انسايد أرابيا: السعودية تتطلع لعرش الهيدروجين الأخضر بعد أفول زمن النفط
دمرت جائحة “كورونا” الاقتصادات التي تعتمد على النفط في مجلس التعاون الخليجي، حيث انهارت أسعار النفط في عام 2020 بسبب الانخفاض القياسي في الطلب العالمي على النفط الخام، كما تسببت قيود السفر العالمية والإغلاقات وتباطؤ القطاعات الصناعية في التقليل بشكل كبير من الحاجة إلى واردات النفط في جميع أنحاء العالم.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا في مارس/آذار 2020، وقعت في خضمّ التراجع الحاد للطلب العالمي على النفط الخام، مما أدى إلى زيادة المعروض وانخفاض الأسعار أكثر.
درس الجائحة المرير
كانت التداعيات الاقتصادية على البلدان المصدرة للنفط أمرا لا مفر منه في ظل أسعار سلبية للنفط الخام في الربيع الماضي، ولم تتعافَ إلا في الصيف الماضي لتصبح 40 دولارا أمريكيا للبرميل وبقيت على هذا المستوى لبقية 2020.
وكنتيجة لانهيار أسعار النفط، شهدت السعودية أسوأ تراجع اقتصادي وعجز في الموازنة منذ سنوات، وكان للقيود الاجتماعية وقيود السفر بفعل الوباء أيضا تأثير اقتصادي سلبي على المملكة، حيث مُنع 2.5 مليون حاج من جميع أنحاء العالم من حضور الحج الذي حُظِر على الجميع من غير المقيمين في عام 2020.
وفي حين تتعافى أسعار النفط العالمية ببطء مع تزايد النشاط الاقتصادي في العديد من البلدان، تعلمت السعودية درسا من العام الماضي؛ وهو أنه لم يعد بإمكانها أن تظل معتمدة على النفط كمصدر رئيسي لإيراداتها.
طرح ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بالفعل منذ 5 سنوات خطته لتنويع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط في “رؤية 2030″، ويبدو أن زخم الوباء يخدم تنفيذ هذه الرؤية بعد السنة القاتمة التي تعرض لها الاقتصاد السعودي.
مزايا الهيدروجين التنافسية
تتجه المملكة الآن من النفط إلى مصادر الطاقة المتجددة، لتأمين دورها كمورد مهم للطاقة النظيفة والمتجددة في عالم أصبح يتبنى بشكل متزايد نظامًا اقتصاديًا خاليًا من انبعاثات الكربون.
وتتطلع السعودية إلى الهيدروجين الأخضر كمسار لتخليص اقتصادها من الانبعاثات الكربونية والحفاظ على دورها كمنتج ومصدّر عالمي للطاقة في الوقت ذاته.
لا يوجد الهيدروجين في الطبيعة بمفرده، حيث يتم إنتاج الهيدروجين من خلال عملية تسمى التحلل الكهربائي الذي يستخدم إما الوقود الأحفوري أو الطاقة المتجددة، لتقسيم ذرات الهيدروجين عن الأكسجين عبر تيار كهربائي، ويكلف صنع الهيدروجين الكثير من الطاقة.
يُستخدم الوقود الأحفوري حاليا لصنع الهيدروجين إما عن طريق تحويل الفحم لغاز أو من خلال عملية تسمى إصلاح بخار الميثان، ومع ذلك، تقوّض هذه الأساليب هدف تخليص إنتاج الطاقة من انبعاثات الكربون.
بدلا من ذلك، يمكن أن تكون تصنيع الهيدروجين عملية خالية تماما من الانبعاثات إذا تم استخدام الطاقة المتجددة لتغذية التحليل الكهربائي للماء بدلا من الفحم أو الغاز الطبيعي، وتعرف هذا التقنية النظيفة لإنشاء الهيدروجين باسم الهيدروجين الأخضر.
حصد الهيدروجين شعبية عالمية في الأشهر الأخيرة، باعتباره مصدر طاقة جديد ونظيف نسبيا، وأصبحت الشركات الكبيرة تفكر في استخدام الهيدروجين الأخضر كمصدر حيوي لتخليص الإنتاج الصناعي من انبعاثات الكربون، بالإضافة لبعض أنواع النقل الذي يصعب تحويله للاعتماد على الطاقة النظيفة والكهرباء، مثل الشحن وإنتاج الصلب، والطيران، والنقل لمسافات طويلة بالشاحنات.
وهناك الكثير من الدول المتقدمة حاليًا التي تهدف إلى زيادة الاستثمارات في تطوير الهيدروجين الأخضر، ولكن السعودية تعتزم أن تصبح أكبر منتج في العالم لهذا العنصر الكيميائي ولديها بالفعل إمكانات هائلة للقيام بذلك.
وعلى الرغم من أن المملكة تمثل حاليا نسبة مئوية صغيرة من جميع استثمارات الطاقة المتجددة في العالم، إلا أن لديها ميزة تنافسية على البلدان الأخرى تؤهلها للحصول على الهيدروجين الأخضر مستغلة أشعة الشمس المتوافرة لديها بكثافة على مدار السنة والكثير من الرياح والمناطق الشاسعة من المساحات غير المستخدمة.
