طوني خوري
ما ان اندلعت المواجهات الدامية بين الاسرائيليين والفلسطينيين منذ قرابة الاسبوعين، حتى اتجهت الانظار الى لبنان لمعرفة الموقف الذي سيتم اتخاذه وما اذا كانت الجبهة اللبنانية ستشتعل بالفعل. وما ان تجمّع جمهور على الشريط الحدودي في لبنانوحصول اشكال حدودي، حتى انتشر الكلام عن حصولمواجهات واسعة والتحضر للحرب على نطاق واسع، ومنهم من وظّف هذاالخيار في الداخل ايضاً معتبراً انه سيشكّل سبباً رئيسياً في تسهيل تشكيل الحكومة وانهاء حال الحرب السياسية.
لكن الواقع كان مغايراً، وفي حين ان الحرب بقيت قائمة في الاعلام وفي الكلام والمواقف، وحتى في التضامن العلني والسري مع الفلسطينيين والحركات الفلسطينية المقاومة عسكرياً، فإنه عملياً وميدانياً لم تكن مقومات الحرب مؤاتية، على الرغم من كل الاحداث والتطورات التي كانت كفيلة، فيما لو كانت الظروف جاهزة، للدخول في حرب على نطاق واسع. وفي ظلّ هذا الواقع، من المهمّ التذكير بأنّ مقومات أيّ حرب بين لبنان واسرائيل، لا بدّأن تخضع لمسار دبلوماسي وعسكري دقيق ولموافقة اقليمية ودولية، لان تاثيرها يطال المنطقة ككل ولا ينحصر فقط في لبنان. ومن نافل القول ان مثل هذه الموافقة عير متوافرة حالياً في ظلّ الوضع الدقيق الذي يمر به لبنان من جهة، والاوضاع الصعبة على الصعيدين الصحي والاقتصادي في العالم من جهة ثانية، ناهيك عن عدم قدرة اسرائيل على فتح جبهات عدّة في الوقت نفسه وفشلها في تأمين حماية وسلامة الاسرائيليين في أي منطقة كانوا، واعتبار مأزقها السياسي حرجاَ جداً فيما يتعرض المسؤولون الاسرائيليون لضغوط كبيرة من الصناعيين واصحاب العمل الذين خسروا مبالغ طائلة منذ بدايةالمواجهات، دون قدرة الادارة في تل ابيب على التعويض عليهم. واذ اعترفت اسرائيل رسمياً بتعرضها لنحو 3 آلاف صاروخ اطلقه الفلسطينيون عليها خلال 10 ايام (اي بمعدل 300 صاروخ يومياً)، فكيف سيكون الوضع اذا كانت هذه الارقام مضاعفة او اكثر بثلاث مرات بعد دخول حزب الله على الخط؟.
وفيما لا تزال اسرائيل غير قادرة على اكتساب موافقة اميركية على اي عملية عسكرية واسعة النطاق او شن اي حرب في المنطقة، هناك حسابات اخرى يجب التوقف عندها، ومنها التفاوض غير المباشر مع لبنان على الحدود البحريّة وهو امر في غاية الاهمية، لانّه يحل للمرة الاولى ويمكن البناء عليه اذا ما تم التوصل الى حل وسطي، لتذليل العديد من العقبات في المستقبل على اكثر من صعيد. واذا ما تدهورت الامور على الحدود اللبنانية، فإنها ستنعكس دون اي تاخير على الحدود مع سوريا، وسيجد الروس انفسهم في مواجهة معركة وربما حرب لم يختاروا خوضها، وقد تكون بشراسة تلك التي خاضوها منذ سنوات داخل سوريا وهم لم ينسوها بعد. اما الاميركيون، فهم يتحضرون للعودة الى الاتفاق النووي، وليس من مصلحتهم المخاطرة بما تم تحقيقه في هذا المجال، من اجل “نزوة” اسرائيلية تهدف فقط الى تأمين الالتفاف والدعم لرئيس الوزراء المستقيل. ولا يبعد الاوروبيون كثيراً عن هذا الوضع، وهم القلقون من وضعالنازحين واللاجئين على حد سواء وامكان غزو دول اوروبية قريبة.
يمكن بثّ روح الطمأنينة والهدوء في نفوس اللبنانيين من أن كل ما يقال حول اقتراب الحرب و”ضربة اسرائيليّة” كبيرة على لبنان لا يستند الى معطيات، وهو مجرّد توقعات قد تصيب ولكن مقومات نجاحها ضئيلة جداً، بينما يمكن اعتبار مقوّمات فشلها عالية جداً، وبالتالي ستنحصر الحرب على المواقف والتهديدات والكلام عالي السقف الذي يظهر بين الحين والآخر.