لو أنّ شخصاً آخر غير صاحب مقولة “لعيون صهر الجنرال عمرها ما تتألف حكومة”، ولو أنه لم يكن “الجنرال” نفسه الذي عطّل الانتخابات الرئاسية على مدى سنتين ونصف السنة للوصول إلى كرسي بعبدا، و”الرئيس” نفسه الذي حاول عرقلة الاستشارات النيابية الملزمة واحتجز التشكيلة الوزارية ويرفض الاحتكام لإرادة المجلس النيابي في منحها الثقة البرلمانية من عدمها… ولولا أنّ من راسل مجلس النواب بالأمس شاكياً تكبيل الدستور وتعطيل الاستحقاقات لم يكن “اسم علم” في منهاج “نسف المهل” وامتهان التعطيل وسيلة لتحقيق الغايات… لكان اللبنانيون أخذوا ربما الرسالة التي وجهها الرئيس ميشال عون بالأمس إلى ساحة النجمة على محمل الغيرة الرئاسية على الدستور، والسعي الرئاسي الصادق إلى كسر قيود العرقلة والتعطيل!
لكن بما أنّ القاصي قبل الداني، في الداخل كما في الخارج، بات يدرك يقيناً مكمن العطل الحكومي و”مربط الفرس” في عربة التأليف المكبّلة بشرط الإذعان لنزعة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل التحاصصية في التركيبة الوزارية، لم يخرج تشخيص رسالة عون إلى مجلس النواب عن إطار “سياسة النكايات العبثية الهدّامة لفرص الإنقاذ”، غير أنّ مصادر نيابية حذرت من أن عون أشعل من خلال رسالته “فتيل أزمة نظام قد تفجّر بشظاياها حقل ألغام طائفية ومذهبية بين المكونات الوطنية”، منبهةً إلى أنّ “تداعيات الرسالة العونية لا تقتصر على استعداء الطائفة السنية وإحداث شرخ في الأرضية الميثاقية، إنما قد تتعداها في حال الإمعان في النهج الانقلابي السائد على الدستور والطائف، إلى المجازفة بقلب الطاولة على المناصفة وتشريع الباب واسعاً أمام تحقيق ما يصبو إليه “حزب الله”، من عقد مؤتمر تأسيسي جديد يفرض المثالثة في الحكم”.
وأوضحت المصادر أنّ الرسالة التي تسلمتها أمس الأمانة العامة لمجلس النواب من رئيس الجمهورية، ويثير فيها مسألة المهلة الممنوحة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة وإجراء المقتضى إزاء تكليف الرئيس سعد الحريري “بمعنى الحثّ المبطّن على البحث في الصيغ الدستورية لنزع تكليفه”، توجب على رئيس المجلس نبيه بري الدعوة إلى عقد جلسة عامة لمناقشتها في غضون ثلاثة أيام من تاريخ تسلّمها، نظراً لكونها موجهة الى مجلس النواب عبر رئيسه وليست موجهة الى شخص رئيس المجلس. ونقلت أنّ بري كان قد نصح عون بعدم الإقدام على خطوة كهذه “لن تسفر سوى عن مزيد من تأزيم الوضع وتوسيع الشرخ في البلد، غير أنّ رئيس الجمهورية أصر على موقفه وتجاهل نصيحة بري”.
