محمد بلوط-الديار
التدهور المتدحرج الذي تشهده البلاد في ظل انسداد آفاق الحلول جعل احد المراجع السياسية يقول امام زواره امس محذرا ان لبنان بات كالمريض المركون على عتبة الموت السريري، فاما نسارع جميعا الى انقاذه او نتركه الى مصيره.
وفي ظل هذا المشهد المظلم يدور الحديث عن محاولة جديدة ينتظر ان تتبلور في الايام المقبلة لتذليل العقبات واستدراك الموقف بتأليف الحكومة، وتقول المعلومات ان هذا الحديث يترافق مع حركة ديبلوماسية ناشطة في بيروت بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي التي لم تفض الى اي نتائج. وان هناك اتصالات خارجية توحي بان هناك اجواء ومخاوف جدية من تداعيات غير محسوبة قد تتجاوز الازمة الراهنة وتنذر بمضاعفات تتخطى لبنان.
لكن مصادر الاطراف اللبنانية الفاعلة لا تعكس حتى الآن اي اجواء ايجابية ومشجعة، وتلتقي على ان الطريق ما زالت مقفلة امام الحلول، ولا شيء استجد يوحي او يؤشر الى امكانية احداث خرق سريع في جدار الازمة.
كيف يتعاطى طرفا النزاع الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر من جهة، والرئيس الحريري وتياره من جهة اخرى مع المشهد القائم ؟
تكشف مصادر مطلعة، ان موضوع اعتذار الحريري الذي سرّب وجرى تظهيره للاعلام في الايام الاخيرة اخذ حيزا من الاهتمام والبحث في الدوائر المحيطة برئيس الجمهورية وفي الهيئة القيادية للتيار الوطني الحر، وهناك اجماع في بعبدا وداخل قيادة التيار على الاستياء الشديد من مواقف الحريري الاخيرة وتشدده في التعاطي مع الجولة الاخيرة من جولات السعي الى تأليف الحكومة محملة اياه مسؤولية العرقلة والتعطيل.
لكن وجهتا نظر برزتا في التحليل والتعاطي مع رمي فكرة الاعتذار عبر وسائل الاعلام :
– الاولى: تقول ان التعايش مع الحريري او الرهان على تعديل موقفه لتسهيل الحل امر صعب جدا او يكاد يكون مستحيلا، وبالتالي من الافضل حسم الموقف معه والتفتيش عن البديل .
– الثانية: ان الحديث عن الاعتذار اليوم مصدره بيت الوسط وان هدفه استخدام هذه الورقة لرمي الاتهامات على الطرف الآخر اي بعبدا والتيار ومحاولة الضغط بالذهاب الى خطوات اخرى منها استقالة كتلته من المجلس النيابي لشل الدولة والبلد.
وتقول المعلومات ان النقاش دار حول كيفية التعاطي مع هذا الموضوع ، فأبدى البعض حماسة للرد على هذه التسريبات بشكل مباشر واعلان موقف منها، بينما رأى الآخرون وهم القسم الاكبر ان التعاطي معها يكون بتجاهلها كليا، لان المشكلة ليست عند بعبدا او التيار بل عند بيت الوسط.
وتضيف المعلومات ان الرئيس عون حسم الموقف بعد ان استمع الى تحليل بعض المعاونين والمقربين منه، مؤكدا على تجاهل هذا الامر ما دام انه مجرد تسريبات او عملية جس نبض، ومشددا على الاستمرار في الموقف الذي طالما اكد عليه وهو ان الكرة في ملعب الحريري الذي يجب ان يبادر الى تقديم تشكيلة حكومية متكاملة وفق الاصول الدستورية ، وقد عكست الهيئة السياسية للتيار هذا الموقف بعد اجتماعها مؤخرا برئاسة باسيل الذي يبدو انه كان منسجما مع وجهة نظر عمه في هذا المجال.
وحسب المعلومات ايضا، فان بعبدا والتيار توقفا عند تسريب موضوع الاعتذار اليوم بعد ٨ اشهر من الازمة والتعطيل، واعتبرا ان الحريري الذي يجد نفسه في موقف صعب بعد ان لمس مباشرة انزعاج واستياء باريس من مواقفه الاخيرة، يحاول ان يستخدم هذه الورقة موحيا بأنه يملك زمام المبادرة وملوحا بالذهاب الى ابعد من ذلك بقلب الطاولة في وجه الجميع والاقدام على استقالة كتلته من المجلس، تليها بشكل تلقائي خطوة مماثلة للقوات اللبنانية التي تتربص مثل هذه الفرصة ما سيؤدي الى شلل كامل.
