ملاك عقيل
غادر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بيروت قبل أسبوع، على وقع تهديدات باريس الصريحة ببدء تطبيق إجراءات تقييديّة لدخول سياسيين لبنانيين إلى أراضي العاصمة الفرنسية. لكن حتّى كتابة هذه السطور لم يتبلّغ أيّ مسؤول لبناني، وفق معلومات “أساس”، أيّ إشعار بهذه العقوبات، التي تجزم مصادر مطّلعة أنّها ستكون “تصاعديّة وأكثر قساوة و”شموليّة” في حال استمرار التعطيل”.
في مقابل هذا الواقع لا تلوح في الأفق مؤشّرات إلى دعوة قيادات لبنانية للاجتماع في باريس برعاية الإليزيه. ينفي مطّلعون وجود “مشروع لاتفاق طائف 2 أو اتفاق دوحة 2”. ويؤكدون أنّ “فرنسا، التي تتعاطى مع لبنان بأسلوب لم تعهده سابقاً، لن تكون منسجمة مع نفسها إذا هدّدت بمعاقبة المعطّلين أو من يدورون في فلكهم، ثمّ دعتهم ليدخلوا أراضيها كي تفرض عليهم أن يتّفقوا في ما بينهم على حلولٍ للأزمة”.
وتضيف المصادر: “الإجراءات العقابيّة التي ستلجأ إليها باريس منفردة، والتي لن تنال الإجماع في الاتحاد الأوروبي، ستنتقل “عدواها”، على الأرجح، إلى بعض الدول الأوروبية، التي قد تحذو حذو فرنسا في تطبيق إجراءاتٍ أحاديّة، كمنع سفر أو عدم إعطاء تأشيرات سفر، وصولاً ربّما إلى تجميد أرصدة مالية، خصوصاً في ملف اتّهام سياسيين بأنّهم تورّطوا في الفساد. وهذا يدخل ضمن السياسات الخارجية السيادية لكل دولة أوروبية”.
وتفيد معلومات أنّ رئيس التيار الوطني الحرّ، الذي سبق أن أعلن أنّ ممثلين عنه يجولون على سفارات بعض الدول الأوروبية، ويلتقون مسؤولين لحثّ بلادهم على مساعدة لبنان في استعادة الأموال المنهوبة والمحوّلة إلى الخارج، قام في الفترة الأخيرة بسلسلة خطوات تنسيقيّة مع وزارة الخارجية، وبإشراف رئيس الجمهورية، لردّ “ضربة العقوبات”، وذلك من خلال عدّة مراسلات تتولّاها الوزارة، وأيضاً من خلال زيارات إلى الفاتيكان وبعض الدول الأوروبية يزمع وزير الخارجية شربل وهبة القيام بها “لاعتراض مسار هذه العقوبات، خصوصاً تلك التي ستُفرض انطلاقاً من تقويم سياسي فرنسي للأزمة مبنيّ على “داتا” مغلوطة لا تعكس هويّة المعطّلين الحقيقيّين لولادة الحكومة”، كما يقول قريبون من باسيل.
ينفي مطّلعون وجود “مشروع لاتفاق طائف 2 أو اتفاق دوحة 2”. ويؤكدون أنّ “فرنسا، التي تتعاطى مع لبنان بأسلوب لم تعهده سابقاً، لن تكون منسجمة مع نفسها إذا هدّدت بمعاقبة المعطّلين أو من يدورون في فلكهم، ثمّ دعتهم ليدخلوا أراضيها كي تفرض عليهم أن يتّفقوا في ما بينهم على حلولٍ للأزمة”
وضمن هذا المسار يمكن إدراج زيارة وزير الخارجية الهنغاري، التي أعقبها لقاء صحافي مشترك بين الأخير وباسيل تجاوز كل الأصول الدبلوماسية بوجوب حصول هذا المؤتمر بين وزيريْ الخارجية الهنغاري واللبناني، وليس بين رئيس حزب وبين وزير خارجية أجنبي، ولو تحت عنوان “الصداقة”.
عمليّاً، طوى لودريان، في زيارته الأخيرة، صفحة المبادرة الفرنسية بالنسخة التي حاول تكريسها الرئيس إيمانويل ماكرون. وفي العقل الفرنسي الباطني انتهت المبادرة في جوهرها مع انسحاب مصطفى أديب من ساحة التكليف “بدفع مباشر”، كما يقدّر الفرنسيون، من الرئيس سعد الحريري، الذي عاد وأمسك بعصا التكليف في 22 تشرين الأوّل 2020، بعد عام تماماً من تقديم استقالة حكومته في 29 تشرين الأول 2019.
