ابراهيم ناصر الدين–الديار
يبدو ان رهان الطبقة السياسية الحاكمة على «ترويض» اللبنانيين قد نجح، فتمرير «رفع الدعم» غير المعلن يتم «هضمه» على دفعات دون ان يشهد الشارع اي رد فعل على الغلاء الممنهج للاسعار، وباتت شريحة واسعة من اللبنانيين «متأقلمة» مع الواقع ما ينذر «بتغول» المتحكمين «بلقمة عيش» المواطنين من تجار جشعين وقادة سياسيين واقتصاديين في ظل غياب تام لهيبة الدولة، فيما الشعب يبدو مستسلما لقدره على نحو مثير «للحيرة» ما يطرح اكثر من علامات استفهام حيال طبيعة المرحلة المقبلة في ظل جمود حكومي «قاتل»، وغياب الاهتمام الخارجي عن الملف اللبناني حيث تحتل الحرب على الشعب الفلسطيني الاولوية وسط تصاعد القلق الاسرائيلي من تمدد القتال الى جبهات اخرى، حيث ارتفع منسوب «الادرينالين» في عروق القيادات الامنية السياسية في كيان العدو في ظل استمرار المناورات «الصامتة» لحزب الله على طول الحدود الجنوبية، ويمكن القول ان الساعات الماضية شهدت «حبسا للانفاس» بعد تقديرات اسرائيلية بحتمية المواجهة على الجبهة الشمالية، لكن نجاح حركة حماس في افشال عملية «المترو»، اجهض تصعيدا كان مرتقبا، ولهذا باتت اسرائيل معنية راهنا بالخروج سريعا من «مستنقع» غزة كي لا تخرج الامور عن السيطرة وتتسبب بانفجار اقليمي واسع تكون نتائجه وخيمة.
«رسائل تبريد»
وفي هذا السياق، لا يزال التخوف قائما في اسرائيل من تصعيد متعدد الجبهات، ومع اتساع حجم المواجهات في الضفة الغربية، واحتدام العنف في اراضي 48، لا تزال الاحداث على حدود لبنان هي الاكثر باعثا للقلق لدى مختلف القيادات العسكرية والامنية الاسرائيلية حيث تتصاعد الخشية من مواجهة غير منتظرة مع حزب الله بالتوازي مع الحرب الدائرة في غزة. ووفقا لصحيفة «اسرائيل اليوم» الناطقة بلسان رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو فإن التحدي الأساس لقيادة المنطقة الشمالية هو تبريد الحدود الشمالية ومنعها من أن تصبح ساحة نشطة أخرى، وذلك للسماح للجيش الإسرائيلي بالتركيز على الجبهات الأخرى. ووفقا لمصادر دبلوماسية غربية في بيروت فقد تولت السفارة الاميركية في عوكر نقل «رسائل» اسرائيلية الى الجانب اللبناني تفيد بأن اسرائيل غير معنية بأي تصعيد في جنوب لبنان وهي معنية بفعل كل ما يؤدي الى تبريد هذه الجبهة، كما نقلت «رسالة» بهذا السياق الى قوات «اليونيفيل».
حيرة اسرائيلية؟
في المقابل، لاحظت مصادر امنية وجود رفع مستوى للتأهب في اسرائيل على كامل الجبهة الشمالية التي شهدت ارسال قوات «نخبة» ووسائل قتالية إضافية، تحسبا من «الاسوء» بحسب الاسرائيليين الذين لا يملكون تقييما واضحا حتى الان لردود فعل حزب الله ازاء تحولات دراماتيكية قد تحصل على جبهة القتال في غزة. ووفقا للتقديرات الاسرائيلية الاولية لا يسعى حزب الله الى «اضرام النيران» الان في الجبهة الشمالية، لكن «الان» تبقى محفوفة بالمخاطر لان «اليوم التالي» لا يبدو واضح المعالم لدى الجانب الاسرائيلي الذي يعرف جيدا تنامي قدرات الحزب الصاروخية، ويدرك جيدا ان ما تملكه المقاومة الفلسطينية في غزة مجرد «العاب نارية» بالمقارنة مع ما لدى حزب الله القادر على اطلاق نحو 6000 صاروخ دفعة واحدة مع اندلاع شرارة الحرب الاول.
