حرب استنزاف فلسطينية تحول جيش العدو الى عصابات مسلحة.!
محمد صادق الحسيني
ما يجري حالياً في السماء والارض الفلسطينية يمكن وصفها بامتياز حرب استنزاف فلسطينيه لكل قدرات كيان العدو الصهيوني، وهو ما يذكرنا بعض الشئ بحرب الاستنزاف المصريه السورية الفلسطينيه ، على الجبهة المصريه والسورية والاردنية الفلسطينية ، والتي بدأت بتاريخ ١/٧/١٩٦٨ وانتهت بتاريخ ٧/٧ /١٩٧٠ بقبول مصر والاردن ، لما عرف في حينه بمبادرة روجرز .
وكانت هذه الحرب قد بدأت عندما تقدمت قوة مدرعة كبيرة ، من جيش الاحتلال الصهيوني ، باتجاه مدينة بور فؤاد بهدف احتلالها ، والتي تصدت لها قوات الصاعقه المصريه ببطولة منقطعة النظير واشتبكت معها في معركة شرسة جداً ، عرفت بمعركة رأس العش ، واسفرت عن تمكن وحدات الصاعقه المصريه من ابادة القوه المدرعه المعاديه ابادة تامه ومنعت احتلال مدينة بور فؤاد ، الواقعه شمال شرق قناة السويس ( على الضفة الشرقيه لقناة السويس ) .
ويومها بدأ الرئيس المصري الراحل ، جمال عبد الناصر ، ومعه قيادته العسكريه بالتخطيط لاعادة تأهيل الجيش المصري لمعركة التحرير القادمة ، وتقرر آنذاك ان تتم عملية التأهيل من خلال الاشتباك المباشر مع قوات العدو التي تحتل سيناء والضفة الشرقية لقناة السويس ، الى جانب تزويد الجيش المصري بما يلزم من معدات عسكريه استعداداً للحرب القادمه .
ويومها كان الفدائيون الفلسطينيون ، المتواجدون في الاردن وسورية ولبنان ، في حالة اشتباك يومي مع قوات العدو في شمال فلسطين وفي الجولان المحتل وفي الضفة الغربية لنهر الاردن . كما كان الجيش السوري يمارس الدور نفسه في الجولان المحتل متكاملاً مع قوات الثورة الفلسطينيه ، التي تصدت للوائين مدرعين اسرائيليين ، اجتازا نهر الاردن شرقاً ، باتجاه منطقة الكرامه ، بهدف القضاء على قواعد الفدائيين هناك .
اشتبك الفدائيون الفلسطينيون ، باسناد من مدفعية الجيش الاردني ، مع قوات العدو المدرعه ، على مدى ١٨ عشر ساعة ، تمكنوا خلالها من تدمير كامل قوة العدو المدرعه التي دخلت الاراضي الاردنيه . ولم يتمكن جيش العدو من سحب الكثير من دباباته وآلياته العسكريه وتركها في ارض المعركة ، حيث قام الفدائيون وقوات الجيش الاردني بالسيطرة عليها ونقل بعضها الى شوارع عمان العاصمه وعرضها هناك ، الامر الذي شكل نصراً معنوياً مزلزلاً بعد النصر العسكري في معركة الكرامه ( نسبة الى بلدة ومخيم الكرامه التي دارت المعركه في محيطهما بين غور الاردن ) .
كان هذا النصر هو الاول ، بعد هزيمة الجيوش العربيه في حرب سنة ١٩٦٧ ، الامر الذي دفع الشباب الفلسطيني والعربي الى الالتحاق الجماعي بقوات الثورة الفلسطينيه ، التي بدأت بدورها تعمل على استيعاب هذه الاعداد الكبيره من الشبان وقامت بتدريبهم على حمل السلاح وحرب العصابات . وهو ما جعلها قادرة على تصعيد عملياتها العسكريه ضد قوات الاحتلال ، غرب نهر الاردن ، بشكل كبير جداً ، سواءً عبر القصف المدفعي او من خلال عمليات التسلل واقتحام مواقع وحصون العدو العسكريه في الضفة الغربية والاشتباك مع جنوده وجهاً لوجه .
