أكد المحامي حسني أبو حسين، الذي يدافع عن عائلات حي الشيخ جراح في القدس وحقهم في السكن في بيوتهم، في حديث مع “اندبندنت عربية”، أن قرار تأجيل المحكمة، التي كان من المقرر أن تعقد جلستها، الاثنين، لإصدار قرارها حول طرد أربع عائلات من حي الشيخ جراح، أسهم في منع تصعيد أخطر مما هو عليه في القدس ومختلف المناطق في الداخل الفلسطيني والخارج. وأكد أن القرار جاء في أعقاب طلب تقدم به مع زميله المحامي سامي أرشيد، يدعو فيه المحكمة إلى حضور المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي مندلبليت الجلسة، وتقديم تفسيرات وبينات تظهر الخلفية القانونية التي تدعيها الجمعية الاستيطانية لسيطرتها على البيوت.
وأضاف “في مثل هذه الجلسات لا يمكن حسم الموضوع من دون تفسير قانوني لدولة إسرائيل المتمثلة بمستشارها القانوني، حول كيفية تحويل السلطات الرسمية ذات الشأن ملكية البيوت إلى دائرة تسجيل الأراضي ودائرة مأمور الأملاك، وهو أمر يناقض ما في حوزتنا من أدلة ومستندات حصلنا عليها من الأرشيفين العثماني والأردني وتؤكد الملكية الفلسطينية لهذه البيوت”.
وبحسب المحامي أبو حسين، فقد رد المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية بطلب منحه أسبوعين لفحص الموضوع، وتقديم رد يظهر ما في حوزة المؤسسات الإسرائيلية من أدلة ومستندات تؤكد الادعاء الإسرائيلي، ومن ثم تعين المحكمة الإسرائيلية العليا جلسة في غضون أسبوعين من تقديم تفسير المستشار القضائي للحكومة.
وأكد المحامي أبو حسين أن الجمعية الإسرائيلية “نحلات شمعون”، التي حولت ملكية حي الشيخ جراح إليها، قامت بتزوير مستندات ونجحت من طريق الغش والتزوير في نقل الملكية من أصحابها الفلسطينيين الأصليين إليها، بالتالي نقلتها إلى العائلات اليهودية التي استولى بعضها على عدد من البيوت.
وبحسب الإجراءات التي اتخذتها المحكمة في أعقاب طلب محامي العائلات الفلسطينية وطلب المستشار القضائي بمنحة مهلة أسبوعين، من المتوقع عقد الجلسة أواسط الشهر المقبل.
ويؤكد أبو حسين أن المستندات التي حصلوا عليها من الأرشيف العثماني ثم الأردني تؤكد أن ملكية الحي تعود إلى عائلة حجازي المعروفة أيضاً بعائلة “السعدي”، التي كانت تسكن في حي السعدية في القدس.
ويرى أن التحركات الشعبية، المحلية والعربية والدولية، من شأنها أن تسهم في كشف حقيقة التزوير وضمان الحق في السكن والعيش للعائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح وإخراج جميع العائلات اليهودية منها. ويقول “كلي أمل أن ننجح في هذه المعركة، على الرغم من صعوبتها في ظل السياسة الإسرائيلية في السيطرة على الممتلكات الفلسطينية في القدس ومختلف أحيائها الهامة”، مضيفاً “حتى تقديم تفسير المستشار القضائي للحكومة وموعد تعيين الجلسة، سنتخذ خطوات إضافية وسنبذل كل جهد لضمان وجود جميع الأدلة والمستندات التي تؤكد التزوير والغش”.
تقدير أمني سري أسهم في التأجيل
تناقضت التصريحات والمعلومات حول دوافع المحكمة لتأجيل جلستها، الاثنين، وتحدثت جهات إسرائيلية مختلفة عن أسباب عدة رفضها أبو حسين، مؤكداً أنها جاءت ضمن إجراءات ضرورية بعد موافقتها على طلب حضور المستشار القضائي للجلسة وتقديم تفسيراته لنقل الملكية.
وفيما تحدث البعض عن طلب تقدم به وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، إلى المحكمة بتأجيل جلستها بسبب الأوضاع الأمنية التي تشهدها القدس والاحتجاجات على ترحيل الفلسطينيين عن حي الشيخ جرّاح، ذكرت جهات إسرائيلية أن أجهزة الأمن قدمت إلى المحكمة ما أسمته “تقديراً سرياً” يشمل وجهة نظرها في توقيت بحث القضية وإمكانية أن يؤدي أي قرار يتخذ إلى تصعيد ميداني في القدس خصوصاً، والداخل الفلسطيني والخارج عموماً، وهو تصعيد توقعت الأجهزة الأمنية أن يؤدي إلى وضع من الممكن معرفة بدايته، لكن أحداً لا يعرف كيف سينتهي.
