«بعد سنوات من العمل التدريجي لتحويل السياسة الأميركية إلى اليسار، لم يتردّد حزب الرئيس هذا الأسبوع في دعواته لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضدّ العدوان على الفلسطينيين». الجملة أعلاه وردت في مجلّة «بوليتيكو»، في إطار تعليقها على التطوّرات الأخيرة في الشرق الأوسط، وربطاً بالمواقف الصادرة عن الجناح التقدّمي في الحزب الديموقراطي. مواقف توقّف عندها الإعلام الأميركي مطوّلاً، في الأيام الماضية، في محاولة للإحاطة بما قد تلجأ إليه الإدارة الأميركية من خطوات
بحسب «بوليتيكو» وصحيفة «ذا نيويورك تايمز»، فإنّ «كبار المسؤولين الأميركيين يعملون بجهد، للتوسّط في وقف إطلاق النار مع ارتفاع عدد القتلى». لكنّ وقف إطلاق النار وحده لن يعالج ما يراه بعض الديموقراطيين «حكومة إسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، أعاقت قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة».
بالتالي، بغضّ النظر عمّا إذا كان عمرو، وغيره من المسؤولين الأميركيين، سيُحدثون اختراقاً فعلياً أم لا، فقد كشفت الأيام الماضية الديناميكية السياسية الشائكة والمتزايدة، التي تواجه الديموقراطيين في الكونغرس. هؤلاء بدأ المزيد منهم في التشكيك في الدعم المتواصل من الحزبين لإسرائيل. ومن دون أن يتخلّوا عن علاقات أميركا القوية تاريخياً مع إسرائيل، لم يتردّدوا، خصوصاً خلال الأسبوع الماضي، في دعواتهم لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضدّ العدوان على الفلسطينيين.
«هناك أرضية ناشئة قوية جداً في الحزب الديموقراطي تريد رؤية سياسة أميركية متوازنة – تعترف بكل من احتياجات إسرائيل الأمنية وحقوقها عندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن نفسها ضدّ الصواريخ والإرهاب، ولكنّها تدرك أيضاً أنّ ذلك لن ينتهي أبداً ويحصل الفلسطينيون على حقوقهم وحرياتهم»، وفق تعبير جيريمي بن عامي، رئيس منظمة «جي ستريت»، وهي مجموعة ضغط تأسّست كصوت تقدّمي مؤيّد لإسرائيل في السياسة الأميركية. بن عامي أعرب عن اعتقاده بأنّ «هذا الأمر أصبح مركز الحزب الديموقراطي».
يعتقد بعض الديموقراطيين، أنّ عدم مواجهة إسرائيل بشكل مباشر، يوحي للفلسطينيين بأنّهم لن يتمكّنوا أبداً من تحقيق السيادة. «في أعقاب هذه الأزمة، من الأهمية بمكان أن تتّخذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر تشدّداً مع الحكومة الإسرائيلية، وأن تطالب بوقف هذه المستوطنات وعمليات الإخلاء والتهجير هذه»، قال النائب الديموقراطي كريس مورفي، مضيفاً أنّ «العنف لن ينتهي، سواء أحببنا ذلك أم لا، إذا شعر الفلسطينيون أنه ليس لديهم مستقبل ولا قدرة على تحديد طريقهم بأنفسهم».
اعتبرت بيلوسي أنّ «حماس تهدّد سلامة الإسرائيليين الأبرياء»
من جهته، ندّد السيناتور بيرني ساندرز، في مقال نشره في صحيفة «نيويورك تايمز»، بدفاع الولايات المتحدة عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» سنة بعد سنة، وحرباً بعد حرب، من دون أن يتمّ طرح السؤال الآتي: «ما هي حقوق الشعب الفلسطيني؟». وشدّد على أنّه «يجب على الولايات المتحدة في هذه اللحظات الكارثية، أن تطلب وقف إطلاق نار فوري».
تؤكّد هذه التصريحات وغيرها، ضرورة التغيير البطيء والمستمر في السياسة الديموقراطية، عندما يتعلّق الأمر بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فوجهة نظر ساندرز، مثلاً، نمت بشكل أكبر بين الديموقراطيين في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد انتخاب حشود من التقدّميين لعضوية الكونغرس، في عام 2018. العديد من هؤلاء أنفسهم يتزايد قلقهم من قرارات السياسة الخارجية لبايدن. فقد هاجمت النائبة الديموقراطية، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، الرئيس الأميركي، بعد قوله إنّ «إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها»، معتبرة أنه «يقف إلى جانب الاحتلال».
كذلك، صرّح النائب الديموقراطي، مارك بوكان، بأنّ هجمات «حماس» على إسرائيل «مدانة، ولكن يجب إدانة معاناة الفلسطينيين المستمرّة منذ 50 عاماً». أمّا النائبة الديموقراطية، إلهان عمر، فقد أشارت إلى أنّ ما يجري حالياً من أزمة في فلسطين سببه «دولة تموّلها أميركا تواصل احتلالاً غير قانوني لمجموعة من الناس». وأضافت، في كلمة لها في مجلس النواب: «عوض أن أقضي أيام عيد الفطر مع عائلتي، فإنّ الواجب يحتّم عليّ أن أساند العائلات التي فقدت أبناءها بسبب العنف الدائر في فلسطين».
بدورها، أشارت النائبة رشيدة طليب، وهي فلسطينية أميركية، إلى نفسها على أنّها «تذكير للزملاء بأنّ الفلسطينيين موجودون بالفعل، وأنّنا بشر»، قبل أن تدين «حكومة الفصل العنصري الإسرائيلية» من قاعة مجلس النواب.
كلام هؤلاء لا يعبّر عن وجهة نظر القيادات الديموقراطية، التي لا ترى الأمر بهذه الطريقة. فقد وصفت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، الصراع الجاري بأنّه «صراع فلسطيني على السلطة، فيما تؤكّد حماس هيمنتها على قطاع غزة». وأشارت إلى أنّ «حماس تهدّد سلامة الإسرائيليين الأبرياء»، مشدّدة على أنّ «للحكومة الإسرائيلية كلّ الحق في الدفاع عن شعبها».
«العديد من أعضاء تجمّعنا هم أصدقاء حميمون لإسرائيل، لكنّهم يفهمون أيضاً أنّنا نحترم حقّ تقرير المصير، وأنّنا نريد حلّ الدولتين في المنطقة»، قالت بيلوسي، مضيفة: «لكن هذا لا يعطي الإذن لحماس بقصف إسرائيل».
في غضون ذلك، يقف الجمهوريون لبايدن بالمرصاد، من أجل إعاقة جهوده للعودة إلى الاتفاق النووي، مشيرين إلى «دعم طهران للجماعات الإرهابية التي تهاجم إسرائيل». «من الصعب تصديق أن رئيساً أميركياً قد يفكّر في رفع العقوبات المتعلّقة بالإرهاب، أو الصواريخ، في اللحظة نفسها التي تنهمر فيها الصواريخ الإيرانية على إسرائيل»، قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل.