خاص “لبنان 24”
في خضمّ “أزمة” التصريحات “المتهوّرة” لوزير الخارجية المتنحّي عن مهامه شربل وهبة، اختار رئيس الجمهورية ميشال عون أن “يبادر” على خطّ تشكيل الحكومة، فاستخدم ما يقول المحسوبون عليه إنّها “صلاحيّاته الدستوريّة”، ليوجّه رسالة إلى البرلمان، لم يُفهَم منها سوى “تحريضًا” على سحب التكليف من الرئيس سعد الحريري.
بمُعزَلٍ عمّا إذا كانت هذه “الرسالة”، بما احتوته من توتير وتأزيم، هي “المبادرة” التي وعد الرئيس بإطلاقها بعد عيد الفطر، فإنّها أعطيت أكثر من تفسير، بين من رأى فيها مسعى من “العهد” إلى “إلهاء” الرأي العام، بعيدًا عن تصريحات وزير خارجيته، ومن قرأ فيها “مناورة” جديدة على خطّ الحكومة، بعد “عجز” الوساطات عن إحداث أيّ خرق.
وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري حدّد موعدًا الجمعة لجلسة عامة لتلاوة نصّ “الرسالة الرئاسية” تمهيدًا لنقاشها والردّ عليها، فيما اكتفى الرئيس المكلَّف بتعليق “مقتضب” اكتنفته “السلبيّة”، على أن تحمل الجلسة الموعودة “تتمّته”، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح حول “مفاعيل” هذه الرسالة، وما المتوقَّع منها، إن كان هناك متوقَّع.
تعقيد على توتير!
في معرض الردّ على هذا السؤال، يشير المتابعون والعارفون إلى أنّ المتوقَّع من الرسالة، ليس سوى مضاعفة التعقيد والتوتير على الأجواء العامة، لأنّ الاعتقاد بأنّها ستنجح حيث فشلت كلّ الوساطات والمبادرات لا يبدو أكثر من “وهم”، تمامًا كما الرهان عليها للوصول فعلًا إلى “سحب التكليف” من الرئيس سعد الحريري.
ولعلّ ما يستغربه كثيرون فأن تصدر هذه “الرسالة” عن رئيس الجمهورية بعد ساعات من “ليونة” مفاجئة أبدتها أوساطه تجاه الرئيس المكلَّف، وأوحت بـ”مرونة” غير مسبوقة من شأنها تسهيل التكليف، حين نفت أن يكون أصلاً راغبًا بدفع الحريري إلى “الاعتذار”، فإذا به يصوّب عليه بعنف، ويحمّله أمام البرلمان مجتمِعًا مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، “مبرّئًا” نفسه بالتالي من أيّ دورٍ أو مسؤوليّة، بما يناقض الوقائع التي خبِرها اللبنانيون منذ أشهر.
ويشدّد العارفون على أنّ أحدًا لا يعتقد أنّ “سحبًا للتكليف” يمكن أن يحصل، أولًا لأنّ مثل هذه “السابقة” لم تحصل من قبل، وثانيًا لأنّ الداعمين للحريري، الذين لم يتجاوبوا مع “خطاب” عون عشيّة الاستشارات، لا يزالون عند موقفهم، وهم يشكّلون الغالبيّة النيابيّة، علمًا أنّ حلفاء رئيس الجمهورية المقرّبين، أو الصامدين منهم، يشكّلون برأي كثيرين “الحصانة” التي يتمتّع بها الحريري، وهم يتمسّكون به مرشّحًا شبه وحيد لرئاسة الحكومة.
عبث بالدستور
استنادًا إلى ما تقدّم، يرى كثيرون أنّ “رسالة” رئيس الجمهورية لن تخدم “العهد”، ولن تحقّق لهم “مُراده”، لكنّها قبل هذا وذاك، لن تأتي سوى بـ”مفعول عكسيّ”، ذلك أنّ خيار “الاعتذار” الذي كان مطروحًا قبل أيام، وبقي المقرّبون من الحريري “يقيّمونه”، أصبح الآن “في خبر كان”، نتيجة إعادة “الرسالة الرئاسية” عقارب اللعبة إلى الأيام الخوالي.
لكنّ الأخطر من كلّ ما سبق يبقى في ما انطوت عليه الرسالة من “عبث بالدستور” بحسب ما تشير إليه بعض القراءات، وهو ما سلّط رؤساء الحكومات السابقون الضوء عليه في ردّهم على مضمونها، حيث لفتوا إلى أنّ أحكام الدستور وقواعده أكثر من واضحة فيما خصّ موضوع تشكيل الحكومة، وبما ينسجم مع مبادئ النظام البرلماني، القائم على أساس الفصل بين السلطات، وبما يلزم كلّ سلطة أن تلتزم حدود صلاحيّاتها، ولا تتجاوز، خلافًا لما يحاول الرئيس أن “يجرّ” البرلمان إليه، إن جاز التعبير.
أما الأهمّ من ذلك فيبقى بما جاء في المادة 64 من الدستور، والتي قد يكون الالتزام الحرفيّ بها “مفتاح الحلّ” الحقيقي للأزمة، باعتبار أنّها تمنح رئيس الحكومة المكلّف صلاحية إجراء الاستشارات لتشكيل الحكومة، ليصدر المرسوم “بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”، وهو ما التزم به رئيس الحكومة، الذي قدّم اقتراح تشكيلة متكاملة على رئيس الجمهورية، إلا أنّ الأخير هو من رفض التوقيع عليها، وارتأى أن “يقلب” الأدوار بشكلٍ أو بآخر.
قد يكون أكثر من “نافر” أن يعتبر رئيس الجمهورية، أو المحسوبون عليه، الرسالة التي وجّهها إلى البرلمان “مبادرة” لحلّ أزمة التأليف. ففي هذه “المبادرة”، يصوّب عون بعنف على الرئيس المكلّف، فيعتبر تارةً أنّه أصبح من الثابت أنّه عاجز عن تأليف الحكومة، ويرى تارةً أخرى أنّه “يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبده كما يأسر الشعب والحكم”، إلى آخره من الاتهامات التي لا تنتهي. هو باختصار “هروب إلى الأمام”، وفق ما يرى كثيرون، لكنّ مفاعيله لن تكون سوى “عكسيّة”، وهي ستقفل باب الحل بدل فتحه، أقله بحسب ما تَشي المؤشرات الأولية!