خاص “لبنان 24”
كما في كلّ مرّة تُفتَح فيها إحدى “الجبهات” مع العدوّ الإسرائيليّ، يسود التأهّب والاستنفار باقي “الجبهات”، والجبهة اللبنانيّة على رأسها، تمامًا كما حصل في الأيام القليلة الماضية، على وقع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة مرحلة “مفصليّة”، مع كثافة لافتة في الغارات التي لا توفّر بين مدنيّين وأطفال ونساء وشيوخ وصحافيّين وعسكريّين.
تجلّى هذا الاستنفار على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، التي شهدت العديد من التحركات “التضامنية”، التي لم تمرّ من دون أن يدفع لبنان جزءًا من فاتورة الدم، بعد سقوط الشاب محمد طحان شهيدًا بنيران إسرائيليّة، بعد اقتحام عدد من الشبّان المتحمّسين للسياج الحدوديّ، في حادثةٍ أثارت “المخاوف” من توسّع رقعة المعركة بشكلٍ أو بآخر.
ومع أنّ حادثة إطلاق ثلاثة صواريخ من جنوب لبنان مرّت من دون عواقب تُذكَر، بعدما بدا واضحًا من طابعها “الهاوي” غياب بصمات “حزب الله” عنها، ما دفع الجانب الإسرائيليّ إلى القفز فوقها، ثمّة مخاوف يعبّر عنها البعض من إمكانية تكرار الحادثة، في حال استمرّت المعارك في غزة، وما يمكن أن يترتّب على ذلك من تداعيات قد لا تكون محسوبًا.
رفض متبادل للتصعيد
في المبدأ، ورغم عاملي الاستنفار والتأهب اللذين تقتضيهما الضرورة، يستبعد العارفون أيّ نيّة لدى أيّ فريق لفتح “جبهة” الجنوب، فالطرفان المعنيّان بها، أي “حزب الله” وإسرائيل، لا يجدان مصلحة بذلك في الوقت الحاليّ، بل يعتقدان على النقيض من ذلك أنّ فتح “الجبهة” سيضرّ أكثر ممّا ينفع، وعلى أكثر من مستوى.
وعلى هذا الصعيد، يعتقد “حزب الله” مثلاً، وفق ما يُنقَل عنه، أنّ التصعيد لن يخدم الفلسطينيّين في الوقت الحاضر، بعدما نجحوا في “كسر جدار الخوف”، وألحقوا بالإسرائيلي “من دون جميل أحد” أضرارًا كبرى، ليس أقلّها تعطيل حركة الطيران إلى سمائه من قبل العديد من الشركات العالمية، وفي وقتٍ بدأ البحث عن “مَخرَج لائق”، وإن كان يؤجّله لعلّه ينجح قبل ذلك في تحقيق “مكسب سياسيّ” يسمح له بإظهار نفسه “منتصرًا” لا “مهزومًا”.
أما الإسرائيليون فلا يبدون بوارد الدخول في “جبهة” أخرى في الوقت الحاليّ، وخصوصًا جبهة لبنان، في ظلّ قناعة راسخة لديهم بأنّ ترسانة “حزب الله” تفوق تلك التي تمتلكها فصائل المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن خبرته العسكرية في الميدان، وهو ما يفسّر مثلاً “تغاضيهم” عن حادثة إطلاق الصواريخ، بدءًا بالإسراع بـ”تبرئة” الحزب، وصولاً إلى “تجاهلها” وعدم البناء عليها لتوجيه التهديدات للحزب والحكومة، كما درجت العادة.
هل من انعكاسات سياسية؟
ولا تبدو المعطيات والعوامل السياسية بعيدة عن استبعاد سيناريو “المواجهة الشاملة”، إن جاز التعبير، سواء على صعيد المقاربة الإقليمية العامة، أو الداخلية الخاصة، فـ”حزب الله” لا يحبّذ الذهاب إلى تصعيد، فيما لا يزال جو الحوارات مسيطرًا، وبانتظار أن تنضج المحادثات حول الاتفاق النووي، الذي يُحكى في الكواليس أنه بدأ “ينضج” بين الإيرانيين والأميركيين، وقد يُبنى عليه الكثير، قبيل الانتخابات الرئاسية في إيران الشهر المقبل.
أما الواقع الذي قد يكون “خانقًا” على الحزب، كما على اللبنانيين أجمع، فيتمثّل بالأزمة السياسيّة، والاقتصادية والاجتماعيّة، التي يئنّ بسببها اللبنانيّون، والتي لا تسمح لأيّ فريق بالذهاب إلى أيّ معركة لا يتوفّر “الغطاء” الرسميّ والشعبيّ لها، بل إنّ هناك من يرى أنّ جمهور “المقاومة” نفسه، الذي ينتظر بلهفة “الحرب” مع إسرائيل، التي يعد نفسها بأنّها لن تنتهي سوى بـ”زوالها” وفق الشعارات الرائجة، ليس جاهزًا نفسيًا لها في ظلّ الواقع الحياتيّ الصعب.
بيد أنّ هناك من يخشى من انعكاسات “سيئة” لحرب غزة على الواقع السياسيّ اللبناني، فإذا كانت الحكومة اللبنانية التي تنتظر “حلاً سحريًا” قد لا يأتي سوى من الخارج، هُمّشت على مدى الأشهر الماضية، حتى أصبحت في آخر سلّم أولويات قادة العالم، فيبدو أنّ موقعها سيصبح متأخّرًا أكثر، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ الجمود سيبقى إلى ما لا نهاية، إذا لم تتوافر الإرادة لدى المسؤولين بـ”صنع” الحلّ في لبنان، ومن دون أيّ إبطاء.
صحيح أنّ سيناريو “اشتعال” الجبهة مُستبعَد، وصحيح أنّ كلّ المؤشّرات تؤكد أنّ “تضامن” لبنان مع غزة لن يتعدّى حدود الكلام والموقف المعنويّ، ولكن، ثمّة سؤال يجب أن يُطرَح، ماذا لو وقع المحظور واندلعت الحرب، من حيث لا يحتسب أحد؟ كيف سيكون بلبنان أن يواجه، وهو المنهار اقتصاديًا والعاجز سياسيًا؟ ألا تكفي هذه “الفرضية” لاستنفار من نوع آخر، لتشكيل حكومة اليوم قبل الغد، بحيث تكون قادرة على مواجهة كل التحديات، أيًا كان نوعها؟