فلسطين ومستقبلها يُبحثان في فيينا النووية

المصدر : بسام ابو شريف

– اللحظة الراهنة تحدد مهمة عاجلة للشعب الفلسطيني: اكتساح كل الأطر القيادية المهزومة داخليا، والخاضعة للمحتل.

– مباحثات فيينا ستطول لأن موضوعها ليس العقوبات المفروضة على ايران بل قضايا شعوب الشرق الأوسط، وهي حسب الأولوية : فلسطين ” الاحتلال الاسرائيلي”، والعراق، واليمن، وسوريا، وليبيا .

– في فيينا صراع غرب – غرب، وغرب – شرق، وشعوب ضد الاستعمار، فتتقاذف التصريحات الصادرة الباحثة عن أطراف فيينا الباحثة عن حلول، المراقب أو المعني بما يدور في فيينا، فمن تصادم الى تحفظ، الى اعلان بانفراج، الى نفي أوغيره، ولذلك يعيش المتابعون في جو من عدم الثقة بنتائج فيينا .

ماذا يجري في فيينا ؟

تصريحات اميركية، وبريطانية متتابعة تنفي صفقة تبادل أسرى بين اميركا وبريطانيا من جهة، وايران من جهة اخرى، وكانت المباحثات قد توصلت الى اتفاق حول تبادل الأسرى وتنص على أن تفرج واشنطن مع أسرى ايران عن سبعة مليارات – 10 مليارات دولار جمدت في اميركا كعقاب لايران، وأن تفرج بريطانيا عن أسير ايراني، وتلغي دينا بقيمة 450 مليون جنيه استرليني ثمن مدرعات اشترتها ايران قبل قرار مجلس الأمن، الذي يحظر بيع وشراء السلاح من ايران، سارعت واشنطن ولندن الى نفي خبر الصفقة بطريقة توحي (أنها لم تنضج بعد )، لكن هذا الاسراع بالنفي، ونكرانه يشير الى نوع من الهلع والخوف لدى واشنطن ولندن من نشر الخبر، الذي قد يوحي بتنازل الغرب لايران، وعندما انبرت تصريحات عبر شريط مسجل تنفست واشنطن ولندن الصعداء لأنها ” واشنطن ولندن “، ظنتا أن خلافا كبيرا قد دب بصفوف الايرانيين، وتحديدا بين الحرس الثوري والرئاسة الايرانية وخارجيتها، ليس هذا فحسب بل اتخذ ممثلو واشنطن ولندن موقع المتشدد ازاء شرط ايران لرفع كافة العقوبات التي فرضها ترامب بعد خروجه من الاتفاق النووي، لكن فرحة الغرب التي فرضت على ممثل روسيا أن يتراجع بتفاؤله، ويشير الى الحاجة لوقت طويل لم يطل، فقد حسم خامنئي قائد الثورة هذا الأمر : –

– فوجه انتقادا شديدا لظريف، الذي اعتذر علنا عن الخطأ الذي ارتكبه، ليس هذا فحسب بل وعد الغرب بأن يجهض كل العقوبات بزيادة الانتاج الوطني الايراني، الذي سيوصل العقوبات الى مرحلة ” عدم التأثير “، ومن الأكيد أن قائد الثورة لم يتحدث تفصيلا حول هذا الأمر، لكن كان في ذهنه تفعيل حيوي لاتفاقات ايران الاستراتيجية مع الصين، وروسيا، وفنزويلا وسوريا، والعراق، وقد يكون قد ألمح الى قرب تغيير في معادلات العلاقات بين دول الشرق الأوسط.

لو كانت المعضلة في التزام ايران بالاتفاق النووي لما نشأت في الأصل، فايران ملتزمة بالاتفاق، وكانت الأمور تسير بشكل سليم قبل خروج ترامب من الاتفاق، واعتبار الاتفاق غيركاف !!!، عودة واشنطن للاتفاق، الذي كان ساري المفعول لا يتطلب مفاوضات، بل ينصب على نتائج وتبعات خروج واشنطن من الاتفاق، وعودتها له، أي أن بامكان واشنطن أن تعلن عودتها للالتزام بالاتفاق، والغاء كافة العقوبات التي اتخذها ترامب ليس لأن ايران لم تلتزم بالاتفاق، بل (لالزام ايران باتفاق جديد يريده البيت الأبيض)، ويتضمن تجميدا للصناعات العسكرية الحساسة كالصواريخ والمسيرات، وحسب تعبير واشنطن، ومحمد بن سلمان ” تغيير سلوكها السيء في المنطقة”.

