اندريه قصاص -لبنان24
على رغم عدم إقتناعه بجدواها السياسية والدستورية والوطنية، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الهيئة العامة لمجلس النواب إلى جلسة غدًا الجمعة في قصر الأونيسكو، للإستماع إلى الكلمة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى نواب الأمة لإتخاذ قرار في شأن سحب تكليف الرئيس سعد الحريري، مع تخوّف البعض من أن يؤدي ذلك إلى زيادة الطين بلّة، وإلى تأزيم الوضع الحكومي أكثر مما هو عليه حاليًا، خصوصًا أن ما أبداه رؤساء الحكومات السابقون من ملاحظات على الرسالة وضعت النقاط على الحروف.
فهذه الرسالة، وهي حق من حقوق رئيس الجمهورية ومن ضمن صلاحياته، تفتقر في الأساس وفي الشكل إلى عدّة مقومات: أولًا في الشكل، حيث أتت في غير موقعها الطبيعي، وتخطّت طبيعة العلاقات بين السلطات القائمة على مبدأ الفصل بينها.
ثانيًا، في الأساس، تأتي هذه الرسالة متناقضة مع كل المساعي التي بذلها الرئيس المكّلف من أجل تذليل العقد من أمام تشكيل الحكومة، مع إصراره على عدم منح أي فريق سياسي الثلث المعطّل، وعدم التنازل عن صلاحيات رئاسة الحكومة، وبالتالي رفض قيام أي وصاية عليها، سواء من قِبل رئيس الجمهورية أو أي فريق سياسي آخر.
وفي رأي أكثر من كتلة نيابية فإن رسالة رئيس الجمهورية في هذا الظرف الدقيق والحسّاس الذي يمرّ به الوطن، وبعد النكابات التي يُصاب بها المواطن يوميًا بسبب تعنّت البعض وإصراره على أن رأيه هو الصواب فيما الآخرون على خطأ، ستتسبب بأضرار جسيمة وبإنقسامات حادة داخل مجلس النواب، الذي سينقسم بطبيعة الحال بين مؤيد لمضمون الرسالة وبين معارض لها، مع ما تبديه مرجعية نيابية من مخاوف لناحية إتخاذ المناقشات، في حال حصولها، مناحي طائفية ومذهبية خطيرة.
ولذلك، فمن المرجّح أن تقتصر الجلسة على تلاوة الرسالة من دون الإفساح في المجال أمام مناقشات حول “جنس الملائكة”، خصوصًا أن ليس من صلاحيات مجلس النواب سحب التكليف من الرئيس المكلف الذي يمتلك وحده هذا الحق، في ظل غياب لأي آلية متعلقة بهذا الشأن في الدستور، وأقصى ما يمكن أن يفعله المجلس هو إصدار توصية غير ملزمة، وهي مجرد رفع عتب ليس أكثر.
فليس للمجلس أن يتخذ موقفاً أو يصدر قراراً إزاء وضع إطار زمني للتأليف أمام الرئيس المكلف، لأنّ ذلك يتطلب تعديلاً دستورياً، ووفي حال طالب البعض باللجوء إلى إجراء مثل هذا التعديل فإنّ سبحة المطالبة بالتعديلات الدستورية ستكرّ حكماً عبر طلب البعض الآخر إقرار تعديل دستوري يطال المهلة الزمنية الممنوحة لرئيس الجمهورية، ليس فقط للدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، بل لمسألة توقيعه أيضاً على التشكيلة الوزارية التي يرفعها إليه الرئيس المكلف، بحيث يصبح أمام رئيس الجمهورية فترة محددة زمنياً لإصدار مراسيم التأليف بعد تقديم الرئيس المكلف مسودة تشكيلته، وإلا في حال تمنعه عن التوقيع كما هو حاصل اليوم، فإنّ التشكيلة تذهب حكماً بعد انقضاء الفترة المحددة إلى المجلس النيابي لمنحها الثقة أو حجبها عنها، بغضّ النظر عن موقف رئيس الجمهورية، هذا عدا عن الدفع باتجاه طلب إجراء تعديل دستوري آخر يحدد الفترة الممنوحة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، كرد على تقييد الرئاسة الثالثة بمهل زمنية لتأليف الحكومة.
إلا أن ثمة معطيات تشير إلى أن الرئيس الحريري الذي سيحضر الجلسة، سيطلب الكلام كحقّ طبيعي له، وذلك من أجل وضع النقاط على حروف العراقيل التي واجهها منذ اليوم الأول لتكليفه.
وفي هذا المجال، يعتقد كثيرون أن الرسالة الرئاسية بدلًا من أن “تكّحل الأزمة الحكومية “عميتها”، ومن شأنها أن تنسف الجسور، التي كان يحاول أصحاب النوايا الطيبة ترميمها بين “بعبدا” و”بيت الوسط”.