ابراهيم ناصر الدين-الديار
الحريري غير مُرحّب به في دارة البخاري…؟
باسيل مُربك ويصف «طعنة» وهبة «بالغباء»!
لا نقاش في عدم اهلية وزير الخارجية شربل وهبة لقيادة وزارة الخارجية اللبنانية، لم يثبت الرجل القادم من بعبدا كمستشار للرئيس ميشال عون انه جدير بهذا الموقع الحساس الذي تربع عليه بفضل رغبة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بتعيين وزير «مطواع» لا يسبب «وجعة راس» ويدير تركته في قصر بسترس… واذا كان وهبة قد ارتكب «فولا» ديبلوماسيا على المملكة العربية السعودية ودول الخليج، باعتباره قد عبّر عن موقف شخصي يحتمل الصواب والخطأ، لكنه غير قابل للصرف بصفته الديبلوماسية لانه يتناقض مع سياسة دولته العلنية القائمة على «مسايرة» هذه الدول ولو على حساب كرامتها الوطنية. وفي الدول «الطبيعية» تنتهي الامور عندما تعالج الاخطاء ضمن الاطر الديبلوماسية التقليدية حيث يتحمل مرتكب «الهفوة» المسؤولية السياسية عما ارتكبه وتحصل التوضيحات اللازمة الآيلة لطي هذه «السقطة» غير المبررة خصوصا ما يرتبط بالتوصيفات العنصرية غير اللائقة…
هذا ما حصل خلال الساعات القليلة الماضية، لكن لان الكثير من المسؤولين اللبنانيين ومعهم حاشية من الاعلاميين والفنانين يعتاشون على «مائدة» المملكة او يبحثون عن «جنازة» كي «يلطموا» بها طمعا باستجداء «المكرمة»، كان المشهد بالامس على مواقع التواصل، وفي دارة السفير السعودي الوليد البخاري «مقززا» ومثيرا للغثيان، وربما يحتاج وهبة الى الشكر على هفوته الاخيرة لانه كشف «الوجه القبيح» لكثير من اللبنانيين الذي ارتضوا «الذل والانبطاح» امام اسوأ الانظمة التي تمارس ساديتها على كل من يمارس فعل «الشحادة» على ابوابها، خصوصا هذا الصنف من البشر الذي يظن نفسه مسؤولا عن الاشعاع والنور والحضارة، لكنه يثبت كل يوم انه مجرد «كذبة» لم يعد يصدقها احد، فهو يحتقر نفسه ويسمح للآخرين باحتقاره، والان يبيع نفسه «ببلاش» لان مملكة «الخير» لم تعد ترى فيه مشروعا قابلا للاستثمار، بعدما صرفت عليه الكثير من الاموال واتضح انها ذهبت «ادراج الرياح»، اما سرقة، واما ضعفا وخنوعا في مواجهة حزب الله.
هذه الخلاصة، تجد ترجمتها سياسيا في خيبة امل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في «قطف ثمار» هفوة خصمه السياسي في بعبدا للتقرب من قيادة المملكة، وكذلك في سقوط رهان العهد وفريقه السياسي على ايجاد آذان صاغية في السعودية بعدما تم التنصل من وهبة وتقديمه «قربانا» على «مذبح» رغبة رئيس الجمهورية ميشال عون، والنائب جبران باسيل في ترطيب العلاقة مع الرياض، لكن ووفقا لمصادر سياسة بارزة، لا الاول «عيّد بالشام» ولا الفريق الثاني «لحق العيد بتدمر»، فما رشح عن موقف المملكة خلال الساعات القليلة الماضية كان واضحا لجهة عدم اكتراثها لكل حفلات «التزلف»، ولا تزال عند موقفها القائم على عدم المبالاة بالساحة اللبنانية، وكان السفير السعودي واضحا في مقاربته امام عدد من زوار السفارة وتقصد ارسال «رسالة» واضحة من القيادة السعودية للجميع، من خلال تأكيده ان باب دارته مفتوحة لمن يريد «الاعتذار»، لكن هذا لا يرتب اي نتائج سياسية تتجاوز موقف المملكة ازاء الملف اللبناني، اما الاجراءات حيال وزير خارجية حكومة تصريف الاعمال، فهي برأي البخاري بديهية للتكفير عن الخطأ، ولا يمكن لاحد مطالبة بلاده برد «جميل» لان تصحيح الخطيئة، واجب على السلطات اللبنانية!
