فؤاد البطاينة
إن ما يحدث في القدس من اختراق شعبي فلسطيني لصفقة القرن وللتطبيع العربي والهوان العربي، ومِن فرض لعروبة القدس وإسلاميتها بالدم الفلسطيني كاف ليحرك شعوبنا. تجارب التاريخ تخبرنا بأن الشعوب تتحرك لا محالة ولكنها لم تخبرنا متى. وهذ يربطنا بتفسير منطقي عن تأخر الشعب العربي عن الشعب الفلسطيني. فأحاسيس المواطن العربي بعروبته والتزاماتها تراجعت بالقدر الذي امتص به حليب سايكس بيكو ودور حكامه في تكريس الإقليمية حتى أصبح فريسة للثقافة التي يجري ضخها فيه. واصبح ينظر لاحتلال فلسطين وتحرير الأقصى مسؤولية فلسطينية.. بينما الفلسطينيون فلم تقم دولتهم ولم يمروا بتجربة الإقليمية وسايكس بيكو، وبقي ارتباطهم عربياً رغم تلقيهم الصدمات من حكام العرب وتخاذل شعوبه. وبقيت نظرتهم للقدس والأقصى قضية حياة أو موت. فلم يتهربوا من مسؤوليتهم لا كفلسطينيين ولا كعرب أو مسلمين. إلا أن مشاعر المواطن العربي المزيفة بدأت تتبدد نتيجة الوعي على ما يفعله ويواجهه الفلسطينيون نيابة عن الأمة، والادراك بأن أقطار العرب لن تفلت من المشروع الصهيوني وبأن معاناة شعوبها تزداد.
فلا مصلحة لشعوبنا مع حكامها وليس هناك من هدف واحد يجمعنا معهم، شعوبنا مطالبة بأن لا تهادن هذه الأنظمة وأن تصر على استعادة سلطتها ومركزية القضية الفلسطينية التي هي قضية احتلال يمتد لإذلال العرب والمسلمين. فلسطين بوصلتنا الصحيحة لمعاداة هذا وصداقة ذاك. فلسطين تجمعنا. خذلان فلسطين والفلسطينيين ينعكس ذلاً واحتقاراً على كل مواطن عربي، فالعالم لا يدين حكاماً خونة ينجحون في استمرار خياناتهم بل يدين شعوبنا ويستعجب كيف لهذه الأمة أن تتمالك نفسها وهي تشاهد عبر التلفاز تضحيات الشعب الفلسطيني الأعزل دفاعاً عن الأقصى وفلسطين ويدفع الثمن وحده ويواجه المحتل بطريقة تحطم الأساطير التاريخية ويختصرها في فلسطين. أينكم يا رعاة الأقصى والمقدسات ولجنة القدس. هل شاهدتم الرعاة الحقيقين بأعينكم هل شاهدتم دماءهم واستماتتهم، ألا خسئت مفاخر الدجل والذل مفاخركم وخسئت كل المكانس والمماسح ومواد الطراشة التي ترعونها وخسئت المفاتيح معها فقد ردت للمحتل.
كم نحن عاطفيين وكم نحن نتعلق بظلال الحبال. هل قدر علينا أن نبقى كرة تتقاذفها الأرجل لتسجل أهدافاً يصنعها الصهيو أمريكي. متى نصبح اللاعبين؟ أمريكا مع كل إدارة أو مرحلة تخلط ورقات اللعب وحكامنا ينصاعون لها وتنشغل صحافتنا وينشغل كتابنا واللعبة نفسها. وجاءت الخلطة هذه المرة لتتواقت مع انتفاضة الشعب الفلسطيني في الأقصى روح القدس. تعلم إسرائيل قبل أمريكا أنها الإنتفاضة الأخطر عليها بمواصفاتها. إنها الإنتفاضة التي ربما أطاح بها شعب فلسطين بصفقة القرن إلى غير رجعة بأي لبوس، ليرسم طريق الدوس على نظامه الأوسلوي العميل ويُجبر عبيد اليهود من حكام العرب للهرولة لجحورهم.*
ماذا جرى على سبيل المثال من تغيير فكري أو استراتيجي أو تحالفي بين السعودية وسوريا أو بين السعودية وإيران أو بين تركيا ومصر لنشهد هذا الحاكم يتقدم من الأخر خالي الوفاض والأخر يُرحب يه. فوالله هذا لا يحدث بهذه السهولة وهذا التجاهل بين قبيلتين اختلفتا على عنزة أو على قتل شخص واحد، لأن شيخيهما يضعان اعتباراً لناسهم واعتباراً لقانونهم. اليس الفرق بين شيخ القبيلة وهذا الحاكم أن الشيخ يُمثل ناسه ويقيم قانونهم، والحاكم العربي الوطنجي والصهيوني لا يمثل ناسه ولا يقيم قانونهم. فمن يمثل كلا الحاكمين العربيين، ومن يقف خلف تقديم العرض من هذا والترحيب به من ذاك. باختصار نعود للحفاظ على الكرسي ولطلب الحليف أو رضاه. لا تصالح عربي نظيف ولا مقبول إلا على اثنين، فلسطين وسلطة الشعب.
