الأخبار- رجب المدهون
في النتيجة، لم تَعُد أيّ من تشكيلات قوات الاحتلال تظهر أمام الحدود، وباتت تختبئ خلف التلال والغابات الشجرية كي لا تستهدفها المقاومة بقذائف الهاون أو الصواريخ الموجّهة، فيما بدأت تجمّعات المدفعية عمليات تمويه كبيرة والتراجع عن مرابضها، بعد تكرار استهدافها. أمّا على صعيد الجبهة الداخلية، فطلب جيش الاحتلال من المستوطنين في «غلاف غزة» الالتزام الكامل بالملاجئ، وخاصة أن التكتيك الذي استُعمل بالقصف المشترك جاء بعد مناورة من المقاومة أوقفت خلالها القصف والصواريخ لنحو خمس ساعات صباحاً، لإشعار العدو بأن هناك ضعفاً لديها وإعطائه الراحة للتحرّك، لتبدأ بعدها فجأة، وبصليات متواصلة، حملة القصف التي حقّقت خسائر ولّدت صدمة لدى قيادة العدو، فخرجت تهدّد وتتوعّد.
في المقابل، واصل جيش الاحتلال سياسة القصف المكثّف، وعاد إلى استهداف المنازل ــــ دون الأبراج حتى كتابة النص ــــ، مُدمّراً خمسة بيوت بصواريخ شديدة الانفجار من طائرات «إف ــ 16»، ما أدى إلى استشهاد مسنّة ووقوع عدد من الإصابات بين المواطنين، وذلك عقب ليلة شهدت غارات مكثفة بأكثر من 30 طائرة على جنوب القطاع. وبعد ساعة من تنفيذ الاحتلال ضربات كبيرة ومكثّفة تجاه مناطق الجنوب، أعلنت «كتائب القسام» توجيه ضربات صاروخية تجاه ستّ قواعد جوية لجيش الاحتلال هي: «حتسور» و«حتسريم» و«نيفاتيم» و«تل نوف» و«بلماخيم» و«رامون»، فيما قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن «حماس أطلقت صواريخ تجاه شمال أسدود ومناطق قريبة من جنوب تل أبيب، ولذلك من غير المستبعد أن تضرب تل أبيب نفسها وحتى الخضيرة». كما أن «سرايا القدس» أعلنت أنه «بتوقيت البهاء (التاسعة مساء) سرايا القدس تدكّ مدينتَي أسدود وعسقلان المحتلتين برشقات صاروخية مكثفة»، مضيفة إنها قصفت «برشقة صاروخية كبيرة نتيفوت ومغتصبات الغلاف».
على مستوى مباحثات التهدئة، سُجّل مساء أمس كمّ من الأخبار المتضاربة التي كانت تنقلها المصادر العبرية، تارة على لسان مصادر عبرية عبر قنوات مثل «العربية» و«سكاي نيوز»، وتارة أخرى عبر تسريبات ينشرها صحافيون إسرائيليون تَبيّن أن معظمها كانت جزءاً من الحرب النفسية طوال أسبوع. لكن وفق المصادر المطّلعة، لم يحدث تطور جديد سوى أن القاهرة حصلت أخيراً على تفويض من واشنطن لبدء بحث الصيغة النهائية لإنهاء المواجهة الجارية، وهو ما سيعزز موقعها التفاوضي، وخاصة أنها عادت إلى التواصل مع «حماس» مجدّداً أمس. وسرت أخبار عن بدء التهدئة الخميس السادسة صباحاً، لكن مصادر عبرية ومصرية وأيضاً فلسطينية عادت إلى نفي ذلك جملة وتفصيلاً. ووفق المصادر، لا تزال إسرائيل ترى في مسألة حيّ الشيخ جراح «قضية قانونية داخلية»، وكذلك وضع مَن سجنتهم من أهالي الـ 48، رافضة التعاطي مع هذين البندين. أما بشأن التسهيلات للصلاة في المسجد الأقصى ومنع المستوطنين من اقتحامه، فهي سبق أن بادرت إلى الحديث عن ذلك قبل يومين، ما يعني أن هناك تقدّماً في مواقف العدو، وإن لم يقدّم ردّاً حاسماً بعد.