ولفتت المصادر في المقابل إلى أنّ “المجلس ليس له أن يتخذ موقفاً أو يصدر قراراً إزاء وضع إطار زمني للتأليف أمام الرئيس المكلف لأنّ ذلك يتطلب تعديلاً دستورياً، وإذا طالب البعض باللجوء إلى إجراء مثل هذا التعديل فإنّ سبحة المطالبة بالتعديلات الدستورية ستكرّ حكماً عبر طلب البعض الآخر إقرار تعديل دستوري يطال المهلة الزمنية الممنوحة لرئيس الجمهورية، ليس فقط للدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، بل لمسألة توقيعه أيضاً على التشكيلة الوزارية التي يرفعها إليه الرئيس المكلف، بحيث يصبح أمام رئيس الجمهورية فترة محددة زمنياً لإصدار مراسيم التأليف بعد تقديم الرئيس المكلف مسودة تشكيلته، وإلا في حال تمنعه عن التوقيع كما هو حاصل اليوم، فإنّ التشكيلة تذهب حكماً بعد انقضاء الفترة المحددة إلى المجلس النيابي لمنحها الثقة أو حجبها عنها، بغضّ النظر عن موقف رئيس الجمهورية، هذا عدا عن الدفع باتجاه طلب إجراء تعديل دستوري آخر يحدد الفترة الممنوحة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، كرد على تقييد الرئاسة الثالثة بمهل زمنية لتأليف الحكومة”.
وبالتالي ترجح المصادر النيابية أن يناقش المجلس رسالة عون “في السياسة بعيداً من أي مقاربة حقيقية لمسألة التعديل الدستوري فتنتهي الأمور عند حد معركة تسجيل النقاط السياسية، بما سيؤدي حكماً إلى زيادة الشرخ والتباعد بين عون والحريري وتكريس استحالة التعايش الحكومي بينهما”، لا سيما وأنّ الرئيس المكلف توعّد بالرد على خطوة عون الاستفزازية “في البرلمان”، معتبراً أنّ رسالته هي “إمعان في سياسة قلب الحقائق والهروب الى الأمام والتغطية على الفضيحة الديبلوماسية العنصرية لوزير خارجية العهد تجاه الأشقاء في الخليج العربي”.
وكما أجّج رئيس الجمهورية النيران تحت صفيح الأزمة الحكومية، كذلك أشعل وزير خارجيته شربل وهبه خلال الساعات الأخيرة فتيل أزمة ديبلوماسية مع دول الخليج العربي، إثر تهجمه الكلامي على هذه الدول واتهامها بأقذع الاتهامات العنصرية والإرهابية، مخلّفاً موجة غضب عربية وخليجية عارمة تجاه لبنان، ومهدداً أرزاق مئات آلاف اللبنانيين الذين يعتاشون وعائلاتهم من العمل في دول الخليج.
وبينما توالت استدعاءات السفراء اللبنانيين في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والبحرين، لتسليمهم مذكرات احتجاج رسمية على تصريحات وهبه “المشينة التي تتنافى مع الأعراف الدبلوماسية”، بادر مجلس التعاون الخليجي إلى الطلب من وزير الخارجية اللبناني إصدار اعتذار رسمي “نظير ما بدر منه من إساءات غير مقبولة على الإطلاق بحق دول المجلس وشعوبها”.
وفي حين ترددت ليلاً معلومات إعلامية تتحدث عن إتجاه وهبه إلى إعلان تنحيه عن مهمة تصريف الأعمال في وزارة الخارجية، سيشهد مقر السفارة السعودية في لبنان اليوم سلسلة زيارات تضامنية تنديداً بما تفوّه به وهبه ضد المملكة وشعبها، وتأكيداً على أنّ كلامه “لا يمثل الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، إنما يختزن حصراً موقف محور الممانعة وعهده العوني”، وفق ما شددت مصادر سياسية معارضة، معتبرةً أنّ وهبه، وعلى قاعدة “خذوا أسرارهم من صغارهم”، فضح “بسذاجته المشهودة ما يتملّك هذا الفريق من مكنونات عدائية تجاه الدول العربية وعلى رأسها السعودية، والانحياز الفاضح للأجندة المعادية للمملكة في المنطقة”، وأردفت: “عملياً ليس ما قاله وهبه سوى ترجمة “غشيمة” للسياسة الديبلوماسية المعادية للدول العربية التي يرعاها باسيل في قصر بسترس، والتي حالت يوماً دون إعراب وزارة الخارحية عن التنديد بالهجمات الإرهابية على منشآت آرامكو”.