وضمن ما تم تداوله، فإن المستشار القضائي للحكومة قدم بنفسه تقدير الأجهزة الأمنية الذي وقع عليه رئيس مجلس الأمن القومي، مئير بن شبات، بعد أن صادق عليه جميع المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين من مختلف الأجهزة الأمنية.
وضمن الخلفيات المتعددة لتأجيل الجلسة ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سعى إلى جانب وزير الأمن بيني غانتس إلى تأجيل الجلسة في أعقاب التحذيرات الأميركية والأوروبية حول تداعيات التصعيد في القدس، والعنف الذي تستخدمه الشرطة الإسرائيلية معززة بقوات أمنية كبيرة تجاه الفلسطينيين.
من جهتها، دعت لجنة أهالي حي الشيخ جراح إلى تكثيف الحراك الشعبي والعربي والعالمي لوقف تهجيرهم، وبمعظمهم من العائلات التي هجرت عام 1948.
ايال بنفنستي: حق الملكية لليمين بتجاهل حق الفلسطينيين
في وقت تخرج فيه الأصوات السياسية والأمنية والاستيطانية مدافعة عن حق العائلات اليهودية في ملكية حي الشيخ جراح، خرجت جهات سياسية وقانونية محذرة من السياسة الإسرائيلية في هذا الملف.
ايال بنفنستي، أستاذ القانون الدولي الذي شغل عدة مناصب في جامعة كامبريدج ويحاضر في القانون الدولي، حالياً، في جامعة القدس، يحذر من سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه حي الشيخ جراح، خصوصاً ما يتعلق بحقوق الإنسان. ويقول “لقد ركزت المداولات التي جرت في المحاكم الإسرائيلية على جوانب في نطاق القانون الخاص، مسائل ملكية وإيجار محمي، لكن زاوية النظر القانونية الضيقة هذه لا تسمح بفحص جميع الحقوق في هذه القضية الطويلة والبائسة، لأن النزاع حول امتلاك بيوت الشيخ جراح ليس فقط نزاعاً خاصاً على حقوق الملكية. فبالنسبة إلى جمعيات اليمين يدور الحديث عن مهمة وطنية تتعلق بإنقاذ الأرض، والقضاء الخاص هو فقط وسيلة لتحقيق هذه المهمة الوطنية – السياسية السامية. بالنسبة إلى عائلات الحي، يجري الحديث عن بيوت تم بناؤها منذ سنوات طويلة، وُلد فيها جيلان وكونا حياتهما ومجتمعهما”.
ويشدد بنفنستي على أهمية النظر إلى جانب حقوق الإنسان الذي يقع في مركز الخلاف القانوني، ويقول “الحق في حياة عائلية ومجتمع، هو حق شخصي ودستوري، ينبع مصدره من فكرة كرامة الإنسان وحريته، وحق الملكية المعترف به في قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته. الحق الدستوري للملكية يعد أحد الحقوق الأساسية التي يعدها قانون الأساس، ليس فقط بسبب أهمية حماية الملكية الخاصة، بل أيضاً ربما هناك مجال للقول، فقط، بسبب وجود الحالات التي يجب فيها حماية الملكية من قبل الهيئة التشريعية”.
ويؤكد بنفنستي أن “الحق الدستوري للملكية يحمي بشكل خاص الأقليات، التي قوتها السياسية مقلصة، من تطلع الأغلبية للسيطرة على أملاكها. وطبقاً لذلك قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه من أجل الدفاع عن حق السكن للإنسان الذي ينتمي إلى مجموعات أقلية، يجب الاهتمام بأن يكون له الحق في المشاركة بصورة كاملة في إجراءات التخطيط وغيرها، التي يمكن أن تؤثر على قدرته في مواصلة التمتع بمقر إقامته”.
