“يديعوت أحرونوت”
رون بن يشاي – محلل عسكري
في اليوم الخامس للمعركة في غزة يبدو أن الجيش الإسرائيلي ينجح في تنفيذ خطته الاستراتيجية، لكن النتائج الحقيقية لها سنعرفها بعد عام أو عامين، بعد أن يتضح ما إذا كانت “حماس” ارتدعت وأن الشعب الفلسطيني سيدفع ثمناً باهظاً لأي محاولة منها لمراكمة أرباح سياسية ودينية بواسطة مهاجمة إسرائيل والإسرائيليين.
وفي الواقع إسرائيل تخوض حالياً معركة على أربع جبهات: الجبهة الغزية، حيث يهاجم الجيش الإسرائيلي والشاباك بحسب خطة مدروسة مسبقاً والإنجازات معقولة.
الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي اشتعلت نتيجة تحريض الجناح الشمالي في الجبهة الإسلامية المتعلق بالخطر المزعوم المحدق بالمسجد الأقصى، والشاباك والشرطة ينجحان ببطء في لجم وخفض ألسنة اللهب.
على جبهة الضفة الغربية التي يحاول الفلسطينيون إشعالها ويقوم الشاباك بكبح أعمال الشغب التي توسعت في ذكرى النكبة يوم الجمعة واستمرت اليوم على نار صغيرة. ويجب توقُّع تجدُّد الاشتباكات وأعمال الشغب الجماهيرية بحجم كبير في حزيران/يونيو لاحقاً.
الجبهة الرابعة هي الجبهة الشمالية التي يحاول الفلسطينيون تسخينها – لكن حزب الله لا يُظهر حماسة كبيرة للمشاركة. إطلاق الصواريخ من لبنان وسورية قام به فلسطينيون، واختراق السياج الحدودي والهجوم أمس شارك فيه على ما يبدو عناصر من حزب الله، لكن كأفراد وليس بمبادرة من الحزب. في جميع الأحوال الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية في حالة طوارىء، لكن ليس في حالة مواجهة قتالية، ويمكن تسمية هذا الوضع بـ”التأهب للكبح”.
لماذا لم ينجحوا في وقف إطلاق الصواريخ؟
الأساس كما قلنا هو غزة. الجيش الإسرائيلي نجح بصورة استثنائية في المسّ بالقدرات القتالية لـ”حماس” على مستويين – الأول مهاجمة كبار مسؤولي “حماس” وضرب قدرتها على إنتاج القذائف والصواريخ. أضيف إلى ذلك إلحاق ضرر فعلي بوسائل القتال والدفاع المركزية للحركة، أي الأنفاق الهجومية والأنفاق التي تتسلل إلى أراضي إسرائيل.
حتى الآن نجح الجيش في منع مفاجآت أعدتها “حماس” لمواجهة كبيرة، مثل هجوم بواسطة مسيّرات مفخخة، إغارة كوماندوس بحري على مناطق عسقلان وأشدود، وإطلاق مسيّرات وغيرها.
المجال الذي لم ينجح فيه الجيش كثيراً، ويبقى مشكلة هو إطلاق القذائف والصواريخ المستمر منذ خمسة أيام على التوالي، وحتى الآن لا يوجد مؤشر واضح إلى كبحه أو تراجع كمياته. نتيجة ذلك قُتل حتى الآن 10 مواطنين في إسرائيل وجُرح مئتان بنسب مختلفة، 6 منهم في حال حرجة و11 جراحهم متوسطة. بذلك نجحت “حماس” في تحقيق إنجاز على صعيد الوعي، من خلال إطلاقها للمرة الثالثة اليوم [السبت] عشرات الصواريخ على وسط البلد، بما في ذلك تل أبيب وضواحيها.
يجد الجيش الإسرائيلي صعوبة في معالجة إطلاق “حماس” القذائف والصواريخ، في الأساس بسبب توزّع مراكز الإطلاق، ولأن معظمها مخبأ تحت الأرض ومن الصعب كشفها حتى عندما يكون مكانها معروفاً إلى حد ما، فهي محصنة ومحمية نسبياً من الهجوم عليها. يمكن القول إن منصات الإطلاق موجودة في ملاجىء محصنة، وإذا لم تُصَب إصابة مباشرة فلديها فرص جيدة في الصمود.
أيضاً إعادة تسليح منصات الإطلاق محصنة بواسطة أنفاق تؤدي إليها. وفي الواقع معظم عمليات إطلاق الصواريخ تجري من تحت الأرض، والمنصة ترتفع هيدرولياً أو يدوياً فوق الأرض لفترة زمنية قصيرة مطلوبة لإطلاق الصاروخ، بعدها تنزل إلى مخبئها المحصّن نسبياً تحت الأرض. هذه أيضاً حال معظم الراجمات من عيار 120، التي تشكل مصدر النيران الأساسي على غلاف غزة القريب من السياج الحدودي.