وتتوقع السلطات السعودية أن إنتاج الهيدروجين سيكون فعالا من حيث التكلفة، إذا استغلت الطاقة الشمسية منخفضة التكلفة في البلاد.
التطلع لعرش الهيدروجين الأخضر
تطور السعودية مصنعًا ضخمًا بقدرة 4 جيجاواط يدعى “هيليوس” في الجزء الشمالي الغربي من البلاد الذي سينتج الهيدروجين الأخضر.
واشتركت الشركة السعودية “أكوا باور” مع شركة “اير بروداكتس اند كيميكالز” الصناعية الأمريكية للغاز، لبناء “هيليوس”، والذي من المتوقع أن يكلف 5 مليارات دولار أمريكي ومن المقرر أن يعمل بحلول عام 2025.
وسوف يدار مصنع “هيليوس” بالرياح والطاقة الشمسية بالكامل، كما سينتج 650 طنا من الهيدروجين الأخضر يوميا، مما سيساعد في إمدادات الطاقة لمدينة “نيوم” المستقبلية التي يتصورها “بن سلمان”.
لكن تركيز الحكومة السعودية سيكون تصدير الهيدروجين في شكل الأمونيا، حيث ستستخرج شركة “اير برودكتس” الهيدروجين من الأمونيا من “هيليوس” وتبيعه عالميا كمصدر للطاقة للشاحنات والحافلات.
يكلّف تصنيع كيلوجرام من الهيدروجين حاليًا حوالي 5 دولارات، وقد يؤدي استثمار السعودية في الهيدروجين إلى خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين إلى 1.50 دولار أمريكي لكل كيلوجرام بحلول عام 2030.
وإذا تحقق هذا السعر، فسيكون الهيدروجين الأخضر أكثر تنافسية من الهيدروجين البني الذي يتم إنشاؤه باستخدام الوقود الأحفوري اليوم.
وبالنظر إلى أن توليد الطاقة من تقنيات الطاقة الشمسية والرياح هو بالفعل أرخص مصدر للكهرباء في العديد من مجالات العالم، فربما نكون على وشك رؤية تحقق هيدروجين أخضر رخيص.
ويحاول المشترون المحتملون للهيدروجين الأخضر السعودي بالفعل تأمين الإمدادات، حيث وقعت ألمانيا إعلان نوايا مع السعودية في مارس/آذار للتعاون في التصنيع والمعالجة ونقل الهيدروجين الأخضر.
ويمثل استيراد الهيدروجين من السعودية خيارًا جذابًا لألمانيا وبقية أوروبا، حيث إن تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر هناك أعلى بسبب محدودية إمكانات الطاقة المتجددة مقارنة بالسعودية.
ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر الهيدروجين الأخضر مكونا حاسما في استراتيجية المناخ والتخلص من الانبعاثات الكربونية، وأي عجز في إنتاج الهيدروجين الأخضر في الاتحاد الأوروبي، سوف يتم تعويضه بالواردات.
وقال وزير الطاقة السعودي “عبدالعزيز بن سلمان” في فبراير/شباط إن بلاده ستكون مستعدة لبيع الهيدروجين إلى أوروبا، كما أشار إلى أن السعودية منفتحة على فكرة بناء خط أنابيب لأوروبا لإرسال الهيدروجين المسال إذا كان هناك بُعد اقتصادي لذلك.
لكن أوروبا قد لا تحتاج إلى بناء خط أنابيب جديد من الصفر لاستيراد الهيدروجين، حيث يمكن أن تستخدم الشبكة الحالية الخاصة ببنيتها التحتية من أنابيب الغاز الطبيعي الشاسعة لجلب الهيدروجين من السعودية، وهناك خط أنابيب الغاز الذي يربط المغرب بأوروبا، على سبيل المثال.
رؤية مستقبلية
على الرغم من أن الهيدروجين الأخضر هو مصدر إيرادات واعد، فمن غير المرجح أن تماثل أرباح الهيدروجين الذي ستبيعه المملكة للعالم، تلك الأرباح التي تكسبها من النفط في أي وقت قريب، أيّ إن الوقود الأحفوري ما يزال أكثر ربحًا من الهيدروجين للسعوديين.
لكن بما إن كل الدلائل تشير إلى أن العالم يتحرك نحو مصادر الطاقة النظيفة لخفض انبعاثات الكربون، فمن المتوقع أن تفقد الرياض مليارات الدولارات من صادرات النفط إذا استمرت في الالتزام بالهيدروكربونات وحدها، ويبدو أن السعودية تتصرف وفق هذا الإدراك.
والأهم من ذلك، أن تقديم السعودية لأولويات تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، واستثمارها في الهيدروجين الأخضر، يرسل رسالة لمنتجي النفط الكبار الآخرين في العالم بأنه يجب عليهم مواكبة سباق الطاقة النظيفة.
المصدر: انسايد أرابيا