أدّى القصف المشترك لأقوى 3 فصائل إلى قتل جنديّين وإصابة العشرات
في المقابل، قال مصدر في «حماس» لـ«الأخبار» إن العائق الأساسي أمام إنهاء الحرب هو «تعنّت رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وربطه التهدئة بمستقبله السياسي الذي قارب على النهاية»، مؤكداً أن الاتصالات مستمرّة عبر الوسيط المصري الذي قدّم ورقة للتهدئة إلى الاحتلال، لكن الأخير لم يردّ عليها بعد، مستدركاً بأن الحركة لا تعرف ماهية الورقة التي قُدّمت، ولذا «لا يوجد حالياً عرض نهائي للتهدئة». كذلك، قال المتحدث باسم «حماس»، فوزي برهوم، إن «كلّ ما يروّج عبر الإعلام العبري حول موضوع التهدئة لا أساس له من الصحة»، كما نفت الحركة التوصّل إلى اتفاق أو توقيت محدّد لوقف النار، مشددة على أن «مطالب شعبنا واضحة ومعروفة».
بالتوازي، نفى مصدر سياسي إسرائيلي، لقناة «كان» العبرية، الأنباء عن موافقة على وقف النار، قائلاً إنه «ليس هناك أيّ تفاهمات وأيّ تعهد إسرائيلي حول هذا الموضوع»، فيما قالت وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية إن «إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أن العملية في غزة ستنتهي خلال أيام»، لكن حتى اللحظة لا يوجد مقترح نهائي للهدنة. كما نقلت «القناة 12» العبرية أن التقارير «تفيد بأن نتنياهو أبلغ واشنطن أن إسرائيل مستعدة لتهدئة في غضون يومين أو ثلاثة». ويترافق ذلك مع تزايد الضغوط الدولية على الاحتلال، إذ ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن الرئيس جو بايدن حذّر نتنياهو من أنه لن يتمكّن من تأجيل الضغط الدولي على إسرائيل لوقت طويل، فيما أفادت قناة «الجزيرة» القطرية بأن فرنسا لوّحت بإمكانية طرح مشروع قرار بشأن التصعيد بعد فشل مجلس الأمن في إصدار بيان.
وفي خبر لافت يدخل ضمن الحرب النفسية والمعلوماتية، قالت وسائل إعلام عبرية إن «الشاباك والجيش طلبا من نتنياهو يومين أو ثلاثة للبحث عن قادة حماس لاغتيالهم، وحتى لا يقولوا إنه منع الجيش من استمرار القتال وافق على ذلك»، ليتسرّب خبر عبري بعدها مفاده أن «إسرائيل حاولت مرّتين اغتيال القائد العسكري لحماس محمد الضيف الأسبوع الماضي وفشلت».
وعلى مستوى الوضع الإنساني المتفاقم في غزة، أعلنت وزارة الصحة ارتفاع عدد شهداء العدوان إلى 217، منهم 63 طفلاً و36 سيدة و16 مسنّاً، إضافة إلى 1500 إصابة بجراح مختلفة، منها 50 شديدة الخطورة، و370 في الأجزاء العلوية منها 130 إصابة بالرأس، كما أن من بين الإصابات 450 طفلاً و295 سيدة. ومن اللافت ما كشفه «المرصد الأورومتوسطي» ومقرّه جنيف عن رصده 29 حالة قصف مباشرة استهدفت عائلات ممتدّة، منها 21 حالة قصفت فيها منازل على رؤوس قاطنيها، وحالتان استهدفتا تجمّعات، وحالتا استهداف سيارة، وحالتا قصف أرض ومزرعة.
من ناحية ثانية، سمحت قوات الاحتلال، لأوّل مرّة منذ بداية العدوان، بدخول محروقات لمصلحة مؤسسات دولية، في وقت تتّجه فيه محطة توليد الكهرباء إلى إطفاء مولّداتها بعد نفاد السولار الصناعي لديها، وهو ما يتوافق مع تصريحات وزير المخابرات الإسرائيلي، إيلي كوهين، الذي قال أمس، إن «الخطوة التالية هي قطع التيار الكهربائي عن غزة». ولذلك، دعت «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى» (الأونروا) حكومة الاحتلال على وجه السرعة إلى تمكين الإمدادات الإنسانية وموظفيها من الوصول إلى القطاع في الوقت المناسب «وفقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي»، وتبع ذلك إعلان الاحتلال السماح بدخول الصحافيين وأعضاء المنظمات الدولية الأجانب. مع هذا، حذر «المكتب الإعلامي الحكومي» من استمرار منع الاحتلال دخول إمدادات الاحتياجات والسلع الأساسية للمواطنين مع إغلاق المعابر وحتى الأعلاف اللازمة للحيوانات، ومنع دخول الوقود لمحطة الكهرباء، مؤكداً أن ما يجري يُعدّ «جريمة إنسانية وحرب إبادة بحق المواطنين».