وفيما راهنت باريس “مُرغَمة” على حسن إدارة الحريري لعملية التكليف، ما لبثت أن أيقنت أنّ أسباب تعذّر التوافق على تشكيل حكومة إصلاحية، تحظى بثقة المجتمع الدولي، عديدة، وعلى رأسها دخول الحسابات الشخصية على خطّ رسم مصير البلد المنهك بأزماته، وعدم قدرة الوسيط الفرنسي على هدم جدران الاصطفافات السياسية الداخلية.
على الرغم من التسريبات عن احتمال اعتذار الحريري كي يترك العهد وعون وباسيل لـ”قدرهم البائس”، ثمّ يعود ويلتقط الفرصة بعد مرور “الطوفان”، لا يبدو أنّ الاعتذار مدرجاً حتى اللحظة على طاولة بيت الوسط، خصوصاً مع الحديث عن “مبادرة سيطلقها رئيس الجمهورية بعد العيد، وفي لحظة خلط الأوراق الحاسمة في المنطقة”.
في بيت الوسط، وحتّى إشعار آخر، تحضُر المعادلة الآتية: لقاء لودريان بالرئيس الحريري في قصر الصنوبر يبدّد كلّ انطباع حاول العونيّون ترويجه بأنّ باريس “نفضت يدها من خيار سعد، وتتبنّى مسار اعتذاره”.
والأهمّ، وفق قريبين من بيت الوسط، أنّ معادلة “سعد – جبران معاً برّاً أو جوّاً، ساقطة حتماً. فالتسمية تمّت عبر استشارات نيابية ملزمة وفق الدستور، ولا أحد يفرض على مجلس النواب إرادته. وعندما يسمّي مجلس النواب الرئيس المكلّف، يقوم هذا الأخير بتشكيل حكومة بمواصفات يرتاح لها، بالاتّفاق مع رئيس الجمهورية،. ومن اللحظة الأولى، نادى الحريري بحكومة اختصاصيّين هي أصلاً في أساس المبادرة الفرنسية. وسقوط التكليف يحدث فقط في مجلس النواب برفض منح الثقة للحكومة. والحديث عن فرض الاعتذار بالقوّة هو نوع من الوصاية على مجلس النواب،. والترويج العوني ضدّ حكومة اختصاصيين يكون رئيسها غير اختصاصي، ساقط لكون التكليف حصل بموجب الدستور”.
عمليّاً، طوى لودريان، في زيارته الأخيرة، صفحة المبادرة الفرنسية بالنسخة التي حاول تكريسها الرئيس إيمانويل ماكرون. وفي العقل الفرنسي الباطني انتهت المبادرة في جوهرها مع انسحاب مصطفى أديب من ساحة التكليف “بدفع مباشر”
وأن يتمترس الحريري في مربّع رفض الاعتذار ويشغّل “منظومة هجومية” تصوّر رئيس الجمهورية ساعياً لثلث معطِّل يفجّر مشروع حكومته، بالتكافل والتضامن مع باسيل، لا يستوي مع التسريبات عن تقدّم حظوظ الرئيس نجيب ميقاتي.
لا يقف الأمر عند نفي أوساط الأخير، كما نشر موقع “أساس”، نيّة ميقاتي قبول التكليف بعد اعتذار الحريري. فهناك اليوم، وفق متابعين، خارطة طريق لم تتّضح معالمها بعد، جعلت سعد الحريري يقبع في غرفة الانتظار منذ أكثر من ستة أشهر من تكليفه، وجعلت المبادرة الفرنسية عالقة تسعة أشهر بين “حسابات” سعد وجبران وجدال الحصص الوزارية.
الفرنسي، وفق هؤلاء، ليس صاحب القرار وحده. من هنا يمكن فهم الضربة التي تلقّاها إيمانويل ماكرون. وميقاتي، على الرغم من شبكة علاقاته الخارجية الجيّدة، ليس بالتأكيد أفضل من الحريري بنظر الفرنسيين.
وقد تابعت خليّة أزمة باريس، بكلّ فروعها، الضجّة التي أُثيرت في ملفّ القروض المصرفية، التي اعتبرها بعض القريبين من الدوائر الفرنسية “تصرّفاً غير أخلاقي من جانب شركات ميقاتي أخذ من شريحة واسعة من اللبنانيين فرصة الاستفادة من هذه القروض”.
وأكثر من ذلك، وفق المعلومات، يرتاح حزب الله إلى التعاطي مع الحريري أكثر منه مع ميقاتي. والرئيس عون لا “يثق به” كي يكون رئيس آخر حكوماته، خصوصاً لإدارة الانتخابات النيابية المقبلة. والسعودي لا يسوّقه في الخارج. ودعم الحريري له لن يكون كافياً للتكليف.