كتبت سميرة الناصر
لم تعد سياسات التحالفات المخفية مخفية بعد الآن، حتى أنها لم تعد تتناسب والرؤية المحدثة بتسمية جديدة ألفنا سماعها بوصفها تطبيعا. منذ أواخر السبعينات والكيان الإسرائيلي يسعى لبناء ما يظهر كجسر عبور لجهة التطبيع، ليست سوى ممرات دهس لكل من الدول المطبعة وحقوق الوطن المنسي يعتليها الضعف العربي للوصول للمن والسلوى والمجد الواهن الموعود.
نشهد اليوم تبدلا كبيرا في رسم معادلات الوجود مع الكيان بالمحيط العربي، فالتحالفات المخفية سابقا تلك التي كانت تقتصر على العلاقات الاستراتيجية والدبلوماسية خلف الستار لتتجسد على هيئة تقابل سياسي، أمني وسياحي حتى ولو كان من جهة واحدة هو ما كان واقع حال مع كل من مصر و الأردن، لم تنجح في بلورة وعود العهد الذهبي في حال القبول فكلا المثالين لم ينجح سوى بكسر مرس الدولة أمام حال لا رجعة به.
تعايش كل من مصر والأردن اليوم واقعا معيشيا و اجتماعيا مزريا، ضعف القطاع الطبي، أزمات معيشية، وحكم مهدد من الداخل والخارج بسبب أي موقف مرتبط بالكيان، هو ما شهدناه في الأردن منذ فترة قصيرة حيث وصف الحدث من مصادر عربية رفيعة بسياسة “هز العصا” كتذكير بسلطوية هذا الكيان. لا يختلف الواقع في مصر كثيرا حيث لم تستطع أواصل التطبيع في تغيير الرأي العام الشعبي والأهلي للمصريين، فالنمط السوسيولوجي لازال يرفض التطبيع حتى في مآربه السياحية حيث لازلنا نرى الشرطة المصرية برفقة السياح الإسرائيليين.
في الواقع إن التهافت الانبطاحي أمام التطبيع في المنطقة لا يأتي من قناعة الدول المطبعة بوعود الازدهار فالأمثال العربية لا تنبئ بذلك ابدا، انما من سياسة تسللية استطاعت نقل المعادلة لمنحى آخر. اليوم لا يتم الحديث عن مسح حقوق الفلسطينيين اذا تم التطبيع، لا يذكر أن هذه العلاقات الدبلوماسية من الأجدر لها أن تتم مع الطرف الفلسطيني بل نجحت إسرائيل بإبراز الجانب الايجابي الافتراضي للتطبيع من خلال العالم الافتراضي فعلا. إن لكل من صناع المحتوى الرقمي والإعلاميين والابواق المأجورة دور كبير في إبراز وجه جديد للمعادلة، نحن اليوم لا نتحدث عن مسح فلسطين إنما عن حاجتنا لإسرائيل بوصفها مكونا طبيعيا موجودا في المنطقة من خلال ربطها بالحال المعيشي الاقتصادي لأي بلد، فبات بالاذهان راسخا أن التطبيع مصباح سحري للازدهار ولا سبيل للخروج من أزمات الفقر والبطالة في أي دولة عربية إلا من خلال التطبيع، ناسيين الأسباب الأساسية من فساد وتخلف علمي وارتهان خارجي.
إن قلب الدفة لإبراز محاسن التطبيع من خلال برهنة ضعف التجارب العربية وجه جديد يسوق له من خلال أعظم منصات التأثير الافتراضي والمؤثرين الاجتماعيين. فإن التفشيل لمشروع بناء الدولة المدنية كما حدث مع جمال عبد الناصر فتح مصر على إسرائيل. هذا التسويق للضعف العربي عبر شرذمة البلاد ما هو إلا وجه جديد للاحتلال، كنا نخاف أن نقول إسرائيل دونما وصفها بالعدو اليوم بتنا نتحدث عن حاجة المنطقة لثقافة وعلم وتطور وتكنولوجيا إسرائيل بوصفها دولة “قوية” في المنطقة.
من المستحيل تحقيق التفاوض السليم دونما تحديد معادلات القوة، هذا ما هو مفقود في الحال مع العدو فالإتجاه دائما نحو مرضاة إسرائيل دونما ايجاد قاعدة إستراتيجية رادعة للقوى المتجاورة متجاوزة المحور الممانع بمحاولات هتك صموده وما يليه من تجاذبات واشتباكات مترادفة. إن طريق القدس أقصر من اللكلكة المستعربة، فالمخرز الذي يوجهونه لفلسطين اليوم ينجح الفلسطينيون بغرزه بالعين الطامعة ببلادهم في تحركات واحتجاجات نشهدها اليوم تأتي متوازية مع انقسام الداخل الإسرائيلي وما يعيشه من تخبط بسبب الإنتخابات وقضايا الفساد،علّ العرب يستفيقون لمقولة أردنية هزلية “الاسرائيلي ما يعوز من الأردن إلا الحمامات” لبناء النظرة التفاؤلية الموعودة.