كان الجيش المصري ، في هذه الاثناء ، يواصل اشتباكه مع جيش الاحتلال على طول قناة السويس ، وكان لا بد من تشتيت جهد العدو العسكري لتخفيف الضغط على القوات المصريه على الجبهة . وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر الى الطلب من مساعديه بترتيب زيارة للاخ ابو عمار والاخ ابو اياد ( صلاح خلف ) الى القاهره لبحث بعض جوانب العمل العسكري المشترك بين الطرفين . وقد قامت الرئاسة المصريه ( وليس جهاز المخابرات كما هو عليه الحال في التعامل مع المقاومة الفلسطينيه ) بترتيب هذه الزياره ، حيث وصل الاخ ابو عمار في بداية شهر تموز ١٩٦٨ الى القاهره ، واجتمع ومعه الاخ ابو اياد بالرئيس عبد الناصر .
وخلال التداول في تفاصيل الوضع العسكري ، على الجبهتين المصرية والاردنية / الفلسطينية ، وامكانيات تكامل الجهود ، خلال هذه المداولات طرح الرئيس المصري السؤال التالي على الاخ ابو عمار : هل بامكانكم تثبيت ( ارغامه على البقاء في مواقعه ) لواءً من قوات الجيش الاسرائيلي على الجبهة الشرقيه ؟ فكان جواب الزعيم الفلسطيني الفوري ان بامكان الفدائيين تثبيت أكثر من فرقه ، وليس لواءً واحداً ، من قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربيه ، خاصةً وان سكان المستوطنات الاسرائيليه في الغور الشمالي ( منطقة بيسان وغرب بحيرة طبريه ) بدأوا بالرحيل من مستوطناتهم هرباً من الاقتحامات الفلسطينيه لهذه المستوطنات ، واضطرار الجيش الاسرائيلي ، بناء. على ذلك ، الى تعزيز قواته على هذا القاطع من الجبهة ، الممتد من البحر الميت في الجنوب حتى شمال بحيرة طبريه شمالاً ( غرب الجولان ) .
تم الاتفاق على ذلك ، كما تم الاتفاق على زيارة الرئيس عبد الناصر والزعيم الفلسطيني لموسكو لاطلاعها على هذه الترتيبات ، خاصة وان آلاف الخبراء العسكريين السوفييت كانوا يتواجدون في مصر ويشاركون في اعادة تسليح الجيش المصري وتدريبه وتشغيل بعض المعدات العسكريه الحديثه على جبهة قناة السويس .
وقد تمت هذه الزياره فعلياً يومي الرابع والخامس من تموز سنة ١٩٦٨ وتم خلالها الاتفاق ، بين الاطراف الثلاثه ، على مسار حرب الاستنزاف العربيه على الجبهات الثلاث ، وهو ما اسفر عن تواصل هذه الحرب وبمشاركة واسعة وفعالة جدا حتى وفاة الرئيس المصري في ٢٨/٩/١٩٧٠ .
اليوم ، وفي ظل استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين كاملة ، ورغم الاختلال الكبير في موازين القوى العسكريه ، بين العدو والشعب الفلسطيني ، الا ان المقاومة الفلسطينية ، التي ولدت من رحم الثورة الفلسطينيه ، تواصل حرب الاستنزاف التي بدأتها قوات الثوره سنة ١٩٦٨ ، وهي بذلك تواصل
السير على طريق شهداء الثوره .
