القدس تدلي بصوتها في الانتخابات السوريّة
ناصر قنديل-البناء
– عاشت المنطقة سنوات الحرب على سورية وهي تنتخب وكانت سورية صندوق الاقتراع الذي وضع فيه الجميع أصواته أموالاً وسلاحاً وفتاوى وتدخلات وحشود المستجلَبين من كل أنحاء الدنيا للقتال في سورية، وصوّت مع سورية بالدم حلفاء مخلصون صادقون، كانوا أقلية، لكنها مع الحق وسورية صارت أكثرية. وكتب النصر لسورية، وليس من باب الصدفة أن يجعل أعداء سورية عنواناً لتصويتهم استهداف الرئيس بشار الأسد والدعوة لرحيله، وأن يحمل محبّو سورية دماءهم وأرواحهم للتصويت مع سورية بنعم للرئيس بشار الأسد. وعندما أدلى الحكام العرب بأصواتهم ضد الرئيس بشار الأسد بكل ما يملكون، لأنه رمز للكرامة العربية وللتمسك بفلسطين والثبات على الحق العربي ومفهوم دولة الاستقلال، كان العرب الأحرار يفعلون العكس للسبب ذاته.
– في الصندوق المفتوح للاقتراع على مساحة العالم وعلى مدى السنوات العشر الماضية، صوت الجميع، ولم يكن هناك مرشح يقابل الرئيس بشار الأسد، بل خيار، خيار الفوضى والتقسيم والإرهاب، وخيار الموت والحصار، وخيار تضييع الجولان والتطبيع مع الكيان، لأن الرئيس بشار الأسد مثل في هذا الاقتراع الكوني على مستقبل سورية خيار الوحدة والاستقلال والتمسك بالجولان وفلسطين، وكيان الاحتلال لم يكن محايداً ولا بعيداً عن هذا الاقتراع، فقد أدلى بتصويته مراراً وتكراراً، فمنذ بداية الحرب على سورية أعلن قادة الكيان انحيازهم لخيار إسقاط سورية وجيشها ورئيسها، وأعلنوا تباعاً أن تنظيم القاعدة حليف موثوق، وأعلنوا بغاراتهم أنهم مع تفتيت سورية وإضعافها وتقسيمها وتقاسمها، ويعلنون اليوم بقوة تصويتهم ضد خيار تعافي سورية واستعادة وحدتها.
– لم يتأخّر الفلسطينيون عن فعل الشيء نفسه بالتصويت في صندوق الاقتراع المفتوح حول مستقبل سورية، فعندما جاهر بعض الفلسطينيين بدعم الخراب في سورية وشاركوا بصناعته، خرجت في البداية قلة من الفلسطينيين في الجليل تشكل اللجنة الشعبية للدفاع عن سورية وتقدّمتها الناشطة صابرين دياب، التي تمضي حجزاً أمنياً إلزامياً في منزلها منذ شهر تقريباً، لأنها بادرت لتحضير تأبين لائق باسم فلسطين والقدس للراحلين اللواء بهجت سليمان والأستاذ أنيس النقاش علامة التلازم بين فلسطين وسورية والمقاومة، وفي عشرات الاعتصامات رفعت صابرين ورفاقها صور الرئيس بشار الأسد في حيفا والقدس وعشرات المدن والبلدات الفلسطينية، فالفلسطينيون الصادقون بالولاء لفلسطين، أدركوا مبكراً أن التصويت حول مستقبل سورية، ورئيسها، هو تصويت حول مستقبل فلسطين، ولم يتوانوا لذلك عن المجاهرة بصوتهم العالي بخيارهم الواضح بانحياز لسورية وجيشها ورئيسها.
– القدس التي شهدت في حي الشيخ جراح صولات وجولات المعتصمين يحملون صور الرئيس بشار الأسد والأعلام السورية، وقد زيّنت الأعلام السورية وصور الرئيس الأسد خيم الذين طردوا من منازلهم، وجدران منازل الذي ينتظرون قرارات التهجير، هي القدس التي تنتفض اليوم، وباحات المسجد الأقصى التي سجلت فيها أصوات هؤلاء الأحرار دعماً لسورية ورئيسها هي الساحات التي تشهد اليوم المواجهات البطولية مع جيش الاحتلال، مثلها مثل شوارع وأزقة حي الشيخ جراح، وكما يدرك الاحتلال، يدرك العرب والعالم، استحالة الفصل بين نتائج التصويت الجاري في سورية بعد أيام، والتصويت بالقبضات والأقدام والأرواح والدماء الذي يجري في القدس هذه الأيام، وأن الذين يصوتون هناك سيقررون وجهة التصويت هنا، والعكس بالعكس، وكما قالت السنوات العشر ستقول الليالي العشر.
– العرب، والسوريون والفلسطينيون، منهم، يدركون أنهم يخوضون معركة واحدة لها عنوان واحد، أن اليد العليا لكيان الاحتلال تقابلها سورية ضعيفة ومفتتة ومقسّمة، وأن اليد العليا لسورية المتعافية القوية القادرة الواحدة السيدة، يقابله عز وكرامة للعرب وفي مقدّمتهم فلسطين وقدسها، كما يدركون أن بلداً وحيداً ورئيساً وحيداً يمكن أن يشكل تغييراً جذرياً للمعادلة في المنطقة وداخل كل بلد عربي؛ فمع سورية المنتصرة والأسد المنتصر، لا محاور عربيّة ولا صراعات وتصفية حسابات وانتقام، بل محور واحد يردّ الاعتبار للتضامن حول فلسطين، وسند لمصر بوجه مخاطر حروب المياه، وللعراق بوجه الفوضى، وللبنان بوجه الضياع، وسند لبلاد المغرب لعودة الروح للهويّة، وسند لدول الخليج للخروج من إثم التطبيع وحرب العبث في اليمن، ولأن الأمل لدى الشعوب يرتبط بالخيارات الواضحة، فقد أوضحت سورية خيارها ممهوراً بالدم، بأنها مع رئيسها الدكتور بشار الأسد قاعدة صلبة لخيار الوحدة والاستقلال والمقاومة. وهذا لم يغب عن المنتفضين في القدس بصفتهم طليعة الصوت العربيّ الحر، فمنهم من اعتبر صاروخ ديمونا ساعة صفر الانتفاضة، وقال شكراً لسورية وللأسد، ومنهم من قال إن الانتفاضة هي صوت ترجيحيّ في الانتخابات السوريّة لصالح الرئيس الأسد، رغم أنف الكارهين، بمقدار ما هي تصويت ضد تهويد القدس وضياع فلسطين.