لا تزال أحداث غزّة تسرق الأضواء المحلّية والعالمية، ويقف لبنان حتى الساعة موقف المترقب والمتفرّج عسكرياً على رغم الخروقات التي تحصل في الجنوب وسط المخاوف من زج “حزب الله” البلاد في حرب لا تُحمد عقباها.
منذ انتهاء “حرب تموز” 2006، تعيش الحدود الجنوبية هدوءاً نسبياً تخرقه عدة عمليات قد تكون منسّقة تحت راية “عدم الإنجرار إلى مواجهة”، والدليل أنه حتّى الساعة لم يردّ “حزب الله” على أكبرعملية إغتيال طالت قياداته وذهب ضحيتها القيادي عماد مغنية، إضافة إلى كوادر أخرى سقطوا بمعظمهم في سوريا.
ووسط المخاوف من فتح “حزب الله” جبهة الجنوب أو قيام إسرائيل بأي عمل عسكري، يبدو أن المشهد لن يتبدّل على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وفق ما تشير تقاطعات دولية تتابع الوضع الحدودي، ومعلوم أن “الحزب” يتقيّد بقرار إيران “المهادنة” حتى الساعة، وهذا أحد أهم أسباب عدم توتّر الأوضاع جنوباً.
وفي السياق، توضح المعلومات أن إيران ليست في وارد فتح جبهة جديدة لأسباب عدّة، أبرزها أنّ الأنظار موجّهة حالياً إلى غزّة وقتال حركة “حماس” والفصائل التي تدور في فلك طهران، والمبادرة إلى فتح جبهة جديدة من قِبل محور إيران سينقل هذا المحور من دائرة المُستهدف إلى دائرة المعتدي.
أما النقطة الثانية، فهي عدم رغبة إيران في “الحرتقة” على مفاوضات فيينا النووية، حيث تشير المعلومات إلى إحراز تقدّم ملموس قد يصل إلى توقيع تفاهم جديد في المرحلة المقبلة.
وفي حين تتبع طهران سياسة الحوار نتيجة الأزمات التي تمرّ بها، فإن المحادثات التي تدور مع الخليج وتحديداً مع السعودية تُشكّل طوق خلاص لإيران، إذا نجحت في توقيع اتفاق فيينا، وبالتالي فإن التصعيد في المنطقة لا يفيدها في هذا الظرف، مع ترقّب ما سيحصل بالنسبة إلى الأزمة السورية.
وتُشكّل هذه النقاط عوامل تُخفّف حدّة التوتّر الإقليمي، لكنّ السبب الأساسي والأهم الذي يُبقي جبهة الجنوب باردة، حسبما تكشف مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن”، هو وجود قرار أميركي ـ روسي كبير بعدم توتير الأجواء في لبنان والجولان السوري، ما دفع طهران إلى إعادة حساباتها وإبلاغ “حزب الله” بضرورة العمل بموجب هذا الإتفاق، وقد ظهر جلياً ضبط ساحة الجنوب والسرعة في إلقاء القبض على مطلقي الصواريخ الذين لا يدورون في فلك “الحزب”.
وتوضح المصادر الديبلوماسية أن إقدام إيران على فتح جبهة الجنوب قد يقود إلى حرب إقليمية واسعة، لأنه بمجرد حصول هكذا حرب ستتأثّر جبهة الجولان السورية مباشرةً، وأمام كل هذه الوقائع كان القرار الأميركي – الروسي بِلَجْم مثل هكذا حرب، خصوصاً أن القوات الأميركية تتواجد في شرق الفرات وعند منابع النفط، وكذلك فإن القوات الروسية منتشرة على الأرض السورية ولديها قواعد عسكرية.
وتنفي المصادر وجود أي خطر من توسّع الجبهات حالياً إلّا إذا وقع فشل في مفاوضات فيينا النووية، وهذا مستبعد في ظلّ “ليالي الأنس” والأجواء الإيجابية، في حين أن الرئيس السوري بشّار الأسد لا يستطيع اتّخاذ قرار كبير بفتح الحرب مع إسرائيل، في ظلّ الهيمنة الروسية على قراره وتطوّر العلاقات الروسية – الإسرائيلية حيث يُعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أكبر الداعمين لإسرائيل، وهذا الأمر يُترجم عبر السماح لتل أبيب بقصف أهداف تابعة لطهران و”حزب الله” في الداخل السوري وبغطاء روسي، وعدم ردّ “الحزب” على تلك الغارات.