وتقول مصادر مطلعة حول هذا الموضوع ان الحريري يدرك مخاطر الاقدام على مثل هذه المغامرة لان نتائجها ستكون وخيمة، عدا انها ستكون كمقامرة برصيده وموقعه.
وفي المقابل تكشف المعلومات ان الحريري لم يخف مؤخرا امام بعض المقربين شعوره بالمرارة بسبب الظروف التي احاطت بمسار سعيه لتشكيل الحكومة منذ تكليفه وحتى اليوم محمّلا الرئيس عون وصهره باسيل مسؤولية التعطيل، رافضا كل الاتهامات الموجهة اليه ومنها تحميله مسؤولية المماطلة بانتظار الضوء الاخضر السعودي.
وتقول المعلومات انه في ضوء الضغوط التي تعرض لها من قبل، وبعد اللقاء الاخير مع الرئيس عون، فضل الجنوح اكثر الى التشدد وتعامل مع المساعي الاخيرة حول صيغة الـ ٢٤ وزيرا بصلابة رابطا القبول بها باستبعاد اي شكل من اشكال الثلث المعطل الظاهر او المقنع على حد تعبيره لاحد الوسطاء.
وتضيف المعلومات ان الحريري تمسك برفض مشاركة عون بتسمية الوزيرين المسيحيين خارج حصته (٨ وزراء )، وانه ابدى ميلا لرأي ما يسمى بنادي رؤساء الحكومات السابقة في آخر اجتماع له الذي اكد على استمراره في التكليف مع التشدد في المفاوضات مع عون.
وفي وقت لاحق، قيل ان موضوع الاعتذار قد طرحه بعض المقربين من الحريري مدعوما من قبل احد رؤساء الحكومة السابقين بصورة غير مباشرة تفاديا لاي احراج، وكان جواب الحريري ان هذا الخيار بات مطروحا بعد ان كان مستبعدا كليا، لكنه يحتاج الى درس من كل جوانبه.
ووفقا للمعلومات ايضا، فان الموضوع بقي في هذا الاطار قبل ان يفرج الحريري عن تظهير هذه الفكرة في الاعلام لاختبار ردود الفعل، مع العلم انه تلقى اكثر من نصيحة بعدم الاقدام على هذه الخطوة لا سيما من الرئيس بري.
وتقول مصادر في بيت الوسط ان التأويلات والتفسيرات لموضوع اعتذار الحريري وما يقال عنه في وسائل الاعلام هي تحليلات وقراءات متنوعة، لافتة الى ان الكلام عن انه مناورة من الرئيس المكلف هو محاولة لذر الرماد في العيون، لانه ليس بحاجة ولا يعتمد مثل هذا الاسلوب، فموقفه صريح وواضح ولا يقبل التأويل، ويتلخص بالآتي : حكومة اختصاصيين غير حزبيين خالية من الثلث المعطل لاي طرف كان، وقادرة على تحقيق الاصلاحات وكسب ثقة المجتمع الدولي.
وتضيف المصادر ان الحريري وضع كل الخيارات امامه منذ التكليف، وان خطواته تنطلق اولا واخيرا من قناعاته التي انطلق منها منذ اللحظة الاولى لتحمله المسؤولية، وتلفت الى ان الرئيس المكلف ليس بموقع ضعيف ، ولا يخضع لاختبارات او ضغوط. واذا اراد ان يقدم على خطوة معينة فانه لن يتردد في اتخاذها في اي وقت.
وفي ظل هذا المشهد المعقد للعلاقة بين بعبدا وبيت الوسط ، يبقى السؤال ما هي الفرص المتاحة لنجاح المحاولات الجديدة المنتظرة في الايام المقبلة لتشكيل الحكومة ؟
مصادر في التيار الوطني الحر تقول ان الحريري هو من اقفل الباب في وجه المساعي الاخيرة بحجة رفض الثلث المعطل غير المطروح اصلا ، ومن استمع اليه مؤخرا كما ينقل لنا يقول ان مستمر في تصلبه بشكل غير مسبوق او مبرر.
وردا على سؤال تقول المصادر « ليس صحيحا ان هناك اصرارا على عقد اجتماع بين الحريري وباسيل ، لقد قلنا دعكم من هذا الموضوع، فليبدِ الرئيس المكلف تجاوبا جديا مع الافكار المطروحة للحل، لكن الجواب حتى الآن هو المزيد من المناورة والمماطلة».
اما مصادر تيار المستقبل فتقول ان اتهام الحريري بالتصلب هو اتهام باطل ، والحقيقة ان الرئيس عون وصهره باسيل متمسكان بالثلث المعطل في كل الصيغ التي طرحت ، وان اصرارهما على تسمية الوزيرين المسيحيين الاضافيين يعني انهما يريدان هذا الثلث وحبة مسك.