القاهرة | تتحدث أوساط مقربة من الوفد المصري عن أنه كان قريباً من التوصل إلى اتفاق يحمل «شروطاً مرضية» للمقاومة الفلسطينية وينهي المواجهة الحالية، لكن مكالمة الرئيس الأميركي، جو بايدن، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وكذلك رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، نسفت الجهود لوقف العدوان باعتماد هدنة لسنة على الأقل، مع ضمان القاهرة توقف إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، على أن يكون تنفيذ الاتفاق وتفاصيله بمواعيد محددة وملزمة للطرفين.
الوفد المصري الذي أجرى اتصالات مع أطراف متعددة في تل أبيب وعمّان وغزة ورام الله والدوحة يقول إنه بذل «جهوداً مضنية» لإنجاح مهمته، رغم العراقيل التي وُضعت في طريقه إسرائيلياً وأميركياً، فيما تردّ مصادر في «حماس» بأن مستوى الاتصالات لم يكن عالياً وشهد في البداية شداً وجذباً معها قبل أن «يصير متزناً وهادئاً»، وخاصة أن تل أبيب كانت واضحة مع الوفد منذ البداية برفض الحديث في تهدئة قبل أمس الأحد، وهو ما لم تتخذ منه القاهرة موقفاً قوياً. لكن المصادر المصرية تقول إن لهجة الوفد كانت «حاسمة تجاه استمرار تدمير البنية التحتية في غزة بما ينذر بصعوبة الإعمار في المستقبل القريب». ورغم تأكيد عضو المكتب السياسي لـ«حماس» موسى أبو مرزوق، أمس، أن الوساطات لم تنجح حتى الآن، يقول المصريون إن الهدنة قريبة، لكن أبو مرزوق شدد على أنها ستكون وفق شروط «حماس» لا وفق شروط إسرائيل التي لا تزال «مصدومة من كمية الصواريخ التي وصلت خلال الأيام الماضية».

وحتى وقت متأخر من ليل أمس، نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين أن من المرجح بدء محادثات لوقف النار في غضون أيام، وهو ما يلغي أي حديث عن تهدئة قريبة، وخاصة أن واشنطن أقرّت بأنها لم تضغط على الإسرائيليين لوقف العملية العسكرية، بل تمثل مكالمة بايدن ضوءاً أخضر لإسرائيل للإكمال بعد ترويج إعلامي لضغط أميركي للإنهاء. ولذا، يتوقع الاستمرار بالتركيز على تدمير البنية التحتية أكثر في محاولة لزيادة الغضب بين أهالي القطاع وإيصال الخدمات الأساسية إلى وضع كارثي. لكن المصادر المصرية تقول إن القاهرة أعلنت أنها لن تسمح بكارثة إنسانية في القطاع وستفتح معبر رفح لتقديم المساعدات وإيصال أي مساعدات عربية ودولية بما يلبي احتياجات الغزيين في حال استمرار العدوان ولا سيما الوقود، وذلك في توجيهات صدرت من الرئيس عبد الفتاح السيسي قبيل توجهه إلى باريس أمس، وفي هذا كله محاولة لمنع سحب البساط من تحت القاهرة في ترؤس الوساطة.
صحيح أن بعض الأجهزة الأمنية المصرية أبدت استغراباً من التطور في قدرات المقاومة والوقت والكيفية اللذين صنعا بهما، وما قد تشكله من مخاطر على «الأمن القومي المصري»، لكن الموقف الرسمي والشعبي تجاه العدوان غطى على هذه التخوفات المرسلة في تقارير رسمية. وفي المسار الدبلوماسي، استدعت وزارة الخارجية السفير الإسرائيلي وسلّمته «رسالة احتجاج شديدة» على العدوان سواء على غزة أو سرقة منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، فيما وصف وزير الخارجية سامح شكري أهالي القدس بـ«الإخوة» خلال خطابه أمام الجامعة العربية، في وقت لم تتحرك فيه عواصم عربية كثيرة ولا سيما أبو ظبي والرياض.
وفق المصادر نفسها، تركز القاهرة على استعادة دورها في الملف الفلسطيني وتواصل التنسيق مع المؤسسات المعنية، سواء في الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حتى في الدوحة التي أبدت ترحيباً غير مسبوق منذ سنوات في التعاون في هذا الملف، وذلك على المستوى الإنساني حالياً. أيضاً أرسلت مصر أطباء إلى غزة واستقبلت جرحى من غزة للعلاج في ثلاثة مستشفيات في العريش وبئر العبد والإسماعيلية، كما فتح الهلال الأحمر المصري ونقابات مهنية باب التبرعات المقرر إرسالها في الأيام المقبلة. حتى الأزهر الشريف ورجال الدين التابعون للدولة عملوا على الحشد الشعبي للمرة الأولى إلى درجة أن الدكتور أحمد عمر هاشم قال خلال خطبة الجمعة في الأزهر: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» في خطبة حماسية كان ينقصها فقط أن يعلن الحرب على العدو الإسرائيلي بتغيّر غير مسبوق في لهجة الأئمّة خلال عهد السيسي عن القضية الفلسطينية!