مناورات «صامتة»
ولهذا يراقب الاسرائيليون بحذر شديد، «المناورات الصامتة» التي يقوم بها حزب الله على طول الجبهة الجنوبية التي تشهد استنفارا غير مسبوق لدى مختلف قطاعات الحزب العملانية، فيما لم تحصل اسرائيل حتى اليوم على اجابات واضحة من القنوات الدبلوماسية الغربية العاملة في لبنان حيال موقف حزب الله ازاء اي تحول مفاجىء في العمليات العسكرية في قطاع غزة، حيث تقابل كل محاولات «جس النبض» «بصمت مطبق» في حارة حريك يزيد من تنامي القلق داخل اسرائيل.
«حبس الانفاس»
وفي هذا السياق، تتحدث مصادر ديبلوماسية اوروبية عن رغبة لدى إسرائيل للخروج من «مازق» غزة في أقرب وقت ممكن لان في حال استمرار القتال هناك فيه مخاطرة كبيرة بالتصعيد في جبهات أخرى وخصوصا على الحدود الشمالية. ووفقا للمعلومات، فقد شهدت الساعات القليلة الماضية حبسا للانفاس على خلفية عملية اسرائيلية كبيرة كانت ستؤدي لو نجحت الى توجيه ضربة قاسية لحركة حماس في غزة، ما وضع على «الطاولة» احتمال خروج الجبهات الاخرى عن السيطرة بفعل توقعات لدى الاسرائيليين بحتمية دخول حزب الله على خط المواجهات لانقاذ الفلسطينيين من «هزيمة» كبيرة…! لكن العملية فشلت، ونجت المنطقة من تصعيد خطير كان من الممكن ان يتحول الى حرب اقليمية، اقله بحسب التوقعات الاسرائيلية.
فشل عملية «المترو»!
ووفقا لصحيفة «اسرائيل اليوم» فان الخطوة الدراماتيكية في الحرب الدائرة، كانت في الهجوم على شبكة الأنفاق الدفاعية لحركة حماس، التي تسمى «المترو»، وووفقا للمعلومات شاركت في العملية 150 طائرة قتالية أطلقت أكثر من 450 قذيفة، في هجوم منسق تواصل لأكثر من نصف ساعة. ومع أن الأنفاق تضررت بشدة، اقرت الصحيفة بان الفكرة العملياتية لم تنجح، فقد كانت النية أن يتم قتل المئات من مقاتلي حماس وقتلهم، في خطوة كان يفترض أن توفر صورة نصر حاسم للمعركة.
حماس لم «تشتر» الخدعة
وبحسب الصحيفة، جرى التخطيط لهذه العملية منذ عدة سنوات وهي تقوم على عملية تضليل ميدانية واعلامية. وكان التخطيط يقوم على أن تصدق حماس بأن الجيش الإسرائيلي يوشك على اجتياح بري إلى القطاع مما يدفعها الى ارسال رجالها إلى الأنفاق، حيث سيلقون حتفهم هناك. وقد عرضت هذه العملية على «الكابينت» عدة مرات في الماضي، وجرى التفكير بتفعيلها في تشرين الثاني 2018 بعد عملية فاشلة للوحدة الخاصة في خان يونس، التي قتل فيها المقدم «م»، وأدت إلى تصعيد قصير في الجنوب. والإذن الذي لم يصدر لها في حينه أدى إلى استقالة افيغدور ليبرمان من منصبه كوزير للدفاع، وصدر الآن فخرجت العملية إلى حيز التنفيذ تحت اسم «جنوب أزرق». غير أن حماس لم تشتر الخدعة الإسرائيلية؛ على الرغم من ان الدبابات تقدمت باتجاه سياج القطاع وأطلق الناطق العسكري تلميحات إلى وسائل الإعلام الدولية يفهم منها بدء الاجتياح البري لغزة، ولكن قلة من رجال حماس نزلوا إلى الأنفاق، وليس واضحاً كم منهم قتل فيها إذا ما قتلوا أساساً…!
وبحسب الاعلام الاسرائيلي، حاول الجيش الإسرائيلي عرض العملية كنجاح، دون أن يكشف الجزء المركزي في الخطة الذي فشل، لان ضرب الأنفاق لم يكن الأمر الأساسي… أما الخدعة، فلم تعط الثمار المخطط لها بل تسببت بانتقاد شديد ضد إسرائيل من جانب وسائل إعلام مركزية في العالم، احتجت على أن الناطق العسكري كذب عليهم واستخدمهم عن قصد في الترويج لعملية كانت مجرد خدعة.