ويوضح بنفنستي أن الفحص الدستوري لا يحمي حق الملكية في العقارات فحسب، بل هو يحمي أيضاً الحق في حيازة المنزل. ويقول “للتوتر الموجود بين حقوق الملكية وبين وضع اليد يوجد وجه دستوري آخر، أي وزن يجب أن نعطي لحقيقة أن عائلات الشيخ جراح حصلت على حقوق استئجار لأجيال من الحكومة الأردنية التي كانت في ذلك الوقت، حسب القانون الأردني، هي مالكة الأرض والموكلة بإعطاء الملكية عليها؟ يعترف القانون الدولي والقانون الدستوري بحقوق الساكنين الذين اشتروا حيازة الأرض بحسن نية وحسب القانون المعمول به في الدولة في زمن الشراء، وأقامواعليها بيوتهم وسكنوا فيها لأجيال، في مواصلة السكن في بيوتهم. لقد اشترت عائلات الشيخ جراح حقوقها في بيوتها بحسن نية، حسب القانون الساري في الدولة، ومقابل التنازل عن مكانة أفرادها كلاجئين. لكن مطالبتهم بحق الإيجار من الدولة فُقدت بموجب القانون الإسرائيلي الذي لم يكونوا شركاء في سنه، والذي لم يأخذ في الحسبان العواقب الوخيمة عليهم. في المقابل، لم يكن للمالكين الحاليين للأرض الفارغة أي صلة بالعقار باستثناء المقابل الذي دفعوه مقابل الشراء. إن الجانب الدستوري من المسألة، جانب حقوق الإنسان، الموجود ضمن القانون الأساس الإسرائيلي والقانون الدولي، لم يحظ بتسليط الضوء عليه في المحكمة الإسرائيلية. وقد مكن إطار المداولات الذي اختارته جمعيات اليمين من إجراء نقاش فقط على ذريعة الملكية الضيقة. والسؤال الدستوري الأعمق والأوسع يقف على باب المحكمة الإسرائيلية العليا”.
مسيرة القدس احتفالاً باحتلالها
وفي جانب آخر من تأجيل جلسة المحكمة، عقدت المؤسسة الأمنية والشرطة الإسرائيلية سلسلة مشاورات في كيفية التعامل مع المسيرة السنوية التي يقوم بها اليمين الإسرائيلي في “يوم القدس”، احتفالاً باحتلالها، وهي مسيرة معروفة باسم “مسيرة الأعلام”، التي يطوف بها اليمين الإسرائيلي شوارع المدينة، ومن بينها شوارع محاذية تماماً للأحياء الفلسطينية والبلدة القديمة.
وفيما عبر البعض عن خشيته من أن تسهم المسيرة في تصعيد أكبر للأوضاع، أصدرت الشرطة بياناً اعتبره الفلسطينيون استفزازياً وانعكاساً لسياسة وتعامل الشرطة مع الفلسطينيين. فقد جاء في البيان أن الشرطة ستنشر قواتها بشكل مكثف، مضيفة “سيتم التعامل من قبل عناصر الشرطة بـ”صفر” تسامح تجاه أي عنف جسدي أو حتى كلامي من قبل الفلسطينيين”.
ومع احتدام المواجهات في القدس بالتزامن مع انطلاق المسيرة، قرر بنيامين نتنياهو، في اللحظة الأخيرة، وخلافاً لموقف القائد العام للشرطة الإسرائيلية، كوبي شبتاي، ووزير الأمن الداخلي أوحانا، منع “مسيرة الأعلام” من السير في المنطقة المحاذية للمسجد الأقصى، وتحديداً “باب العمود”. وجاء قرار نتنياهو في أعقاب توصيات قدمها “الشاباك” وقادة الجيش الإسرائيلي، الذين اعتبروا وصول المسيرة إلى ما أسموها “المنطقة المشتعلة”، من شأنه إحداث مواجهات، وسيكون من الصعب السيطرة على الوضع.
وهذه السنة هي المرة الأولى منذ أكثر من 30 سنة لم تمر هذه المسيرة من أمام “باب العمود” في القدس الشرقية، وهو أمر اعتبرته حركة “الجهاد الإسلامي” انتصاراً للمقدسيين، فيما حذرت “حماس” من بقاء عناصر الشرطة بعد السادسة، ونفذت تحذيرها بإطلاق أكثر من 30 صاروخاً حتى السابعة سقط أحدها في القدس والحق أضراراً في بيت عائلة يهودية.
وفور إطلاق “حماس” تحذيرها، دعا نتنياهو إلى عقد جلسة طارئة للمجلس الوزاري الأمني المصغر، أقرت خطة هجوم جوية ضد قطاع غزة.