إخفاقات “إسرائيل”: سُوء تقدير للمعطيات الاستخبارية وفشل في الحرب على الوعي
الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن المفاجآت التي توالت على “إسرائيل” منذ عصر يوم الاثنين الماضي، وليس أقلّها القصف الصاروخيّ المكثَّف في اتجاه وسط الأراضي المحتلة.
بقيت المواجهات، التي تخوضها المقاومة الفلسطينية في قطاع عزة ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي، حاضرةً بقوة في جدول الأعمال الإسرائيلي من خلال التحليلات والقراءات التي قدّمها المعلقون الإسرائيليون، الذين تحدثوا عن فشل القيادات الإسرائيلية بشأن تقدير نيات حركة “حماس” وقدراتها، وفشلها أيضاً في إدارة المعركة على الوعي، واعتمادها على خطابات التهويل والادّعاء أن ضرراً كبيراً لحق بحركة “حماس” إلى درجة أنها ارتدعت، على نحو يسمح بإنهاء الحرب.
مفاجآت المقاومةً
قال رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، اللواء في الاحتياط يعقوب عميدرور إنه “لا يوجد طريقة للقضاء على “حماس” من دون احتلال غزة. لذا، ما دمنا نحن موجودين خارج غزة، فيجب أن نسأل أنفسنا: كيف نتعايش مع “حماس”؟ لا أن نسأل أنفسنا: كيف نقضي على “حماس”؟”.
وأضافت الباحثة في مركز هرتسيليا، ليراز مَرغَليت، في مقال نشرته في صحيفة “معاريف”، أنه في حال كانت توجد “كلمة واحدة” تصف شعور الإسرائيليين في الأيام الأخيرة، فهي “المفاجأة”، لأن “المعركة الدائرة في هذه الأيام باغتتنا، وأظهرتنا غيرَ مستعدين، وفي موقفٍ هو الأقل راحة بالنسبة إلينا”.
مرغليت أضافت أنه “منذ عصر يوم الاثنين الماضي، لا تكفّ “حماس” عن مفاجأة إسرائيل. وليس أقله القصف الصاروخي المكثَّف نحو “غوش دان”” وسط فلسطين المحتلة.
وأشارت مرغليت إلى أن الأسئلة التي أُثيرت هذا الأسبوع، هي: “كيف حدث أن باغتتنا “حماس” وأظهرتنا غيرَ مستعدّين؟ كيف حدث أن الجيش الإسرائيلي لم يعرف بشأن القدرات التي طوّرتها “حماس” في السنوات الأخيرة؟”.
وحذّرت مرغليت من أن ما يجب أن يُقلق “إسرائيل”، ليس “المعطيات الاستخبارية الجافة”، بل إن المشكلة الأهم التي يجب أن تُقلقها هي عدم القدرة على استخلاص خلاصات من المعطيات، وتقدير النيّات.
وشدّدت مرغليت على أن المشكلة تبدو في أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قدّرت أنه على الرغم من تسلّح حركة “حماس” في غزة، فإن الردع لا يزال في مكانه، و”هذا كان خطأً حاسماً في التقدير”. فـ”حماس” ليست فقط غير مرتدعة، “بل إنها تؤسس أيضاً صدقية لها لم تصل إليها إلى غاية اليوم. فهي مَن بدأ العملية، وكل تهديد قالته تحقّق من دون نقصان”، وفقاً لمرغليت
وتحدثت مرغليت أيضاً عن اخفاق آخر لـ”إسرائيل” في هذه المعركة، تمثّل بأنها ظهرت متأخرة في الحرب على الوعي، لأنه في كل حرب يوجد لعبة مزدوجة، فـ”هناك ما يجري على الأرض، وهناك ما يُسوّق للجمهور. و”إسرائيل” تتوانى في الرسائل التي تبثّها، فما هو مهم لصورة الانتصار ليس نتائج المعركة فعلياً، بل المشاعر والرؤى التي تتشكّل طوال كل مراحل العملية”.
البحث عن صورة الانتصار
من جهتها، أشارت دانا فايس، مراسلة “القناة 12″، إلى أن المصلحة العسكرية لـ”إسرائيل” تتوحَّد الآن مع المصلحة السياسية لمتخذي القرارات، بحيث يمكن الافتراض أنه سيكون من المريح لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، “أن تنتهي هذه الجولة الآن”. وأضافت أن الهجوم الضخم الذي تسبَّب، الليلة قبل الماضية، بأضرار كبيرة لحركة “حماس”، “سيسمح لإسرائيل بإنهاء المعركة مع إنجاز نوعي”.
