إلياس فرحات
للقدس رمزيتها. حي الشيخ جراح فاض بجغرافيته ووقائعه ليضع المنطقة أمام أسئلة كبيرة. هناك إحتمالان لا ثالث لهما: إما تتراجع إسرائيل حداً للخسائر أو تندفع عسكرياً وعندها يصبح سؤال الخيارات والجبهات مفتوحاً على إحتمالات شتى. بدأت هذه الجولة من المنازلات الفلسطينية ـ الاسرائيلية مع وصول جو بايدن الى رئاسة الولايات المتحدة، وبالتالي وضع قرار العودة الأميركية إلى الإتفاق النووي موضع التنفيذ بعد مضي ثلاث سنوات على إنقلاب دونالد ترامب على الإتفاق. اول خطوة، في هذا المسار، تمثلت في طلب اسرائيل ان تكون جزءا من مفاوضات عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي وعززت ذلك بطلب سعودي مماثل. رفضت ايران إشراك اسرائيل والسعودية كما رفضت الولايات المتحدة وباقي مجموعة 5+1 ذلك الطلب. هكذا لم تتمكن اسرائيل من دخول نادي المفاوضين مع ايران. كرر القادة الاسرائيليون على المستويين السياسي والعسكري رفضهم عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق وما ينتج عنه من رفع للعقوبات وإعادة إحياء الاقتصاد الايراني وتعاظم دور ايران الاقليمي. هددت اسرائيل بالقيام بعمل عسكري منفرد ضد ايران، لكن كل ما استطاعت فعله هو عملية امنية ادت الى اغتيال العالم النووي فخري زادة وعملية سيبرانية ادت الى تفجيرات وحرائق في منشآت غاز ونفط ومراكز عسكرية هامة بالاضافة الى تفجير مفاعل نطنز. اما العملية العسكرية التي تهدد اسرائيل بها، فهناك معطيات جغرافية وجيوسياسية تحول دون شن مثل هذه العملية وما الحديث الاسرائيلي عنها الا مفاخرة ومبالغة، لا سيما وأن عملاً عسكرياً من هذا النوع يجب أن يحظى بضوء أخضر أميركي. بقي امام قادة اسرائيل تفجير الوضع الفلسطيني من خلال عملية مؤثرة تطرد فيها سكان حي الشيخ جراح في القدس الشرقية وما تمثله هذه العملية في حال نجاحها من فوز كبير لزعيم الليكود بنيامين نتنياهو والمؤسسة العسكرية الامنية في اسرائيل وأيضاً من اجل التهويل على الفلسطينيين والعرب ومحاولة منعهم من القيام بأي ردة فعل على احتلال حي الشيخ جراح. في غضون ذلك، أعلنت اسرائيل عن اجراء اكبر مناورة عسكرية في تاريخها لمدة شهر تشمل التصدي لاخطار من الشمال والجنوب والجبهة الداخلية (انقاذ واطفاء حرائق واخلاء طبي وتموين وفتح ملاجىء ونقل قوات). إستدعى الإعلان عن المناورة رداً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بإعلانه جهوزية المقاومة اللبنانية للرد على اي عدوان اسرائيلي محتمل وتسريب انباء من حزب الله حول اعلان الاستنفار التام لقواته في لبنان وعلى طول الحدود مع فلسطين المحتلة. كما أعلنت المقاومة الفلسطينية في غزة جهوزيتها للتصدي لاي خرق أو إعتداء اسرائيلي. الاتجاهات المتوقعة: أولاً، رضوخ اسرائيل في قضية حي الشيخ جراح مقابل وقف اطلاق الصواريخ. ثانياً، رفض اسرائيل الرضوخ وعندها لا مناص من حرب تبدأ بتنفيذ عدوان ضد غزة وتتوسع الى انتفاضة في الضفة الغربية وفي محاولة منها لخلط أوراق اللعبة، اقدمت الشرطة الاسرائيلية برفقة مجموعات من المستوطنين على محاولة اخلاء حي الشيخ جراح من سكانه المقدسيين. قاوم سكان الحي بالوسائل المتوافرة لديهم. ما لم يتوقعه الاسرائيليون هو بيانات شديدة اللهجة من غزة دفاعا عن حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى تضمنت رسائل صوتية من ابو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام التابعة لحركة حماس وابو حمزة الناطق باسم سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الاسلامي. وللمرة الأولى وللتدليل على جدية الانذار، خرج المسؤول الأول في كتائب القسام “ابو خالد” (محمد الضيف) عن صمته، ووجه رسالة صوتية حذر فيها إسرائيل من اجتياح حي الشيخ جراح. في هذه الاثناء، كانت اسرائيل تمضي في مناوراتها وفي ظلها تحاول دخول الشيخ جراح. لكن المقاومة اطلقت صاروخين من غزة باتجاه مدينة عسقلان في تحذير ميداني