الأخبار- بيروت حمود
ويَعتبر الأمين العام لحركة «أبناء البلد»، رجا إغبارية، في حديث إلى «الأخبار»، أن أهمية الإضراب «تكمن في أنه عُمّم في كلّ الجغرافيا الفلسطينية؛ حيث جاء تتويجاً لوحدة شعبية فلسطينية من البحر إلى النهر ومن الجنوب إلى الشمال». ويضيف إنه على الرغم من أن هذه الموجة من الانتفاضات الشعبية «لا يمكن اعتبارها حرباً مفتوحة يقودها محور المقاومة برمّته، بسبب أن معركة شاملة كهذه لم يَحِن أوانها بعد، فإن ما يحصل في فلسطين يشكّل معياراً لما قد يُبنى عليه في الحرب المفتوحة التي ستفرضها العنجهية الصهيونية حتماً في قادم الأيام». ويلفت إلى أن مثل هذه الانتفاضات أو الهبّات الشعبية «كنّا قد جرّبناها في يوم الأرض الخالد وهبّة القدس والأقصى، وقدّمنا الشهداء والجرحى والمعتقلين كما في هذه الموجة، غير أن الجديد هو الجيل الجديد نفسه، الذي يقود المواجهات غير آبه لعنجهية العدو وغير خاضع لسطوة القيادة الكلاسيكية داخل الـ 48 أو سلطة أوسلو». وبحسب إغبارية، فإن «هذه القيادة حُيّدت، وإن كانت لا تزال تتمتّع بوزن معين ولها جمهورها من جماعة الكنيست والصهينة والتنسيق الأمني والسياسي؛ إذ إن الانتفاضة الشعبية مسحت المنطقة الرمادية على طرفَي ما يُسمّى الخط الأخضر، واضعةً القضية الفلسطينية بكلّ شموليتها على طاولة العالم أجمع». ويرى أن «فلسطينيّي الـ 48 فرضوا وجودهم داخل المعادلة الفلسطينية، كما شطبوا اتفاقية أوسلو التي اعتبرتهم شأناً إسرائيلياً داخلياً، وفي 15 أيار، بعد 73 عاماً من النكبة الفلسطينية، شطب هؤلاء بدعة عرب إسرائيل والمواطَنة الكاملة والاندماج وغيرها». وعليه، يعتقد إغبارية أنه يتوجّب استثمار هذه الموجة «في احتضان هذا الجيل، وترسيخ أشكال المواجهة التي ابتكرها ونجح فيها إلى حدّ اعتبار ما يجري في الداخل أخطر على إسرائيل من صواريخ غزة. أعتقد أن هذه هي مهمّة المحور المقاوم في داخل فلسطين والإقليم».
وفي هذا الإطار، يشير إلى أن الهبّة الجماهيرية التي حملت دلالات مهمّة، وكشفت هشاشة المؤسّستَين الأمنية والسياسية الإسرائيلية، دفعت بالأخيرة إلى البدء في محاصرة المنتفضين، أوّلاً «باعتقال القادة الميدانيين الذين أفرزتهم التحركات، وثانياً من طريق تفعيل جماعة مشروع الأسرلة بهدف ضبط الأمور وإعادتها إلى مربّعها الأوّل». مع ذلك، فإن إسرائيل وقيادة أحزاب الداخل، وفق إغبارية، «لن ينجحوا، والامتحان المقبل هو انتخابات الكنيست التي أساساً مَن ربح فيها فقد فاز بمعركة خاسرة. أعتقد أن محور المقاومة في فلسطين والإقليم عليه استخلاص العِبَر من الانتفاضة الحالية، واشتقاق مسار شامل لما هو آتٍ، فهذا ما سيقرّر انطفاء الموجة لسنوات طويلة أو استمرارها في المسار الصحيح». ويتابع أن «العنجهية الصهيونية والشعور بالانتصار في إلحاق الدمار بغزة رغم فشلهم في القدس والأقصى والشيخ جراح والداخل، سيدفعهم إلى استفزازنا مجدّداً، ونحن سنستمرّ وسنردّ من جديد. إن التراكم الثقافي المقاوم لن يتبخّر مهما حصل، بل سيؤسَّس عليه للاستعداد للمرحلة الحاسمة القادمة».
