ذو الفقار قبيسي -اللواء
كهرباء لبنان التي استهلكت دون رقيب أو حسيب أكثر من ٤٠ مليار دولار خلال ٢٥ عاما بما يفوق كل إجمالي الدين العام بالعملة الأجنبية، وتواجه الآن خطر التعتيم، بسبب نقص المال، لها عند مؤسسات الدولة وأصحاب النفوذ من سياسيين وحاشيتهم وأزلامهم مستحقات بنحو ٢٠٠٠ مليار ليرة. وبدلا من أن تحصّل ديونها وتسترد حقوقها، تستسهل «مد اليد» الى حقوق سواها للحصول على ٢٠٠ مليون دولار من أمانات جنى عمر المودعين لدى المصارف… وينطبق عليها مثل البعير الذي يعاني العطش، والماء محمول على ظهره، كما في قول الشاعر طرفة بن العبد: «كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول».
بل ان عقلية العجز واللامبالاة لا تقتصر على الاهمال في تحصيل ديون الشركة، وإنما أيضا في عدم التحقق كفاية من ما عليها من مستحقات المتعهدين وشركات الخدمات بما يقدر مبدئيا بنحو ٥٠٠ مليون دولار تحتاج إلى تدقيق تفصيلي ومستندي لمعرفة الأرقام الحقيقية وليس بالضرورة لتسديدها دفعة واحدة بل يمكن إعادة هيكلتها وتمديد آجال استحقاقاتها في إطار خطة مالية – اقتصادية توفّر ما يكفي من سيولة مالية لمنع «التعتيم» الذي يدق الباب ويهدد استمرار عمل المستشفيات ومختلف أنواع الصناعات التي يحتاج لبنان الى مواردها من العملة الصعبة، كما يهدد مسيرة الاقتصاد وأعمال كبريات المؤسسات ومتوسطيها وصغارها وبما يزيد في معدلات البطالة والفقر والعوز، ويشلّ مختلف أنواع الاستثمارات المتوقفة على أي حال حتى في حال النور والتنوير، فكيف في حال الظلام والتعتيم؟!
والقول الشهير لقائد ثورة أكتوبر ١٩١٧/ روسيا عندما طلب إليه صحفي أجنبي أن يختصر أهداف الثورة، فأجاب: The electrification of Russia أو كهربة روسيا!
في حين ورغم مرور أكثر من مائة عام على «كهربة» الدول المتقدمة ما زالت كهرباء لبنان تتعثر بحواجز وعقبات وشعب لبنان وصناعاته ومزارعه ومؤسساته ومساكنه رهينة المولدات، فيما اللجنة النيابية التي تتولى شؤون الكهرباء «تبشّر» اللبنانيين على لسان رئيسها بمواعيد مرتقبة لإقفال معامل الانتاج: الذوق خلال شهر أيار ودير عمار والجية والزهراني والجية خلال شهر حزيران، إذا لم يتوافر التمويل المطلوب في وقت وصل احتياطي مصرف لبنان الى الخطوط الحمراء ليس بعدها سوى ليالي العتمة السوداء!
من دلف الفيول إلى مزراب المازوت!
وكانت وزارة الطاقة أجرت مناقصات على عدد من البواخر بعضها وصل وبعضها على الطريق وبعضها ما زال في بلد المنشأ، وكلها تنتظر فتح الاعتمادات، وإذا تأخّر تسديد الفيول وتضاعف التقنين سيزداد الاعتماد على المولدات وبالتالي الى المزيد من استيراد المازوت إضافة الى استيرادات الفيول الذي يحتاج لبنان الى المزيد من استيراده مع ارتفاع في الطلب على امدادات الكهرباء يقابلها انخفاض في امدادات الدولارات.