“صيرفة” على سعر السوق والرهان على تراجع الدولار… يتلاشى المنصات “وقود” الأزمات والحل الوحيد بالإصلاح

طالما الإصلاحات مغيّبة فإن كل الحلول ستكون عقيمة (فضل عيتاني)

خالد أبو شقرا-نداء الوطن
لم تبصر منصة “صيرفة” النور البارحة كما كان متوقعاً. فعلى الرغم من إصدار “المركزي” ثلاثة تعاميم تنظّم آلية عملها، وتلقيه كتاباً جوابياً من وزير المالية يتضمن موافقته على إطلاقها، فان تاريخ وضعها موضع التنفيذ لم يحدد بعد.

تشير مصادر الصرافين إلى أن المنصة ستُفتتح على سعر صرف السوق الموازي أي 12600. بيد أن زيادة الطلب على الدولار من الأفراد والشركات مع انتهاء شهر رمضان المبارك، نتيجة تخفيف الدعم، سترفع السعر حتماً. وسعر الصرف لن يتراجع أو حتى يثبت عند مستوى محدد كما يأمل البعض، إلا في حال تدخل مصرف لبنان عارضاً للدولار. وهذا “ما لا يمكن المراهنة عليه”، بحسب أحد الصرافين. فقد أثبتت التجربة في العام الماضي أن “المركزي” عاجز عن التدخل بائعاً للدولار في السوق. ولو كان باستطاعته ذلك، لكان دافع عن سعر صرف 3900 الذي وضعه في حزيران 2020، ولكان الدولار بقي عند هذا الحد. فالكل يذكر وعود “المركزي” بضخ 30 مليون دولار أسبوعياً للصرافين فئة (ألف) من أجل تأمين حاجات المواطنين الضرورية من الدولار. لكن هذا المبلغ صار يتراجع، حتى تلاشى كلياً بعد فترة قصيرة. من بعدها “فلت” الدولار، وارتفع من 5500 ليرة إلى أكثر من 8000 ليرة بعد نحو شهرين.

الدولار لن يتراجع

التعميمان 157 و 583 أجازا للبنوك وشركات الصيرفة شراء وبيع العملات الأجنبية على منصة SAYRAFA وفقاً للعرض والطلب في السوق. وبالتالي “لم يحدد المركزي سعر صرف إنطلاقة المنصة بـ10 آلاف ليرة كما أشيع في الفترة الماضية. فخابت آمال الكثيرين من أن تؤدي إنطلاقتها إلى تراجع الدولار. وعاد الدولار ليرتفع ظهر اليوم (أمس) إلى 12700 ليرة”، يقول عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عدنان رمّال. وبعيداً عن إطلاق الاحكام المتسرعة، فان فائدة المنصة الوحيدة، بحسب رمّال، قد تكون “تحرير سعر الصرف من قيد المنصة القديمة التي ربطت سعر الدولار بـ3900 ليرة، وجعلت كل من يتداول بسعر مغاير مخالفاً للقانون، مما أدى إلى بروز سوق صرافة ثانية للدولار من ضمن السوق الموازية”. إنطلاقاً من المسار الذي رسمته التعاميم الأخيرة، يظهر أن “المنصة لن تحد من ارتفاع الدولار”، يقول رمال، و”الأمور ذاهبة باتجاه تعميق الأزمات المعيشية والإجتماعية والإقتصادية، وفقدان للكثير من الأصناف والسلع الحياتية الأساسية، سواء كانت مواد غذائية أم محروقات أم أدوية ومعدات طبية”.

الإصلاح هو الأساس

إذا كان هناك من عبرة يمكن استخلاصها من تجربة السنة ونصف السنة الماضية فهي “إتفاق الجميع على إيصال البلد إلى حائط مسدود”، يقول الخبير الإقتصادي جان طويلة، “وإلا، ما معنى تحرير سعر الصرف في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا لم يقدم “المركزي” على هذه الخطوة قبل سنة من اليوم؟ ألم يكن ليوفر على المودعين صرف نحو 14 مليار دولار من أموالهم على الدعم الذي ذهب أكثر من نصفه تهريباً واحتكاراً وتخزيناً؟ من هنا “لا يوجد أمام السلطة النقدية سوى حلين للتعامل مع سعر الصرف”، من وجهة نظر طويلة: “إما تحريره بشكل نهائي، وهذا يتطلب عدم التدخل كلياً، ويتنافى مع ما ورد في المادة الثالثة من التعميم 157، حيث أشار “المركزي” إلى إمكانية التدخل على المنصة إذا ما رأى ذلك مناسباً وضمن إمكانياته لتأمين ثبات سعر القطع، وإما تثبيت سعر الصرف. وذلك لا يتم إلا من خلال التخلي عن استقلالية السياسة النقدية، واللجوء إلى فكرة مجلس تثبيت القطع Currency Board، التي ينادي بها الإقتصادي ستيف هانكي، ما يعني طباعة كميات من الليرة بحدود ما يدخل البلد من نقد أجنبي. لكن طالما لم يتم تثبيت سعر القطع، فان “وضع ضابط واحد لسعر الصرف سيؤدي حكماً إلى خلق سوق مواز، ويضرب كل الجهود المبذولة للانتهاء من وجود سوقين وسعرين”.

تأتي SAYRAFA بعد محاولتين فاشلتين لخلق منصة شفافة يتحدد سعر الصرف فيها على قواعد العرض والطلب وليس المضاربة. صحيح أن العبرة تبقى في التنفيذ على أرض الواقع، إلا أنه “طالما الإصلاحات مغيبة فان كل الحلول ستكون عقيمة”، برأي طويلة. هناك سلة من الإجراءات العملية المفروض اتخاذها في القطاع العام والمؤسسات والكهرباء والمصارف والدين العام… وغيرها الكثير من القطاعات لكي تستعاد الثقة. فمن دون ثقة عبثاً يحاول الجميع لجم الأزمة. والحلول كلها ستبقى محاولات بائسة لكسب القليل من وقت الإنهيار الطويل.

Exit mobile version