على عكس الأجواء التي تشير إلى جمود في الملف الحكومي، انطلق حراكٌ خارجي للبحث عن بديل للرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة. الدفّة تميل لمصلحة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي الذي يبدو أنّ ثمّة توافقاً فرنسيّاً ــــ سعوديّاً عليه
ووفقَ المصادر، فإن ما يطرحه ميقاتي في الكواليس هو ذاته المبادرة التي سبقَ أن تقدّم بها، والتي تنصّ على تأليف حكومة من 20 أو 24 وزيراً، بحيث تضمّ ٦ وزراء دولة من السياسيين (من بينهم رئيس الحكومة)، على أن يكون باقي الوزراء من «الاختصاصيين».
من جهة أخرى، استقبل الرئيس عون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي بحث معه في الوضع النقدي في البلاد وموضوع البطاقة التمويلية ومسألة رفع الدعم. وبحسب مصادِر مطلعة، استدعى رئيس الجمهورية سلامة الى بعبدا لمناقشة آخر التطورات المالية في البلاد واجتمع به وحيداً. وقالت المصادر إن الجلسة كانت «بمثابة تأنيب للحاكم الذي خرج شاحب اللون من اللقاء»، مشيرة إلى «قلق يعتريه من الضغط الذي يمارَس عليه ومن الملفات المفتوحة ضده في الخارج كمشتبه فيه باختلاس أموال المصرف المركزي». ولفتت المصادر إلى أن عون «أنّب» سلامة بسبب نكثه، أكثر من مرة، بوعد إطلاق منصّة الصيرفة التي قال سابقاً في بعبدا إنها ستساهم في خفض سعر صرف الدولار في السوق إلى ما دون الـ 10 آلاف ليرة.
من جهة أخرى، تواجه مسوّدة «ترشيد الدعم» وإصدار بطاقة تمويليّة، التي تعمل عليها حكومة تصريف الأعمال، المصير نفسه الذي واجهته خطّة «الإصلاح المالي». فالقوى السياسية، الممثلة داخل مجلس الوزراء، والتي عقدت اجتماعات عديدة واتفقت في ما بينها على كيفية تخفيض نسبة الدعم للمواد المستوردة، والمبالغ التي ستُعطى للعائلات، تنصّلت من المشروع، علماً بأنّ رئيس الحكومة المستقيلة، حسّان دياب اعتقد أنّه أمّن الغطاء السياسي من الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، قبل أن يمضي باجتماعات مسوّدة «ترشيد الدعم» إلى مستويات مُتقدمة. التجاذب السياسي في موضوع بهذه الأهمية، سيكون له انعكاس مباشر أولاً على السكّان، الذين يُواجهون رفع الدعم على الاستيراد من دون أي حماية اجتماعية واقتصادية. وحتى لو تمّ الانتهاء من إقرار خطّة الحكومة، فالمساعدات «لن تُصرف قبل ثلاثة أشهر على الأقل، هي المهلة التي نحن بحاجة إليها لتنقيح لوائح المُستفيدين من البطاقات»، تؤكّد مصادر من اللجنة الاقتصادية الحكومية التي تبحث الخطة. وتُبرّر بأنّ العديد من الأشخاص الذين تسجّلوا «ربما لم يقدّموا معلومات دقيقة، لذلك نحن بحاجة إلى إجراء تحقيق والتأكّد منها». بالإضافة إلى أنّ رقم الـ 750 ألف أسرة الذي حدّدته الخطة وسينالون بطاقات «غير دقيق ونهائي. هناك ما لا يقل بعد عن 200 ألف أسرة غير مشمولين بالإحصاء، كيف سيجري تصنيفهم وتُوزّع المساعدات عليهم؟ وهل لُحظت تكلفتهم؟».
هناك اختلافات عديدة في مقاربة ملفّ بيانات الأسر. واحد من الاعتراضات هو الربط ما بين المساعدات للعائلات الأكثر فقراً «المؤمنة من المنظمات الدولية، وتُوزّع بناءً على معايير واضحة»، وبين المبالغ التي ستُعطى للعائلات بعد رفع الدعم «ومصادر تمويلها غير مؤمنة بعد، وقد تمّ تحديد الأسر المستفيدة بناءً على تصنيفات قطاعية ومُجتمعية». يتحدّث أحد العاملين على الخطة عن «نوعٍ من العشوائية في التعامل مع الملفّ، خلط الفئات المُستفيدة من المساعدات بهذا الشكل، سيوسّع هامش الخطأ».
من النقاط التي لم تُحسم أيضاً هي المنصّة التي ستجمع بيانات الأسر المُستهدفة. تُريد حكومة تصريف الأعمال إنشاء منصّة معلومات جديدة يكون مركزها في السرايا الحكومية، فيما يطرح البعض الآخر أن يُعتمد التفتيش المركزي كمقرّ، بحجّة وجود «خادم» جاهز لديه، ولا سيما بعدما «نصحت» الجهات الأمنية ووزارة الاتصالات بعدم تخزين المعلومات على خوادم عالمية كـ«أي كلاود» بحجّة سهولة خرقها. تُريد الحكومة من المواطنين تعبئة استمارة من خمس صفحات، متوقعة أن تجمع «بغضون شهر نحو 800 ألف استمارة، وهو أمر شبه مُستحيل. لا يلقى هذا الطرح توافقاً، «لأسباب عدّة: أولاً، حفظ المنصّة لدى التفتيش المركزي (وليس إدارة الإحصاء المركزي مثلاً) يعني وجود حرية للوصول إليها من قبل جهات عدّة، وبالتالي سهولة خرقها واستخدامها سياسياً. ثانياً، عدم جواز الخلط بين المستفيدين من برنامج المساعدات للأسر الأكثر فقراً وبين المستهدفين من رفع الدعم، وخاصة أنّ التمويل للمشروع الأخير يمتدّ لسنة واحدة فقط».