لاسرائيل. استشعرت القيادة الاسرائيلية خطر التصعيد وارجأت جلسة المحكمة العليا التي كانت مقررة اول من امس (الأحد) الى موعد اخر خلال شهر تصدر فيه حكمها في قضية حي الشيخ جراح. ومن المتوقع في حال صدور الحكم لمصلحة المستوطنين ان تمضي قوى الشرطة والامن في اخلاء الحي المقدسي من سكانه. تصادف ذلك مع حلول ليلة القدر عند المسلمين حيث حضر عشرات الالاف من المقدسيين لاحياء الاحتفال الديني في المسجد الأقصى وسط تدابير قمعية اسرائيلية ومحاولة المستوطنين دخول المسجد الاقصى لاحياء مناسبة يهودية. التطور الأبرز في الساعات الأخيرة هو اطلاق سبعة صواريخ من غزة باتجاه القدس تمكنت شبكة الدفاع الجوي – القبة الحديدية المؤلفة من باتريوت وحيتس ومقلاع داود من اعتراض صاروخ واحد منها فقط، وذلك حسب الناطق بإسم الجيش الاسرائيلي. هذا الاعلان اكد وجود ردع جزئي أو بداية ردع فلسطيني. صارت المعادلة كالآتي: دخول اسرائيل الى حي الشيخ جراح سيؤدي الى اطلاق صواريخ من غزة على الداخل الاسرائيلي وتحول هبة الاقصى التي بدأت في ليلة القدر الى انتفاضة فلسطينية شاملة على غرار انتفاضة الحجارة عام 1987 او انتفاضة الاقصى عام 2000 انما في ظروف تعارض مصلحة اسرائيل بسبب القوة المتعاظمة للمقاومة في غزة وفشل اسرائيل في حروب غزة الثلاث وتعاظم قوة المقاومة اللبنانية (حزب الله) التي يتحدث عنها قادة اسرائيل كثيراً. بالمقابل، إذا تراجعت اسرائيل عن قرار دخول حي الشيخ جراح سوف يكرس ذلك دور المقاومة في حماية الشعب الفلسطيني ويشكل هزيمة مدوية لاسرائيل. إقرأ على موقع 180 الفلسطينيون.. حملة مناديل أم حقائب؟ لذلك، يمكن تشبيه تراجع اسرائيل عن دخول الشيخ جراح بتفاهم نيسان/ أبريل 1996 الذي اعطى شرعية للمقاومة اللبنانية في التصدي للاعتداءات الاسرائيلية في اطار لجنة ضمت الولايات المتحدة وفرنسا والامم المتحدة واسرائيل وسوريا ولبنان. تدخلت الخارجية الاميركية بشخص الوزير انتوني بلينكن في بيانات تضمنت انتقادات ضمنية لاسرائيل وبعثت برسائل من خلال إستقبال وزير خارجية الاردن أيمن الصفدي وتحرك الوسيط الوازن مدير المخابرات المصرية الذي وصل إلى غزة وناقش سبل وقف اطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية في القطاع. تهديد المناورة العسكرية الشاملة فقد مفعوله وبالتالي يصبح خيار المضي بها لزوم ما لا يلزم لا بل يلقي اعباء على القيادة الاسرائيلية من دون طائل، خصوصاً وأن حزب الله لم يسحب بعد تهديد الإنتقام لأحد عناصره في سوريا في الصيف الماضي الاتجاهات المتوقعة: أولاً، رضوخ اسرائيل في قضية حي الشيخ جراح مقابل وقف اطلاق الصواريخ. ثانياً، رفض اسرائيل الرضوخ وعندها لا مناص من حرب تبدأ بتنفيذ عدوان ضد غزة وتتوسع الى انتفاضة في الضفة الغربية. في ظل الإحتمال الثاني، ليس مستبعداً دخول الجبهة الشمالية على خط الحرب في لحظة ميدانية ما، وعندها تكون المنطقة قد دخلت ليس في أيام قتالية بل في حرب واسعة جدا. الساعات والأيام المقبلة، ولا سيما ردة فعل المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية سوف تحدد معالم الاتجاه الذي ستذهب اليه الامور، علماً بان تهديد المناورة العسكرية الشاملة فقد مفعوله وبالتالي يصبح خيار المضي بها لزوم ما لا يلزم لا بل يلقي اعباء على القيادة الاسرائيلية من دون طائل، خصوصاً وأن حزب الله لم يسحب بعد تهديد الإنتقام لأحد عناصره في سوريا في الصيف الماضي. إذا كانت إسرائيل تريد الإطاحة بالاتفاق النووي، عندها يصبح الخيار العسكري مؤشرا لمخاطر وأخطار من نوع مختلف، في ظل حتمية توسع النزاع وترابط الساحات، من دون إغفال حقيقة أن محادثات فيينا مستمرة وإيقاعها إيجابي حتى الآن. بالتالي لا تبدو اللحظة الأميركية مؤاتية لسلوك مغامر من هذا النوع، ناهيك عن مناخ التعاطف الدولي والعربي والإسلامي مع الفلسطينيين. يكفي أن نشاهد أعلام فلسطين ترتفع في شوارع باريس ولندن وشيكاغو واسطنبول وعشرات المدن الأوروبية..