عاموس هرئيل – محلل عسكري
بعد خطوات تصعيدية وتصريحات عدائية جاء وقت مساعي التهدئة. تحاول إسرائيل متأخرة إعادة الشيطان إلى الزجاجة – كبح المواجهات العنيفة التي اندلعت بسببها في القدس والضفة الغربية.
رئيس الأركان أفيف كوخافي قرر أمس زيادة التعزيزات ونشر 3 كتائب إضافية في الضفة الغربية. وبذلك يصل عدد الكتائب المنتشرة إلى سبع، ويرتفع حجم قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية نحو 50% مقارنة بالأيام العادية.
في قطاع غزة أرسلت إسرائيل رسائل إلى “حماس” تطالبها بوقف إطلاق النار، وذلك بعد إطلاق صاروخ على النقب في نهاية يوم السبت، وصاروخين على عسقلان أمس.
في القدس بُذلت جهود للتفريق بقدر الإمكان بين الفلسطينيين واليهود في الأماكن التي يمكن أن تشهد احتكاكات. المحكمة العليا استجابت لطلب المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، وأجّلت المناقشة التي كان من المفترض أن تجري اليوم لطلب الالتماس ضد إجلاء سكان فلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جرّاح. طلبُ مندلبليت جاء بالتنسيق مع المؤسسة الأمنية.
في هذه الأثناء أوصى الجيش الإسرائيلي والشاباك المستوى السياسي بإجراء تغييرات تتعلق بمسيرة الأعلام التي ينوي حزب الصهيونية الدينية القيام بها هذا المساء، على أمل منع الاشتباكات مع فلسطينيي المدينة القديمة. لكن حتى لو جرت تغييرات فإن المسيرة لن تلغى. أمس قالوا في المؤسسة الأمنية أنه يجب العمل بقدر المستطاع على منع صب مواد حارقة على الحريق المشتعل.
وفي الواقع يمكن أن ينعكس الوضع في القدس على الوضع في الضفة الغربية الذي يُعتبر أيضاً حساساً جداً. تكفي حادثة واحدة تسفر عن قتلى، وخصوصاً في الحرم القدسي الشريف، كي تنزلق المناطق الفلسطينية إلى أيام صعبة من الاضطرابات. الحكومة الانتقالية تدرك ذلك، لكنها تنبهت متأخرة إلى خطورة الوضع. طوال نهاية الأسبوع كان يبدو أن المستوى السياسي مشغول بالتحركات السياسية بشأن محاولات تأليف حكومة لبيد – بينت أكثر مما هو مشغول بالتطورات المقلقة في القدس والمناطق الفلسطينية.
في الوقت عينه ساهمت الخطوات غير المدروسة التي قام بها القائد الأعلى للشرطة، الذي يبدو أنه يفتقر إلى الخبرة الكافية، في تأجيج الأجواء في القدس. الغضب الشعبي وسط الجمهور الفلسطيني والجمهور العربي في إسرائيل إزاء المواجهات في الحرم القدسي وفي حي الشيخ جرّاح، أشعلته عناصر إسلامية، بينها أنصار “حماس” والجناح الشمالي في الحركة الإسلامية في إسرائيل. في ظل هذا الوضع، يبذل كل من الولايات المتحدة ومصر والأردن وقطر مساعيهم لتهدئة الأجواء في القدس والمناطق.
مشكلة الحكومة أن مزاعمها المتعلقة بالقدس تبدو ضعيفة. في الحرم القدسي وُضعت قيود على حرية المسلمين في الصلاة خلال شهر رمضان. وفي حي الشيخ جرّاح المقصود طرد عائلات فلسطينية من منازل سكنتها منذ 70 عاماً بذريعة ملكيتها لآخرين. الحجة الدعائية لوزارة الخارجية في أن ما يحدث هنا هو “نزاع عقاري” فقط ليست مقنعة. تحركات إسرائيل، وبصورة خاصة صور رجال الشرطة يقتحمون الحرم القدسي أو يفرقون متظاهرين بالقوة، تثير الاستياء في الساحة الدولية. الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي تحرك ويمارس ضغوطاً على إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر حزماً ضد إسرائيل.
بموافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يقود الآن وزير الدفاع بني غانتس وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي وفي الشاباك خطاً معتدلاً هدفه كبح التصعيد وعدد أدنى من المصابين. اليوم وغداً يُعتبران يومان حسّاسان، وخصوصاً على خلفية مسيرة الأعلام وذكرى يوم القدس، بعد ذلك يأتي عيد الفطر.
في هذه الأثناء يسود انطباع في إسرائيل أن “حماس” لا ترغب في مواجهة لا يمكن السيطرة عليها في القطاع، بل في تحركات محدودة، أيضاً على خلفية توقعات الجمهور في غزة أن يجري الاحتفال بعيد الفطر بهدوء. وبسبب حوادث متدنية القوة، مثل إطلاق بالونات مشتعلة، لن تحطم إسرائيل كل القواعد. بكلمات أُخرى، تفضل إسرائيل منع الصيد مقابل شواطىء غزة على هجمات جوية مكثفة ضد أهداف تابعة لـ”حماس”. لكن كل شيء مرتبط كما ذكرنا بمسألة وقوع مصابين، وخصوصاً في القدس.
يتواصل التصعيد على الأرض في الوقت الذي بدأ الجيش هذا الأسبوع بتدريب “عربات النار” ضمن إطار شهر الحرب، شهر من التدريب الشامل في الجيش الإسرائيلي تجري خلاله محاكاة لمواجهة شاملة في غزة ولبنان. حتى الساعة يجري التدريب كما هو مخطَّط له، لكن في حال اندلاع حريق حقيقي على الأرض سيضطر الجيش إلى التفكير فيما إذا كان سيستمر في التدريب، أو سينتقل إلى التركيز على الأحداث الحقيقية فقط.