بنحاس عنباري – محلل سياسي
لو كان الأمر بيد سكان القدس الشرقية لكانوا حاولوا احتواء نشوب العنف حول الحرم القدسي، لكن الأمر ليس بيدهم، وهناك الكثير من “الطهاة ” الذين يطبخون الطبخة التي تسمى “الحرم القدسي”. السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يجري بالفعل؟ وهل الأحداث في الحرم القدسي يمكن أن تؤدي إلى انتفاضة جديدة مثل الأحداث في الحرم التي أشعلت انتفاضة الأقصى في سنة 2000؟
ما سمعته في القدس الشرقية لا يتطابق مع ما سمعته من مصادر خارجية. على الرغم من احتدام الأحداث في الأقصى إلا أنني لم أسمع من الفلسطينيين شعارات وطنية، رأينا أعلاماً قليلة للسلطة و”حماس”. الشباب هتفوا “بالدم والنار سندافع عن الأقصى”، ودعوا إيران إلى قصف إسرائيل، لكن لم نسمع شعاراً يدعو إلى قيام دولة فلسطينية أو يطالب بالقدس عاصمة لها.
الشباب يناضلون من أجل موضوعات محلية. بداية إعادة فتح ساحة بوابة نابلس التي أغلقتها الشرطة استعداداً لشهر رمضان، أمر آخر أدى إلى تأجيج الأجواء هو المسألة القانونية العقارية في حي الشيخ جرّاح.
مع الأسف أحد الأطراف التي ساعدت في تأجيج الأجواء كان الأردن. رئيس الاستخبارات الأردنية وصل إلى المقاطعة لإقناع أبو مازن بالتراجع عن فكرة الانتخابات، وأيضاً “عاتبه” لأنه يسمح لإسرائيل بالسيطرة على عقارات في القدس.
بعده فوراً وصل وزير الخارجية الأردني مع وثائق للدفاع عن المستأجرين العرب في حي الشيخ جرّاح الذين يواجهون أوامر بالإخلاء بطلب من جمعيات يهودية. أيضاً الإمارات وتركيا مهتمتان بالسيطرة على عقارات في القدس. الأردن حث أبو مازن على الخروج من لامبالاته واتخاذ إجراءات.
لقد رأينا نشطاء من “فتح” في حي الشيخ جرّاح وفي الحرم القدسي، والذي يمكن أن يقلق أكثر البيان الذي نشرته الحركة على موقعها من جانب “كتائب المجاهدين – الذراع العسكرية للمجاهدين الفلسطينيين”، الذي يدعو إلى الاستعداد للدفاع عن الأقصى. تأتي هذه الأمور رداً على تهديد زعيم الجناح العسكري لـ”حماس” في غزة محمد ضيف بالتحرك دفاعاً عن الأقصى.
بالنسبة إلى “حماس”، من المهم الإشارة إلى أن القدس والمسجد الأقصى هما حافزان أساسيان في الدعاية للحركة، وهما جزء من دعاية الإخوان المسلمين الذين يعتبرون القدس عاصمة مستقبلية للخلافة الإسلامية، من خلالها يتحدّون مكانة مكة.
شخص واحد يلتزم الصمت هو يحيى السنوار. مَن يتحدث الآن محمد ضيف وأنصار “الإخوان المسلمين” خارج غزة من أمثال إسماعيل هنية. هؤلاء يريدون فعلاً قيادة عمليات “للدفاع عن الأقصى”، مثل العمليات في إسرائيل والضفة الغربية، بينما السنوار “يكتفي” بخطوات متواضعة، مثل إطلاق الصواريخ على إسرائيل لنقل رسالة مفادها أن غزة هي الأساس وليس القدس. يريد السنوار أن يضع غزة في مركز الاهتمام، بينما يريد الإخوان المسلمون وضع القدس في المركز. يتعين على إسرائيل ألا تقبل الأمرين، لكن هذا هو موقف حركة “حماس”. السنوار تهمّه غزة أكثر من القدس، ويريد أن يُظهر للجميع أن غزة هي التي تقود المشكلة الفلسطينية وليس القدس والضفة.
بعد تأجيل الانتخابات تحولت القدس إلى مصدر لصلاحيات أبو مازن وهو بالتالي لن يتركها. لقد كان من المفترض أن يجدد من خلال الانتخابات شرعية سلطته التي لم تعد تعتمد على انتخابات، وحالياً يجدد شرعيته بصفته يناضل من أجل القدس.
هذا أيضاً مصدر لشرعية الملك الأردني، فالعرش الهاشمي يفقد شرعيته من دون الدفاع عن القدس. لقد تحول الملك عبد الله وأبو مازن إلى حليفين، ويأملان بأن تزعزع أحداث القدس اتفاقات السلام بين إسرائيل والدول العربية.
كما يجدر بنا الانتباه إلى أن ساحات المسجد الأقصى تحولت إلى مكان للصراع بين جناحيْ الحركة الإسلامية في إسرائيل. ومن خلال الدفاع عن الأقصى يريد كل جناح في الحركة أن يثبت تفوقه على الآخر. وبينما التيار الجنوبي للحركة بقيادة منصور عباس يتعاون مع الأوقاف، التيار الشمالي برئاسة رائد صلاح يتحداها. في القدس نرى شباب الجناح الشمالي يشتمون منصور عباس ويحملون علم فلسطين مع علم تركيا.