الخروج من «المأزق»؟
وازاء «حنكة» القيادة العسكرية لحركة حماس التي لم تبتلع «الطعم»، وفي ظل مراجعات امنية عميقة في اسرائيل حول اسباب فشل العملية، وانطلاقا من الخوف من رد فعل حزب الله على احتمال نجاح ضربات «نوعية» مماثلة، خرجت اصوات عدد من المحليلين الاسرائيليين لمطالبة القيادة الاسرائيلية «بالتواضع» في طموحاتها وعدم الدخول في مغامرات غير محسوبة، باعتبار ان الانجاز الاهم راهنا لاسرائيل هوعدم جر جبهات أخرى للتصعيد، ولهذا يتعين أن تنشغل القيادة السياسية والعسكرية الان، بقدر أقل في البحث عن صور النصر، وبقدر أكبر على منع اشتعال شامل، ومحاولة جباية أثمان أخرى من حماس وربما تصفية بعض من مسؤوليها لاحقا، على أمل تعميق الردع حيال غزة في اليوم التالي!
ماذا يريد «المستقبل»؟
وفيما تتواصل مسيرات الدعم للفلسطينيين في لبنان، صدر موقف «مثير للريبة» عن تيار المستقبل الذي تطوع لمواجهة دعوة «مجهولة» وجهت على مواقع التواصل الاجتماعي، للتجمع أمام سفارة الإمارات، في بيروت، تحت عنوان: «التطبيع خيانة… معاً في مواجهة الأنظمة المطبعة». وقد وجد تيار المستقبل، في الدعوة «مزايدات قومية» على دول وشعوب كرّست جهدها ومالها وحياتها لنصرة فلسطين وشعبها، ومحاولة «لاحتكار» تأييد القضية الفلسطينية. ووجد تيار المستقبل العذر للإمارات في جنوحها نحو التطبيع بالقول ان العلاقات مع إسرائيل، لا تعني الإمارات فقط، بل هي تشمل مروحة كبيرة من البلدان العربية. والمفارقة ان تيار المستقبل الذي نظم وقفة تضامنية على الحدود مع الشعب الفلسطيني توعد بمواجهة كل دعوة «استفزازية» للسفارات العربية!
«الدائرة المفرغة» حكوميا
حكوميا، لا جديد في ظل المراوحة المستمرة داخليا، وغياب الاهتمام الخارجي بالملف اللبناني الذي لن يجد مساحة كبيرة في لقاء باريس بين الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي، حيث ستحتل غزة صدارة الاهتمام. وفي ظل هذه الاجواء يستمر الجمود «القاتل» على الرغم من التسريبات حول خروج قريب للرئيس المكلف سعد الحريري عن «صمته» بعد عودته الميمونة من الخارج، ولم تحرك التسريبات حول عدم رغبة رئيس الجمهورية ميشال عون باعتذار الحريري «المياه الراكدة»، ولا تزال الامور في «الدائرة المفرغة، وبرأي مصادر تيار المستقبل فان عودة حديث الرئيس عون عن ضرورة تقديم الحريري صيغة حكومية متكاملة مرتكزة على الميثاقية والتوازن الوطني الذي يحقّق الشراكة الكاملة، عودة الى «التعطيل» لان هذه القاعدة «البراقة» تحمل بين «السطور» شروطا تجعل عملية التاليف مستحيلة.
«المستقبل»: كلام «خشبي»!
وقد نعى نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش ما روج له من ايجابيات رئاسية، وقال» ان الحملات المتكررة والكلام الخشبي الذي يتردد بخصوص مسألة الاعراف والمواثيق والتوازنات وما الى هنالك والالتزام بالدستور. فالدستور ينص على شيء واحد ألا وهي المناصفة. اما قضية انه يريد ان يكون مشاركا ويفرض رؤياه على الحكومة، فهذا عملياً ينسف كل الامور»، لافتاً الى «اننا نرحب بكل ايجابية تصدر عن فخامة الرئيس لتسهيل انتاج الحكومة ومقتنعون تماما ان الحكومة الاكثر فعالية هي تلك التي تلتزم بمعايير عدم وجود محاصصة في هذه المرحلة وعدم وجود ثلث معطل. فإذا كان فخامة الرئيس قد وصل الى هذه القناعة، فالحكومة قد تتألف خلال يومين.
وفي هذا الاطار، أشار الأمين العام لـتيار المستقبل أحمد الحريري إلى أن الامور حكومياً «لا تزال على حالها». وعما يشاع عن اعتذار الحريري شدّد على «أن الرئيس المكلف كان واضحاً ولم يصدر عنه أي شيء، وأن كل ما صدر عبارة عن تسريبات إعلامية، وستكون له مواقف واضحة في المرحلة المقبلة بما فيها مصلحة البلد وهموم الناس مع دراسته لكل الخطوات والخيارات للوصول إلى القرار الصحيح».