ماهو سلوك ايران السيء الذي تطالب واشنطن ولندن وتل ابيب والرياض تغييره ؟

الاجابة عن هذا السؤال، هي الاجابة عن سؤال : ماذا يدور في فيينا؟

أكد لي مصدران أحدهما اميركي، والآخر روسي أن الاتفاق حول “برنامج رفع العقوبات” والعودة للالتزام الكامل بالاتفاق قد أنجز، لكن هنالك دوائر في الولايات المتحدة تصر على عدم التقدم قبل ضمان موافقة ايران على التفاوض حول سلوكها في المنطقة، وصناعة الصواريخ الباليستية وتطويرها، ودعمها لفصائل محور المقاومة، الذين تعتبرهم واشنطن “خطرا”، يتهدد مصالحها ومصالح اسرائيل فيينا (أي للتفاوض مع ايران عن الاوروبيين والروس )، لايقصد بالمسافة الطويلة، أو العقبات الأساسية بل رفع العقوبات، فالولايات المتحدة اتخذت قرارا برفع العقوبات، التي فرضها ترامب تماما كما ألغت سور الحدود مع المكسيك ـ انه يتحدث عن حرب اليمن، والمقاومة في فلسطين، والمقاومة في العراق، وعن مقاومة سوريا التي ترتفع حرارتها هذه الفترة بشكل ملحوظ، فالولايات المتحدة ممثلة بادارة بايدن تسعى لتأمين مصالحها، ومصالح اسرائيل أولا، وبعد ذلك مصالح الأنظمة المرتبطة بها، والخاضعة لها كالسعودية، والامارات، والمغرب، ودول خليجية لتثبيت أقدامها في ليبيا من خلال الوضع القيادي الهزيل، الذي شكلته مؤقتا لاجراء انتخابات تتحكم هي وحلفائها فيها للسيطرة على الثروة الليبية، دائما هدف واشنطن السيطرة على الثروات، واسرائيل هي احدى أدواتها كشريك للسيطرة على هذه الثروات، فدعم البيت الأبيض لاسرائيل لاعلاقة له باليهود، وكذلك فان نشاط الحكومة الصهيونية لاعلاقة له باليهود كطائفة دينية، بل هي مصالح مالية، واقتصادية استعمارية الطابع تعتمد على نهب ثروات الشعوب.

القائد خامنئي قال لواشنطن ببساطة ان عقوباتكم سوف تجهض …. ماذا يعني ذلك؟

لقد أبلغ السيد القائد خامنئي الايرانيين، والعالم بأن استراتيجية ايران، وصمودها، وقدرتها على تطويرالانتاج المحلي سوف يجعل من عقوبات اميركا تذهب أدراج الرياح، فالوضع الراهن أثبت صمود ايران، وبأس فصائل محور المقاومة، واعلانا رسميا بدفن ” الخوف من الامبريالية والصهيونية “، ليس هذا فحسب بل ان لدى القيادات المعنية بالتصدي لواشنطن ولندن، وباريس من القدرة على هز أركان هذه العواصم، وهي لاتشير لها، ولا تستخدمها الآن …!!

وفي جوهر كلام السيد خامنئي وعد قاطع بالانتصار على واشنطن في الميادين التي اختارتها للصراع، اذا كان ما يثار الآن حول تصريح وزير الخارجية الايرانية قد جعل واشنطن تتفاءل بخلق خلاف قوي داخل المعسكر الايراني، فقد جاء توبيخ القائد خامنئي لوزير خارجية ايران، واعتذار الأخير الفوري عما نسبه ذلك الشريط له ليضع ” حصوة “، في عيون اسرائيل، وواشنطن، وهذا لايعني أن العدو سيكف عن محاولة استغلال عملائه في ايران، أو أماكن اخرى لخلق متاعب، وفوضى داخلية، لكن هذا الأمر لايعد في استراتيجية بايدن خطا أساسيا، فالخط الأساسي هو ذلك الذي سيبحثه وفد واشنطن، الذي سيبدأ هذا الاسبوع جولته في الشرق الأوسط .

