسد من إبقاء النازحين في لبنان إلى الضغط على القوى السياسية المعادية له، وهو بالتالي يستخدم ذلك ورقة لتحقيق أهدافه الخاصة ومساندة حلفائه إن دعت الحاجة، وذلك من أجل إجبار القوى اللبنانية على تقديم تنازلات.
ثالثاً: السبب الأهم بالنسبة إلى الأسد، عدا عن الضغط على لبنان، هو إستعمال ورقة النازحين للضغط على أوروبا وأميركا والمجتمع الدولي، فلو فعلاً صدقت النوايا فإن رئيس الجمهورية اللبنانية والحكومة الحالية والأكثرية النيابية حلفاؤه، وبالتالي كان بإمكانهم جميعاً الحديث معه لإعادة هؤلاء النازحين، لكن الأسد يريد من هذه الورقة تهديد الغرب والقول إنه يستطيع تفجير الساحة اللبنانية مما ينقل نار التوتّر إلى كل دول حوض المتوسّط ويصبح النازحون في قلب أوروبا. ويحظى الأسد بمساندة قوية من حلفائه في لبنان ومن حلفاء إيران، وما الإشكالات التي وقعت على الأرض إلا لتشكل دليلاً على أن عين الأسد تبقى مسلّطة على لبنان كمتنفّس لنظامه، في حين جهدت الأحزاب والتيارات السياسية التي تدور في الفلك السوري – الإيراني على التجييش وتأمين باصات وسيارات للنازحين السوريين من أجل نقلهم إلى السفارة السورية والخروج بهذه المشهدية والإيحاء بأن الشعب السوري يريد الأسد.
ولا يمانع حلفاء دمشق وطهران من إستعمال لبنان ورقة في المفاوضات التي يجريها محور الممانعة، وما يزيد “الطين بلّة” أن كل الدولة سقطت في يد ذاك المحور، وبالتالي فإن لبنان يتعرّض للحصار والتضييق بسبب سياسات فريق العهد و”حزب الله” التي عزلت لبنان عن المجموعة الدولية، وجعلته ورقة للتفاوض في المحافل الدولية. وفي السياق، فإن التجديد للأسد ولاية أخرى يعني أن لبنان مقبل على معاناة جديدة وعدم فتح ثغرة في جدار الأزمة، وقد ورث “حزب الله” النفوذ السوري في لبنان، لكن ما يجعل مفعول الأسد أقل تأثيراً على لبنان هو وجود قوى لبنانية مستعدّة لمواجهته، كذلك فإن النظام السوري بات يعمل تحت راية موسكو التي يهمها أمن لبنان وإستقراره ولن تسمح للأسد بالعبث في الداخل، وتضع ضوابط للجميع تمنع إنفجار الوضع، وهذه نقطة إيجابية تجعل من روسيا وسيطاً مقبولاً لحلّ أزمة النازحين على الصعد كافة وإعادتهم إلى بلادهم.