الأخبار
ومنذ الصباح، بدأت كرة الثلج تتدحرج نحو ما بدا أنها حرب شاملة، في ظلّ تكثيف الاحتلال عمليات القصف في قطاع غزة، في مقابل تواصل إطلاق الصواريخ تجاه مدنه ومواقعه العسكرية. وفي خضمّ ذلك، جدّدت المقاومة تحذيرها للعدو من قصف الأبراج السكنية داخل القطاع، مهدّدة بأن ردّها سيكون أكبر مما حدث في مدينة عسقلان صباحاً وظهراً، إلا أن قصف الاحتلال لأحد الأبراج على شاطئ بحر غزة، دفع المقاومة بعد أقلّ من نصف ساعة إلى البدء بتوجيه أكبر ضربة صاروخية في تاريخ إسرائيل لمدينة تل أبيب. وقصفت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ»حماس»، جميع أحياء مدينة تل أبيب الساعة التاسعة مساءً بأكثر من 130 صاروخاً من طراز «A120» تحمل رؤوساً تفجيرية كبيرة، بشكل متزامن ومركّز. وتبع هذا إطلاق دفعات ورشقات عدّة من «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، والفصائل الأخرى على المدينة، ليُعلن الاحتلال مقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين، ووقوع أضرار واسعة وحرائق في عدّة مناطق، نتيجة سقوط الصاروخ على حافلة وسط تل أبيب، بينما وصفت وسائل الإعلام ما جرى بأنه «إعلان حرب من غزة على إسرائيل».
وبعد القصف بوقت قصير، انعقد مجلس الوزراء المصغّر في دولة الاحتلال بحضور القادة العسكريين، ليخرج رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بإعلان مواصلة العمل ضدّ حركتَي «حماس» و»الجهاد»، والدفع بتعزيزات إضافية إلى حدود قطاع غزة، لأن «هذه الحملة ستستغرق وقتاً وتحتاج إلى الوقوف متّحدين ضدّ هذا العدو»، فيما أشار وزير الجيش، بيني غانتس، إلى استمرار الجيش في استهداف ما ادّعى أنها «مباني المنظّمات» في غزة، قائلاً: «نحن في نقطة البداية فقط، والتنظيمات الفلسطينية تضرّرت وستستمرّ بالتضرّر، سوف نعيد الهدوء والأمن على المدى البعيد». وتقول مصادر في حركة «حماس»، لـ»الأخبار»، إن العدو يحاول من خلال المنشآت والأبراج المدنية في غزة الضغط على المقاومة لوقف المواجهة، إلا أن الحركة لديها قرار من العام الماضي بتجاوز هذه النقطة التي يريد الاحتلال من خلالها ليّ ذراع المقاومة، وتدفيعِ العدو ثمناً كبيراً لها، وهو ما حدث في عسقلان وتل أبيب. وتؤكد المصادر أن في جعبة الحركة العديد من الأوراق التي يمكنها من خلالها إرغام الاحتلال على التراجع خلال الفترة الحالية، مضيفة إن «المقاومة نفَسها طويل في هذه المعركة، ولن تتوقف عمليات القصف إلّا بعد تراجع الاحتلال والتزامه بشروط المقاومة المتعلّقة بوقف العدوان في القدس أولاً، ثمّ وقف إطلاق النار في قطاع غزة». واعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، بدوره، أن «ما جرى بمثابة رسالة للاحتلال أن كفى عبثاً في القدس، ونحن نقف على أرض صلبة»، جازماً بأن حركته «لن تبقى مكتوفة الأيدي، وأن هناك ميزان قوى جديداً قد انطلق من ساحات المسجد الأقصى»، وأن «سياسة الاستفراد بالقدس لم تعد أمراً مقبولاً لا على المستوى الشعبي ولا للمقاومة».
إلى ذلك، حذر منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، من تدهور الأوضاع إلى حرب شاملة، داعياً إلى وقف إطلاق النار على الفور، ومؤكداً أن الأمم المتحدة تعمل مع جميع الأطراف لإعادة الهدوء. جاء هذا في وقت برز فيه تبدّل واضح في موقف الوسيط المصري، بعدما باشرت المقاومة تنفيذ خطّتها بالقصف المركّز على دوائر تتراوح بين أربعين ومئة كيلومتر، حيث سارع المصريون إلى نقل طلبات بوقف إطلاق النار فوراً مقابل تخفيف الإجراءات الإسرائيلية في القدس والضفة، وإفساح المجال أمام إدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع، والسماح للمقدسيين بإحياء عيد الفطر من دون تدخل، وفق ما تؤكده مصادر فلسطينية مطّلعة. وكان الجانب المصري قد طلب إلى الفصائل وقف التصعيد، وإفساح المجال أمام القاهرة، بالتعاون مع قوى دولية، لإقناع تل أبيب بوقف نشاطها في حيّ الشيخ جراح، كما تقول المصادر نفسها، مضيفة إن «المصريين كانوا شديدي التوتر، ونقلوا تهديدات إسرائيلية وأميركية إلى قوى المقاومة، ولكن التشاور الذي جرى خلال اليومين الماضيين بين قادة أبرز خمسة فصائل انتهى إلى قرار بعدم التوقف عن كل أعمال المواجهة، سواء في القدس أو الضفة أو تجهيز التدخل العسكري من غزة». وبحسب المصادر، فإنه بعدما فشلت المساعي المصرية في إلغاء كلّ الأنشطة الإسرائيلية، قرّرت المقاومة إطلاق عمليات القصف الصاروخي، ضمن برنامج متدرّج باتجاه غلاف القطاع وعمق غوش دان، وهو ما أثار حفيظة الوسطاء المصريين وحتى الأميركيين، الذين لجأوا إلى التواصل مع قطر والأتراك لأجل إقناع قيادة «حماس» بوقف العمليات، وكذلك محاولة تهديد سوريا بضربات جديدة تخصّ مواقع مزعومة لقوى فلسطينية، ولا سيما تلك التي تخص «الجهاد».
وفي مقابل الضغوط غير المسبوقة التي تمارسها أجهزة الأمن الفلسطينية لمنع أيّ تحرّكات في مدن الضفة الغربية، تحوّلت أراضي الـ48 إلى ساحة حرب بفعل مواجهات بين الفلسطينيين من جهة، وقوات الشرطة الإسرائيلية من جهة أخرى، أدّت إلى استشهاد شاب في مدينة اللدّ، حيث أُعلنت حالة الطوارئ مع حظر التجوال، وسط استقدام عدد من وحدات «حرس الحدود». وحتى الساعات الأولى من فجر اليوم، كانت المدينة لا تزال تشهد مواجهات وعمليات إطلاق نار، بالتوازي مع مواجهات شبيهة مندلعة في مُدن وقرى الجليل الأعلى والأسفل والنقب.