نفي رئاسي
وكان الرئيس ميشال عون اعلن أن تشكيل حكومة جديدة له الأولوية حالياً على رغم العقبات التي تواجه هذه المسألة من الداخل والخارج، وقال أمام نائبة وزير الخارجية الإيطالية مارينا سيريني وغداة توجيهه رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، «لن نوفّر أي جهد للوصول إلى هذا الهدف وتشكيل حكومة تكون من أولى مهامها تحقيق الإصلاحات المطلوبة واستكمال مكافحة الفساد الذي يعاني منه لبنان، إضافة إلى التدقيق المالي الجنائي الذي يشكّل المدخل الحقيقي لهذه الإصلاحات». وقد نفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ما وصفه بـ» المعلومات المختلقة» في بعض وسائل الاعلام حول مضمون رسالة عون الى ماكرون، لافتاً إلى أنها من نسج الخيال.
افقار اللبنانيين مستمر
وفيما يستمر تمرير رفع الدعم «بالمفرق» دون ان تلقى سياسة افقار اللبنانيين اي رد فعل جدي في ظل غلاء الاسعار وفقدان الدواء، حيث سيقفل عدد من الصيدليات ابوابه الخميس لعدم تسلّمه الادوية ،»والاذلال « على محطات الوقود، وزيادة تقنين الكهرباء، تستعدّ قطاعات عمالية للتصعيد، وسط تساؤلات حول فعاليتها بعد «خراب البصرة»، وفي هذا السياق، أكد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أن «هناك آلية جديدة لمصرف لبنان ووزارة الاقتصاد في ما خص البضائع المدعومة، في انتظار تفاصيلها». ولفت الى أن «ملفات البضائع المدعومة يتأخر طلبُها، لذلك هذه البضائع ليست متوفرة بكميات في السوبرماركت!. وأشار بحصلي الى أن «وجود البضائع في المرفأ مكلف وخطر نتيجة تعرض المواد لأشعة الشمس، لذلك يخزّنها التاجر في المستودعات في انتظار ملف الدعم»، موضحاً أن «هناك فرقاً بين الاحتكار وانتظار فتح اعتمادات للبضائع من قبل مصرف لبنان». وأكد ان «هناك موادا غذائية وأدوية عالقة في المرفأ، نظرا الى تأخر الموافقة على طلباتها؟
تصعيد في «الشارع»
في المقابل، أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، في مؤتمر صحافي اثر اجتماع لاتحادات ونقابات قطاع النقل البري امام مركز المعاينة الميكانيكية في الحدت، «الإتجاه الى اضراب عام وتحركات مطلبية مطلع الأسبوع المقبل»، داعيا الى «ضرورة التنازل عن كل الانانيات وايجاد حكومة وعدم رفع الدعم بطريقة غير مسؤولة لان ذلك سيؤدي الى ثورة شعبية». بدوره، أكد رئيس اتحاد النقل البري في لبنان بسام طليس «الاستمرار باقفال مراكز المعاينة الميكانيكية في كل لبنان حتى تصبح بعهدة الدولة والقانون.
ماذا بعد اطلاق «المنصة»؟
في غضون ذلك، اطلق مصرف لبنان امس، منصة «صيرفة»، التي ستسمح بأنّ يصبح سوق الدولار أكثر شفافية. لكن المفارقة ان الجهوزية التقنية لدى المصارف والصيارفة لم تكتمل بعد، وسط تساؤلات حول الية تنظيم بيع وشراء الدولار، بسعر يحدد العرض والطلب خصوصا ان هذه العمليات متاحة للتجار والمستودرين والمؤسسات بينما يخضع للأفراد العاديين لشروط غير واضحة بعد قد يستفيدوا من المنصة على أن يقوم مصرف لبنان بالتدخّل عند اللزوم، لضبط التقلبات في أسعار سوق الصيرفة، فهل ستشهد السوق حدا للمضاربات وهل يمكن السيطرة على سعر صرف الدولار؟ اسئلة تحتاج الى وقت لان التجارب السابقة، بحسب اوساط مصرفية لم تكن ناجحة!
«كف يد» عون
وفي تطور قضائي لافت، رد مجلس شورى الدولة دعوى القاضية غادة عون في إبطال قرار القاضي غسان عويدات، وطلب رأي مجلس القضاء الاعلى في اساس الدعوى بعد ضمّ الطلب بوقف التنفيذ لاساس الدعوى، وهذا يعني «كف» يد القاضية عون عن الملفات المالية، ما يجعلها غير قادرة على متابعة القضايا التي اثارتها مؤخرا.فهل ستلتزم بالقرار الجديد؟