فمنذ اليوم الاول ، لتصعيد العدوان الصهيوني على المسجد الاقصى المبارك واحياء سلوان والشيخ جراح في القدس المحتله ، ومحاولات غلاة المستوطنين الصهاينه ، بحماية جيش الاحتلال الصهيوني ، اقتحام المسجد الاقصى والسيطرة عليه …. وكما بدأت قوات الصاعقة المصريه تصديها لقوات العدو المدرعه ، التي حاولت التقدم باتجاه مدينة بور فؤاد سنة بتاريخ ١/٧/١٩٦٧ واحتلالها ، نقول كما بدأت قوات الصاعقة المصريه بالتصدي للهجوم ، فان قوات المقاومه الفلسطينيه ، تساندها قوات المقاومه ( العربية) من كل الجبهات ، ولكن دون التدخل المباشر في المعركة ، قد بدأت بالتصدي لمحاولات العدو الاستيلاء على المسجد الاقصى وتكريس احتلاله المباشر وتحويله الى ” هيكل يهودي ” .
فما هي الابعاد الاستراتيجيه لفعل مقاومة الشعب الفلسطيني ، الجماهيريه والعسكريه ، المستمره حتى الآن ، على المخرجات الاستراتيجيه للصفحة الاخيره لهجوم قوات محور المقاومه الاستراتيحي لتحرير القدس ؟
ان من اهم نتائج هذه الملحمه الفلسطينيه البطوليه المنقطعة النظير ، التي غطت كل مساحة فلسطين المحتله ، هي النتائج التاليه :
١)تثبيت عدد من فرق ، وليس فقط لواء واحد ، من قوات العدو في كل فلسطين المحتله . حيث قامت وزارة الحرب الصهيونيه يوم أمس ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، بنقل لواء من حرس الحدود الاسرائيلي ، المنتشر في الضفة الغربية ، الى مدينة اللد المحتله وحدها . وقس على ذلك مع جميع المدن الفلسطينيه المحتله ، من بئر السبع جنوباً حتى بلدة
فسوطه الفلسطينيه،
المقابله لبلدة رميش اللبنانيه ، والتي لا تبعد عنها سوى خمسة كيلومترات فقط .
وهذا يعني ، في العلم العسكري ، تحويل جيش العدو من فرق عسكرية منظمة ، تنتشر على جبهات القتال في انساق قتالية نظاميه ، تحويل هذا الجيش الى عصابات مسلحة تنتشر داخل المدن والبلدات ، دون التمكن من متابعة تدريباتها العسكرية وانتشارها النظامي ، وتدمير روحها المعنويه بشكل متزايد ، مما يرفع وتيرة تفتت الروح المعنويه العامه وصولاً الى انعدام الرغبه في القتال .
٢)ولن يقتصر الامر على تثبيت قوات العدو في قطاعات بعينها ، في فلسطين المحتله ، وابعادها عن خطوط المواجهه مع بقية قوات محور المقاومه ، وانما شَلْ قدرة هذه القوات على الحركة وضرب وتقطيع خطوط امدادها ، وتعطيل قدرتها على القتال في كافة المواقع ، سواءً على جبهة قطاع غزه او على الجبهتين السورية واللبنانيه .
وهذا بالضبط ما يحدث منذ اليوم الاول ، حيث يقوم الشبان الفلسطينيون الثائرون ، في المناطق المحتله منذ سنة ١٩٤٨ ، بقطع الطريق رقم ٦ ومنع امدادات الجيش الصهيوني من مواصلة التحرك باتجاه الجنوب الى غزه . علماً ان هذا الطريق السريع ينطلق من جنوب حيفا ، قرب بلدة دالية الكرمل ، عبر المثلث الشمالي والجنوبي ووادي عاره ، بسكانه العرب الفلسطينيين ، وصولاً الى بئر السبع في الجنوب . وهذا ينطبق طبعاً على بقية المناطق ومحاور الطرق ، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ، في كل فلسطين المحتله ، والتي تمر جميعها في تجمعات سكانية فلسطينية ستكون قادرة على تعريض امدادات قوات العدو للشلل الكامل ، في حال بدء تنفيذ الفصل الاخير لهجوم قوات حلف المقاومه باتجاه القدس .