ففي المصالحات والحرابة بين الأنظمة في المنطقة أقول، نحن الشعب العربي يُحرم علينا أن نُخدَع بأي نظام عربي قضى أو ما زال قائماً. نحن شعب كل ما فينا يذبح وكل ما لنا يستباح منذ لحظة دخول الصهيونية لفلسطين. رقابنا نُسلمها طوعاً لحكام يستولون على إرادتنا ليبنون مجداً لعشائرهم أو طوائف أو لأشخاصهم أو لأجدادهم اليهود. عدوهم الديمقراطية وغريمهم الشعب ومعبودهم كرسي السلطة. ومهما كان هذا الحاكم فإنه عندما يغتصب سلطة شعبه بأي طريقة كانت هو خائن ولا شرعية له بأي معيار وضعي أو سماوي. *
يا مواطننا العربي، كل مسعى سياسي أو إداري أو اجتماعي لحكامك هدفه حماية أو تعزيز السلطة. يسخرون لخدمتها الوطن وسياسة الدولة ومصالح شعبهم. يستندون الى تحالف شخصي كأنظمة مع دول أجنبية كبرى لحماية سلطتهم من خطر داخلي. ومن ليست صهيونية من تلك الدول فإنه يهمها بقاء الكيان واستقرار الإحتلال. خلافاتهم مع بعضهم وحربهم على بعضهم وتحالفاتهم وصداقاتهم مع بعضهم ينبع من هذا التحالف. ولولا هذا لما فرق بينهم شيء ولعقدوا فيما بينهم اتفاقية دفاع عسكري عن أنظمتهم. كلهم يستغلون أو يستثمرون القضية الفلسطينية سواء من يقف معها ويعادي الاحتلال أو المطبع. فليست هناك قضية سياسية خلافية حقيقية بينهم ومن يهن عليه ويتاجر بوطن دولته وشعبها يهن عليه جدا أن يتاجر بفلسطين وشعبها وكلهم عكاريت يتمنون توفر الشرط للتطبيع لاستقرار انظمتهم في نظام اقليمي يقبلون فيه أن يكونوا عبيدا لأمريكا كي تضمن لهم السلطة وتوارثها.
ولكن….إنه لفتح قريب عندما نرى الشعب العربي اليوم يستعيد عروبته بالإسلام ويمارس مسئوليته عن مقدسات فلسطين من قلب أوروبا. فمشهد عرب جلهم جزائريين وتوانسة وهم ينزعون العلم الصهيوني عن ممثلية كيانه ويرفعون علم فلسطين هو عمل من أعمال الإنخراط بالقضية المركزية للعرب والمسلمين جاء على وجه التحدي بعد رفض السلطات الفرنسية للسماح لهم بالتظاهر والتعبير عن مشاعرهم. وكذا في عمان الأردن المرابط يخرج الاردنيون لأول مرة من كل أطيافهم في وقفة احتجاج سياسي صرف يصيب قلب أزمتنا لم أسمع به هتافات مطلبية أو فئوية أو وظائفية أو فساد. نحن على الطريق الصحيح إن شاء الله.
كاتب وباحث عربي