وأشار موقع القناة السابعة إلى أن صورة الانتصار، بالنسبة إلى “إسرائيل”، تتمثل بإضعاف قدرات “حماس” في المجالات التالية:
· القضاء على منظومة الإنتاج وعلى تعاظمها لديها، بصورة كلية، ولفترة طويلة.
· القضاء على منظومة التحكم والسيطرة تحت الأرض، في كل القطاع.
· تدمير أكبر عدد ممكن من منصات الصواريخ.
وفي هذا السياق، رأى الكاتب في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، في مقال نشره اليوم، أنه “بعد جهود حثيثة، وجدت إسرائيل أخيراً صورة للانتصار يمكن على أساسها بناء وقف لإطلاق النار يُنهي القتال في قطاع غزة”. وهذا الأمر يتمثل، بحسب هرئيل، بـ”العملية الناجحة للجيش الإسرائيلي التي تعرّضت فيها أنفاقٌ تحت الأرض تابعة لحركة “حماس” لأضرار جسيمة”، بحيث يمكن تقديم هذا الأمر على جبهتين: أمام الجمهور الإسرائيلي، لإقناعه بأننا انتصرنا في المعركة، وأمام حركة “حماس” من أجل أن توافق على التسوية.
ولفت هرئيل إلى أنه توجد أسباب “وجيهة” لتسليط الضوء على “هذا الإنجاز”، في تصريحات نتنياهو، وفي تقارير قوات الاجتلال الإسرائيلي، إذ إن “الجمهور الإسرائيلي”، بعد أيام من القصف الصاروخي على الجبهة الداخلية، والذي تضمّن لأول مرة إطلاق مئات الصواريخ نحو الوسط، “يتعطش” إلى أخبار سارّة، كما أنه “من دون بيع الرأي العام الإسرائيلي نجاحاً عسكرياً، سيكون من الصعب إقناعه بأن الوقت حان لوقف القتال بدلاً من دخول بريّ لغزة”، وهو دخول يتجنّبه المستويان السياسي والعسكري في “إسرائيل”.
وانتقد هرئيل احتفالات الانتصار المفرطة في “إسرائيل”، والغطرسةَ التي سيطرت على تغطية الأحداث في نهاية الأسبوع، ونبّه إلى أن هذه المعركة لم تنتهِ بعدُ، وذكّر بأن كل من جلس في الغرفة مع رئيس هية الأركان العامة في قوات الاحتلال الإسرائيلي، في أثناء حرب تموز/يوليو 2006 ضد لبنان، دان حالوتس، “لن ينسى إيجازه للصحافيين مساء السبت، 14 تموز/يوليو 2006. عندما عدّد سلسلة من الإنجازات التي حققها الجيش الإسرائيلي، وضمنها الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنظومة الصواريخ المتوسطة المدى لحزب الله”.
نقطة أخرى تطرّق إليها هرئيل تتعلق بالخدعة التي قام بها المتحدث باسم قوات الاحتلال الإسرائيلي، عندما أعلن أن “الجيش الإسرائيلي يهمّ بالقيام بعملية برية، قبل أن يتراجع عن أقواله”، ليلفت هرئيل إلى أن “الجيش الإسرائيلي ذهب هذه المرة بعيداً جداً”، لأن هذا سيكون خطأً جسيماً وضاراً بالعلاقة بالصحافة الدولية. والأسوأ من ذلك أنه قد يعرّض حياة الصحافيين الأجانب العاملين في قطاع غزة للخطر.
فشل الخديعة
وكشفت صحيفة “معاريف” أن الجيش الإسرائيلي خطّط، على مدى عدة سنوات، لمناورة الخداع. لكنْ، لأن دخولاً برياً للجيش الإسرائيلي لغزة، في هذه المرحلة من العملية، لمْ يبدُ أمراً موثوقاً، فإن كثيرين من عناصر قوات “حماس” لم يقعوا في الفحّ (الإغراء)
وأضافت “معاريف” أنه تبيَّن أن “عملية المترو” الخاصة بالجيش الإسرائيلي، في الساعات الفاصلة بين ليل الخميس ونهار الجمعة، لم تحقّق هدفها العملاني، لأن “ظروف تنفيذها لم تنضج”. وقالت إنه حُطِّط لهذه العملية الإستراتيجية على مدى 3 سنوات على الأقل.
قسم الشؤون الإسرائيلية في الميادين