الوفد مكون من وزارة الدفاع، ومجلس الأمن القومي الاميركي، وأجهزة الاستخبارات الاميركية، مهمة هذا الوفد الذي سيزور القاهرة “السيسي”، والسعودية، وابو ظبي وربما غيرها من العواصم ” خاصة تل ابيب “، هي البحث في صيغة اتفاق جديد ستحاول واشنطن اقناع طهران به !!، ومن ضمن القضايا الأساسية ستكون:

1- انهاء الحرب في اليمن.

2- قطع جذور نفوذ ايران في العراق.

3- محاصرة سوريا أكثر.

4- دعم خط الركوع لاسرائيل في الساحة الفلسطينية . وتأتي جولة هذا الوفد الهامة على عجل لتلافي التصعيد الخطير، والذي تعتبره واشنطن خطرا على مصالحها في الشرق الأوسط، ففي فلسطين وصلت لواشنطن مؤشرات اقتراب الانفجار في وجه اسرائيل العنصرية وممارساتها بنهب أملاك العرب، وتهجيرهم خاصة في القدس، وتخشى واشنطن من انتفاضة لاتحاصر الاحتلال الاسرائيلي، والاستعمار الاستيطاني فقط … بل تطيح بكل الأطر القيادية في السلطة الفلسطينية، التي أصبحت ربيبة واشنطن، وتل ابيب في المعسكر الفلسطيني وتخشى واشنطن من سقوط مأرب، ولذلك تحاول خلق جبهة اخرى للتعويض في مواقع اخرى في اليمن، ولا شك أن هذا الوفد سيبحث في اعطاء كل الدعم لنشوء تنظيم شبيه أو بديل، أو توأم لتنظيم داعش، فكل ما يحتاجه هذا الأمر مال سعودي، وسلاح اميركي ومشاركة اسرائيلية .

القائد خامنئي رجل ذو رؤية ثاقبة، وارادة صلبة، وايمان عميق بقدرة الشعوب على تحقيق النصر، ولذلك يقول بهدوء : – ” سوف نجهض عقوباتكم ” .

انه انذار لواشنطن، فهو يقول لها اذا كانت العقوبات، وعدم رفعها أداة ضغط علينا، فتأكدوا أن هذا الضغط سيصبح بلا مفعول قريبا، الأهم الآن، هو أن هذه الفترة الزمنية التي يستهلكها حوار فيينا يجب ألا تعتبر فترة انتظار بالنسبة لايران، أو لفصائل محورالمقاومة، ولاشك أن ما يعلنه القادة الايرانيون حول متابعاتهم لتحركات الغرب العسكرية يدل على وعي، وادراك لأهمية التنبه الى مكائد وكمائن العدو، لكن أطراف محور المقاومة تتحمل مسؤولية أكبر من ذلك، اذ أن واجبها يفرض التصعيد بدون أي تردد ضد العدو الصهيوني الاميركي البريطاني في كل مكان، والأمر يتطلب الانتقال من استراتيجية الردع المتبادل الى الهجوم الدفاعي .

اذ لابد من الرد على هدم منازل الفلسطينيين، ومصادرة أملاكهم، ولابد من أن تشعر العصابات العنصرية الحاكمة في اسرائيل انها لاتهدد الفلسطينيين فقط، بل هي تجازف بأرواح المستوطنين

لا للمستوطنين …. لا للاستيطان، ولا للسيطرة على ممتلكات الفلسطينيين، ولتشعل ثورة من نمط جديد أسلحتها حرائق، وحماية للقرى والأرض، وملاحقة للمستوطنين وعصابات الصهاينة .

أما في اليمن، فأبطال المقاومة هناك مطالبون بحسم معركة مأرب …. من الخلف ….من اليسار … من اليمين …. في مقرات المرتزقة .

اننا نقول بموضوعية بأن في الأفق تباشير تكسير كل من تخاذل، وركع لاملاءات العدو ….

وفي الأفق تلبك، وفوضى في صفوف العدو .

وفي الأفق هزيمة تحتاج لانجازها ضد العدو … قيادات شجاعة لاتخشى العدو، ولا الموت .

Exit mobile version