٣)كما ان المعركة البطولية ، الدائرة حالياً بين الشعب الفلسطيني وجيش الاحتلال ومستوطنيه ، انما تشكل التدريب العسكري الاخير ، وبالذخيرة الحية والاشتباك المباشر مع هذا المحتل ، استعداداً للمشاركة في تنفيذ الهجوم الاستراتيجي الانف الذكر لقوات حلف المقاومه ، التي ستدخل القدس فاتحةً محررة ، كما دخلوها اول مره ، وترفع الاجراس الفلسطينية على مساجدها وكنائسها واسوارها العتيقة . وعلى عكس قوات الاحتلال ، التي اضطرت الى وقف تدريباتها العسكريه ، المقرره على الجبهة الشماليه ، فان قوات المقاومه ، وعلى جميع الجبهات ، تواصل تدريباتها بالذخيرة الحية والاشتباك المباشر تارةً وبالجهوزية القصوى على جبهات اخرى . اي ان قوات حلف المقاومه تواصل استنزافها لجيش العدو ، منذ ان بدأت به الثوره الفلسطينيه بقيادة الزعيم الفلسطيني ابو عمار سنة ١٩٦٨ ، ولن تتوقف عن ذلك وستواصل مراكمة قدراتها العسكريه ، التي ستستخدم في معركة تحرير القدس قريباً .
٤)التأثير الزلزالي ، لعمليات الصمود البطولي لابناء الشعب الفلسطيني ، سواءً داخل المسجد الاقصى ومحيطه ، او خلال عمليات القصف الصاروخي ، الذي شمل كل اراضي فلسطين ، من مطار رامون ، الواقع على بعد ١٨ كم فقط شمال ايلات المحتله على البحر الاحمر في الجنوب ، وعلى مقربة من قواعد الصواريخ اليمنيه ، المنتشره في قواعد قوات انصار الله والجيش اليمني ، على
سواحل البحر الاحمر
الغربيه، وصولاً الى الناقورة ، على الحدود اللبنانيه الفلسطينيه في الشمال .
وهذا يعني ، دون اي شك ، بان قوات حلف المقاومه قد نفذت اكبر تدريب عسكري يقوم به اي جيش في “الشرق الاوسط” ، وذلك عبر تنسيق جهود القياده والسيطره في منطقة جغرافية واسعة جداً ، تشمل ايران والعراق واليمن وسورية وفلسطين ، بكل ما يتطلبه ذلك من قدرات لقيادة الميدان بشكل عام ، وتنسيق العمليات العسكريه وما يتخلله من نيران صاروخية مختلفة المديات ، وما يتطلبه تنسيق هذه النيران من قدرات سيبرانيه وعملياتيه اخرى ، لتضليل دفاعات العدو الجويه الصاروخيه ، وتحقيق افضل الاصابات في الاهداف التي يتم قصفها في عمق العدو .
٥)حجم التأثير المباشر ، لعمليات القصف الصاروخي لقوات المقاومه الفلسطينيه من قطاع غزه ، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعنوياً ، في كل مناحي حياة كيان العدو ومستوطنيه .
فها هي مطاراته المدنيه ، مطار اللد ومطار حيفا ومطار تل ابيب القديم ( داخل المدينه ) ومطار يَرَوْن في الجنوب مغلقة بشكل كامل ، كما ان شبكة السكك الحديدية للعدو معطلة بشكل كامل ايضاً ، اضافة الى اغلاق كافة موانئه ووقوفه حائراً امام مشكلة او كارثة الامونيا في ميناء حيفا ، خاصة في ظل النجاح العملياتي الذي حققته المقاومه الفلسطينيه ، حين نجحت في تدمير خط النفط الواصل بين ايلات وميناء عسقلان ومحطة الطاقه في اسدود والحرائق الهائله التي اشتعلت في خزانات النفط في هذين المينائين . يضاف الى ذلك تعطيل منصات انتاج النفط والغاز الصهيونبة ، قبالة السواحل الجنوبيه لفلسطين المحتله ، من خلال قصفها بالصواريخ الثقيله والمسيرات ، خلال اليومين الماضيين .
بعدنا طيبين قواوا الله