عيسى يحيى-نداء الوطن
تعيش مدينة بعلبك منذ ثلاثة أشهر وأكثر فورة بناء عارمة لم تشهد لها مثيلاً من دون حسيبٍ أو رقيب، إستغلّ فيها الناس الفوضى التي تعيشها الدولة وحال الإنهيار الذي وصلنا إليه، وعدم قدرة القوى الأمنية على بسط سيطرتها في مختلف أحياء المدينة ومحيطها، لضعف عديد عناصرها وتفضيل الهاجس الأمني على ما عداه.
على مدى سنوات عانى أهالي مدينة بعلبك من توقف البناء وعدم سماح وزارة الداخلية للبلديات بإعطاء تراخيص في المناطق المسموح فيها إنشاء وتشييد أبنية لا تتجاوز فيها مساحة السقف مئة وخمسين متراً ومنعه منعاً باتاً في المناطق المصنّفة أثرية، وذلك لحين إنتهاء مشروع الضمّ والفرز الذي أصبح عمره عشرات السنين من دون إحراز اي تقدّم فيه، حيث بقيت معاناة مختلف البلدات والقرى البقاعية على حالها يستعملون أراضيهم من دون أي إثبات يبرز حقّهم في ملكيتها، يعانون من إبراز الأوراق الثبوتية والمستندات عند تقديم اي معاملة رسمية، كان آخرها مشروع إستصلاح الأراضي الزراعية عبر المشروع الأخضر التابع لوزارة الزراعة بتمويل من منظمة الزراعة والأغذية للأمم المتحدة.
وضعت أزمة البناء منذ بداية العالم الحالي القوى الأمنية في مواجهةٍ مع الأهالي بسبب عدم سماح وزارة الداخلية للبلديات بالرغم من كل المراجعات بإعطاء تراخيص بناء، حيث بدأت الناس بالبناء من دون إذن في مختلف الأحياء والمناطق، وعند توجّه عناصر قوى الأمن لتوقيف المخالفة كانت المواجهات تشتعل ويمنع فيها الأهالي القوى الأمنية من الوصول إلى المكان وتفترش النسوة الأرض، وشهدت تضامناً من مختلف المرجعيات الدينية والسياسية وتحميل وزارة الداخلية المسؤولية، وخلال توقيف إحدى الورش تعرّضت على إثرها فصيلة بعلبك لإطلاق نار، وبعد مناشدات ولقاءات تمّ التوصل إلى إتفاق يقضي بالسماح للناس بالبناء لحين صدور قرار ينظّم إصدار تصاريح البناء.
ومنذ أشهر، تشهد المنطقة، من حدود بلدة بدنايل حتى الهرمل كان فيها لبعلبك الحصة الأكبر، هجمةً على البناء من دون تراخيص شبيهة بتلك التي حصلت عام 1997 إبّان ثورة الجياع التي قادها الشيخ صبحي الطفيلي أمين عام “حزب الله” السابق، حيث عمد الكثيرون إلى الإستدانة أو بيع ذهب ومصاغ لتمرير “سطح”، فالفرصة لن تتكرّر ثانيةً، وتقف فيها بلدية بعلبك وقوف المتفرّج على ضياع فرص تغذية صندوقها من رسوم التراخيص التي لم تسمح وزارة الداخلية لها بإعطائها شأنها كسائر البلديات في المنطقة، لتخسر مردوداً يسدّ حاجاتها في تأمين رواتب الموظفين وتسيير الأمور الحياتية للناس، كجمع النفايات وإصلاح الأعطال في شبكة المياه وغيرها وخصوصاً في ظلّ إنعدام دفع الضرائب والرسوم المتوجّبة لها من الناس.
وضع المنطقة الأمني والأحداث التي جرت خلال الفترة الماضية والمواجهات التي حدثت بين القوى الأمنية وأصحاب الورش التي كانت تشيد، إضافةً إلى التفلت الأمني الحاصل والذي يكون فيه دائماً الجندي في الجيش اللبناني أو عنصر قوى الأمن مشروع إستهدافٍ وثأر، والشواهد على ذلك كثيرة كان آخرها العسكري في الجيش اللبناني فضل بياض الذي إستشهد بنيران الثأر منذ أيام في بعلبك، دفعت بقيادة قوى الأمن الداخلي إلى التعاطي مع هذا الملف بتأنّ وإستيعاب، حيث فضّلت تسطير محاضر ضبط وترك الأمر للقضاء على أن تسجّل سيل نقطة دمٍ واحدة من عناصر قوى الأمن الداخلي أو بين صفوف الأهالي خلال عملية هدم منزل قيد الإنشاء، وهو إذا ما حصل يشعل ثأراً لا ينتهي.
رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق أكد في حديث لـ”نداء الوطن” أنه “من حقّ المواطنين البناء ولكن ضمن شروط وضوابط، ولو تمّت موافقة وزارة الداخلية على إعطاء البلديات تصاريح البناء بالتعاون مع التنظيم المدني حافظنا على حقوق الغير وعدم التعدّي على الأملاك العامة، ولكن تفاجأنا ببدء البناء من دون حسيب أو رقيب والإيعاز من وزارة الداخلية إلى القوى الأمنية بعدم التعرّض لأحد وبدأت الفوضى، وما حدث أرجعنا ثمانين سنة إلى الوراء”. وأضاف “نعم، هناك من إستفاد وبنى منزلاً وآخرون أبنية ولكن ما حدث حرام ولا يجوز، فالبناء حصل في المشاعات وفي الأماكن الممنوع فيها البناء والمصنّفة أثرية وحتى في حرم الآثار، إضافةً إلى قضم حقوق الغير من خلال بناء شريك في العقار بحصة شريكه غير الموجود، وهو ما ألحق الضرر بتنظيم المدينة وعدم دخول أي مورد مالي على صندوق البلدية، مع العلم أن آلاف الوحدات السكنية التي شيّدت لو دفعت ما يترتّب عليها بناءً على رخصة لنفّذنا أكبر مشروع في المدينة”، مضيفاً بأنّ “كل بناء سطّرت البلدية بحقّه محاضر ضبط”.