قبل العملية كان لدى “حماس” والجهاد الإسلامي معاً نحو 13000 قذيفة وصاروخ من كل العيارات، بينها مئات الصواريخ ذات مدى يقدر على الوصول إلى وسط البلد وحتى منطقة نتانيا، وربما الخضيرة. هذه الترسانة الضخمة التي تراكمت خلال سنوات دُمرت وأُصيبت جزئياً، لكن لحسن حظنا وسوء حظ الغزيين – ثلث هذه الصواريخ من نوعية إنتاج سيئة، بينها صواريخ بعيدة المدى، سقطت في داخل القطاع وأصابت شبكة الكهرباء وفلسطينيين أبرياء. والقبة الحديدية تعترض بنسبة نجاح عالية وغير مسبوقة، وهي أيضاً تحسنت.
الهجوم الكبير على الأنفاق
تجدر الإشارة إلى الهجوم الكبير لسلاح الجو على شبكة الأنفاق القتالية والدفاعية التي حفرتها “حماس” في القطاع. هذا الهجوم الذي وقع ليلة الخميس الجمعة استهدف ضرب منظومة “حماس” القتالية التي يوجد جزء كبير من عناصرها في الأنفاق وينتظر صدور الأوامر – متى صدرت الأوامر للجيش الإسرائيلي بالغزو البري للقطاع. لقد وافق على الخطة وزير الدفاع في 31 آب/أغسطس 2020. وكانت هذه الخطة بمبادرة من قائد منطقة الجنوب حينها هرتسي هليفي وقائد سلاح الجو عميكام نوركين، وطبعاً رئيس الأركان كوخافي ونائبه السابق إيال زامير الذي كان أيضاً قائداً لمنطقة الجنوب.
وكانت النية حرمان “حماس” من قدرتها على محاربة قوات الجيش الإسرائيلي داخل القطاع من خلال الأنفاق التي ينطلقون منها ويهاجمون ويخطفون جنوداً ويعودون إلى الأنفاق. هكذا مثلاً قُتل الرقيب أورون شاول وخُطف الرقيب هدار غولدين في عملية الجرف الصامد. كانت الفكرة قلب الأمور على “حماس” رأساً على عقب وتحويل الأنفاق القتالية داخل القطاع إلى مصيدة موت.
لكن في الأيام الأخيرة اعتقدوا في هيئة الأركان العامة أنه يمكن تحقيق الإنجازات المطلوبة في المعركة في غزة من دون دخول بري، ومن دون مناورة. لذلك كان يجب أن تُنفَّذ العملية الكبيرة ضد الأنفاق بأحجام متعددة محدودة أكثر من العملية الأصلية المخطط لها. لكن المفعول يبدو خطراً.
“حماس” لا تسمح بالوصول إلى الأنفاق التي دُمرت بقصف نحو 160 طائرة ومسيّرة تابعة لسلاح الجو في يوم الجمعة. كما أن “حماس” لا تسمح بتصوير معظم الأماكن، ولا بدخول طواقم المصورين إلى الأنفاق التي يوجد في داخلها عشرات القتلى، وربما أيضاً لا يزال فيها أحياء محاصرون.
ما نُفِّذ هو خطة صغيرة تعتمد على الخداع والاستدراج والرد – وذلك عندما تحركت دبابات الجيش الإسرائيلي ومدرعاته بالقرب من السياج وخلقت لدى “حماس” انطباعاً ببداية هجوم بري. النشطاء الذين كانوا في الأنفاق بدأوا بالخروج منها، وحينها وُجهت إليهم الضربة لكن بصورة محدودة أكثر مما كان مخططاً له في الأصل.
سيمر وقت طويل قبل أن تسمح “حماس” لطواقم الإنقاذ بالوصول إلى المكان، حينها يمكن بالضبط معرفة الخسائر والأضرار التي أُصيبت بها المنظومة القتالية لـ”حماس” والجهاد الإسلامي. في هذه الأثناء يواصل سلاح الجو مهاجمة منازل مسؤولين رفيعي المستوى بعد توجيه إنذار إلى ساكنيها، وإلى قادة القتال في “حماس” والجهاد الموجودين تحت الأرض الذين لم يعد لدى عائلاتهم منازل تعود إليها، تماماً مثل الإسرائيليين الذين تضررت منازلهم في عسقلان وسديروت ورامات غان. لقد ثبت في الماضي أن هذه الأداة ناجعة، لكنها لم تُستخدم من قبل بمثل هذه الكثافة.
بالاستناد إلى تقديرات مختلفة، فإن العملية في غزة لن تنتهي قبل منتصف الأسبوع المقبل، لكن في الساحة الداخلية الإسرائيلية وفي الضفة الغربية يجب أن ننتظر كي نرى ماذا سيحدث الليلة لنفهم إلى أين تتطور المعركة. في الساحة الدبلوماسية لا تزال إسرائيل تحظى بالدعم، لكن يجب أن نتوقع أن هذا المنتوج القابل للتلف، المسمى الشرعية، يمكن أن يزول ويتآكل في الأيام المقبلة