ووفقا للمعلومات، حاول الحريري «جس نبض» السفارة السعودية في بيروت، مبديا استعداده لقطع رحلته الخارجية لترؤس وفد «تيار المستقبل» الى دارة السفير في اليرزة، الا انه تلقى جوابا سلبيا بعد ساعات من الانتظار، فتقرر عندئذ ان تترأس النائبة بهية الحريري الوفد، وقد جاء رد السفير البخاري مقتضبا وديبلوماسيا، ومفاده انه ليس هناك من داع لتكبيد نفسه عناء الزيارة، وموقفه عبر بيان مكتبه اكثر من كاف. وهذا يعني بوضوح ان المملكة ليست بصدد «شراء» موقف الحريري المندد بموقف وزير الخارجية كي تفتح له «الابواب» مجددا، لان الامور اكثر تعقيدا مما يظنه البعض. فحتى اشعار آخر، قد لا يأتي ابدا، لم يعد الحريري «حصان» السعودية في لبنان، وكل المحاولات السابقة، واللاحقة لم ولن «تغفر» له خطيئة التسوية الرئاسية «والمساكنة» مع حزب الله، وللتذكير، عندما استدعي عام 2018 الى السعودية على هامش «منتدى الرياض» لتقديم «صك» البراءة لولي العهد محمد بن سلمان، والظــهور معه علنا للاعلان انه هناك بكامل ارادته، ظن ان الصفحة قد طويت، لكن لا شيء تغير وتم ترحيله بعد اداء دوره، ولهذا ليس مأمولا من «الهمروجة» التي حصلت قبل ساعات ان تعيده الى «بيت الطاعة».
في المقابل، لم ينجُ رئيس تكتل لبنان القوي من «شظايا سقطة» وزيره للخارجية، ووفقا لمصادر مطلعة، تحدث امام زواره عن تلقيه «طعنة في ظهره» في توقيت شديد الحساسية، دون ان ينسى وصف ما قام به وهبه بانه « تصرف غبي». ووصلت حالة الارباك الى ذروتها لدى باسيل عندما اصبح اشد المتحمسين لاصلاح الضرر حتى لو كلف ذلك نقل وزير الخارجية «رسالة اعتذار» الى سفارة المملكة في بيروت، لكن وهبة اصر على الرفض، فكان القرار بتنحيته، وتعريته سياسيا عبر اتصالات ترضية لخواطر السفير البخاري الذي أبلغه مستشار رئاسي كبير مساء امس الاول، ان وهبة سيُعاقب على فعلته التي لا تمثل ابدا موقف الرئاسة الاولى، او موقف الوزير باسيل! لكن ووفقا للمعلومات، لم تغيّر هذه المواقف «الدونية» في سياسة الرياض التي لم «تهضم» في الاصل محاولة العهد وفريقه السياسي الايحاء بامكانية نسج علاقات ثنائية على قواعد جديدة عمادها الاول «الخصومة» المشتركة مع الحريري، وقد فات هذا الفريق اللبناني ان الازمة الحقيقة تبقى في علاقته مع حزب الله حيث لا تنفع استراتيجية «اجر في البور واخرى في الفلاحة»!
وهكذا قضت بعض المجموعات السياسية وغير السياسية ساعات طويلة مستمتعة «بحفلة الاذلال»، دون ان تقبض اي ثمن بعدما بات «الاذعان» مجانيا، في بلد «بلع» كل هؤلاء ألسنتهم، ولم يتجرؤوا على طلب «الاعتذار» او حتى التوضيح من الرياض التي قامت بخطف رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وعرضته لاقسى انواع الاهانات النفسية والجسدية وأجبرته على الاستقالة في ظرف دقيق كاد يطيح الاستقرار الداخلي اللبناني، كما لا يجدون انفسهم اليوم معنيين بالاستفسار عن سر اختفاء ملحن لبناني معتقل لا يعرف احد اسباب اعتقاله، وكأن المملكة تحولت الى «ذات الهية» ممنوع المسّ بها، الا من الولايات المتحدة الاميركية طبعا، مع العلم ان الجميع يعرفون ان وزير الخارجية المتنحي لم يرتكب اي هفوة في توصيفه لدور الرياض ومن معها من دول تدور في فلكها في تغذية التطرف «الداعشي» وغيره، وفي تمويل تخريب المنطقة، وهو اصاب كثيرا في توصيفه لدور حزب الله الوطني، وهو الامر الذي ازعج السعوديين اكثر من اي شيء آخر.