وبالعودة إلى الإضراب، رأى عضو «حزب التجمع الوطني الديموقراطي»، سلمان نصاصرة (من رهط النقب في بادية فلسطين)، أن «المشهد الذي رأيناه أمس لعلّ بالإمكان اختصاره بمقولة هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية»؛ حيث لأول مرّة «ينتفض شعبنا بكلّ مكوناته وأماكن وجوده لنصرة قضاياه. كان هناك التزام بشكل ساحق بقرار الإضراب، وهو ما يحمل مؤشرات عدّة؛ أهمّها أن سلاح الإضراب سيُستخدم كأداة ضغط فعّالة عند أيّ مواجهة سياسية مستقبلية». وأضاف إن «الالتزام بالقرار أوصل رسالة إلى إسرائيل ومؤسّساتها بأن شعبنا الذي نفخر به قد استيقظ من غفوته، وأنه لن يفرّط بقضاياه الوطنية بعدما عرف مكامن قوته وقدرته على التأثير على الحركة الاقتصادية وشلّ المؤسسات الإسرائيلية».
وفي مؤشّر إلى قلقها من الإضراب العام، حاولت سلطات العدو وأذرعها المختلفة ترهيب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، بتهديدهم بالفصل من أماكن عملهم بسبب التزامهم قرار الإضراب. وحملت التهديدات التي تلقاها عمّال وموظفون فلسطينيون، من بينهم الأطبّاء والممرّضون في مستشفى «رمبام» في حيفا، من أرباب عملهم الإسرائيليين، رسائل تفيد «بأن التغيّب عن العمل من أجل المشاركة في الإضراب هو خطوة غير قانونية، وستترتّب عليه محاسبة وفصل من العمل». وردّاً على ذلك، نشرت طواقم المحامين في أكثر من مدينة وقرية فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948، أرقام هواتفها على وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة حثّت من خلالها الموظفين والعمّال على المشاركة في الإضراب، وعدم الانصياع لوسائل الترهيب والضغط الممارَس من قِبَل أرباب العمل اليهود. وفي الإطار نفسه، أعلن عدد من المحامين، في منشورات متفرّقة، استعدادهم لتقديم الاستشارة القانونية والدفاع عن أيّ شخص يتعرّض لمثل هذه التهديدات، أو يجري فصله من عمله على أساس مشاركته في الإضراب.
الإضراب بالأرقام
على الرغم من أنه لا يزال من المبكر الحديث عن معطيات دقيقة في شأن الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية الناجمة عن الإضراب، وأعداد العمال والموظفين والطلبة الذين التزموا به، إلا أن ثمّة أرقاماً أوّلية استطاعت «الأخبار» الحصول عليها. بالنسبة إلى مجمل عدد العاملين في القطاع الصحّي الإسرائيلي، يُقدَّر عدد الأطباء الفلسطينيين العاملين في المستشفيات الإسرائيلية بنحو 8140 طبيباً، يشكّلون نحو 21% من الأطباء، فيما يُمثّل الفلسطينيون أيضاً 24% من الممرّضين، و50% من الصيادلة. أمّا العمال في قطاع البناء فيشكّلون 50 بالمئة من مجمل عمّال البناء في إسرائيل. وكشفت مجلة «ذا ماركير» الاقتصادية الإسرائيلية أن الإضراب العام شلّ جزءاً كبيراً من قطاع المواصلات والنقل. وفي تقرير نشرته المجلة أمس، أظهرت المعطيات أن 50 في المئة من مجمل السائقين العموميين في قسم الحافلات والقطار الخفيف لم يأتوا إلى العمل، وأن 4000 سائق عربي يعملون في هذا القطاع الذي يعتمد بنسبة كبيرة على العرب. كما أن أكثر من 90 في المئة من السائقين العاملين في منطقة «بيت شيمش» التزموا بالإضراب. وعلى خلفية تلك المعطيات، أعلن رئيس «المجلس الإقليمي بنيامين»، يسرائيل غانتس، نيّته البدء في بناء منظومة رديفة من السائقين العموميين لا تعتمد على الفلسطينيين، وهو ما اعتبره السائقون العرب «تصريحات تفتقر إلى المسؤولية وتصبّ الزيت على النار». وخلص التقرير إلى أن قطاع المواصلات لم يكن جاهزاً للإضراب.
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر لـ»الأخبار» أن متاجر المستوطن رامي ليفي، مثلاً «شهدت التزاماً كبيراً في غالبيتها، ومعظم فروعها أغلقت أبوابها بسبب إضراب العمال الفلسطينيين وعدم حضورهم إلى العمل، وهذا ينطبق على بقية العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل». وأضافت المصادر إن «عاملين في مصنع كبير يزوّد جيش العدو بالإمدادات الغذائية أضرب غالبيّتهم عن العمل أيضاً». كما كشفت مصادر متطابقة أن «العدو وأصحاب المصانع والشركات والعمل من المستوطنين أطلقوا تهديدات مختلفة للعمّال الفلسطينيين لمحاولة إخضاعهم ودفعهم إلى التراجع عن الإضراب أمس، لكن من دون فائدة، وهذه التهديدات وصلت عبر الوسطاء الفلسطينيين الذين يرتبطون بعلاقات مع أصحاب العمل ويعملون كمشرفين على العمال».