هل يقلب عون الطاولة على الأميركيين؟
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يردّد قطب سياسي بأنه كان على حق، حين قدّر أن مسار التفاوض الغير المباشر مع الاسرائليين ورعاتهم الأمريكيين لن يدوم طويلاً، لكونه لم يُحاط منذ البداية وحين تقرّر العودة إليه، بـ”آلية تطبيقية”. وبعد الوصول إلى ما استشرفه سابقاً، يبادر لإسداء النصيحة إلى رئيس الجمهورية بتوقيع المرسوم 6433، ما دام كل فريق يريد مصلحته، وطالما ان ما يتضمنه المرسوم لا يمثل حاجةً للبنان فقط بل مصلحة استراتيجية له.
دعمٌ آخر تلقاه قصر بعبدا مصدره “الحليف القوي”، إذ تولى السيد حسن نصرالله تسيير مُسيّرة مواقف داعمة مسنودة على القوة التي تمتلكها المقاومة، إذ نصح في كلمته الاخيرة على هامش إحياء يوم القدس العالمي الدولة، أن “لا تتنازل عن أي حق من الحقوق”، ومن ثمّ رفَعَ “دوز” التحدّي والمؤازرة بتذكير الدولة بأنها “تعرف أنها ليست ضعيفة ولا أحد يستطيع أن يفرض عليها شيئاً، لا الإسرائيلي ولا الأميركي”. ورسالته، ونسبةً إلى زمانها، يُعد الرئيس عون معنيّاً فيها أكثر من غيره لكونه يمثل خيار الدولة اليوم، ثم تتضمن إشارةً واضحة بخيار موجود على الطاولة، الا وهو القوة، بحيث أن المقاومة التي سبق لها وأن عزمت على الوقوف عند خاطر حماية حقوق لبنان النفطية، لن تبخل في حال استدعى الامر، أن تؤمن عنصر الحماية لحقوق لبنان وحدوده البحرية فور الإعلان رسمياً عنها.
في الواقع، العودة إلى توقيع المرسوم 6433 ، باتت خياراً محتملاً في ضوء ما حصل من تغييرات. فبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، يضع رئيس الجمهورية ميشال عون هذا الخيار كاحتمال أخير قابل للحدوث. وبالنسبة إليه أصبح خياراً مرجّحاً في ضوء الإلتفاف الذي قام به الاميركيون خلال الجلسة الاخيرة في الناقورة، وحين يبلغ مسار المفاوضات غير المباشرة الجمود الكامل الذي يعني سقوطه نهائياً.
أضف إلى ذلك، أن مستويات رسمية مُعينة، باتت في صورة احتمال توقيع الرئيس، وهي تعتقد أن رئيس الجمهورية سيمضي إلى هذا الخيار فور تأكّده بأن المفاوضات لا تُجدي نفعاً، وقد وُضعت سابقاً في صورة هذا الخيار، سيّما وأن الرئيس عون سبق له وأن أبلغ الوفد اللبناني العسكري التقني المشارك في المفاوضات غير المباشرة، إحتمال لجوء الرئاسة إلى قرار توقيع المرسوم معدلاً، حين تجد أن جميع الخيارات قد نفذت منها ولم يعد يصلح من أجل حفظ حقوق لبنان سوى التوقيع.
عملياً، لم يعد لبنان يخسر شيئاً في ضوء الانقلابة الاميركية التي تجسدت في الناقورة. فعلياً، لبنان سّلف الاميركيين الكثير في هذا الملف وغيره ولم يعد يقوى على التسليف. فحين قدم وكيل خارجيتهم ديفيد هيل إلى بيروت وطلب تأجيل توقيع المرسوم، وضع ثمناً غازل فيه الجانب اللبناني وأتى على قاعدة المقايضة بين تجميد التوقيع والعودة إلى المسار التفاوضي الغير المباشر “من دون شروط مسبقة”، لكن ومع إدخال الطرف الأميركي تعديلات تصلح لدعم الجانب الاسرائيلي وسيره في خدمته، بات يحتم على لبنان السير خلف مصلحته ايضاً. وعليه، بات متحرّراً من أي تفاهم، وعليه واجب المبادرة.
وخطوة هيل، على ما تقول مصادر رسمية، قُبلت لبنانياً على قاعدة أن العودة إلى مسار التفاوض الغير المباشر قد يمنح لبنان، في حال الخوض في النقاشات التقنية، مساحات تقع إلى الجنوب من الخط 23، أي عملياً يتحقّق له ما اراده من وراء المرسوم 6433، ونصل إلى الغاية من دون الدخول في نزاع. لكن المفاجأة كانت حين أُعيد تفعيل المسار، إذ ظهر أن الاميركيين وقفوا حائلاً دون استئناف أي نوع من النقاشات لتحصيل ما يمكن تحصيله إلى الجنوب من الخط 23، وأرادوا فرض مشيئتهم على الجانب اللبناني عبر حصر التفاوض في النقطتين 1 و 23. ، لذا، بات واضحاً بأن المشكلة لا تتجسّد في رأس الناقورة، بل تكمن في الرأس الأميركي الذي يتولى التفاوض نيابة عن الإسرائيلي ولا يرى الحل إلا من منظور دولة الإحتلال.
بمعزل عن ذلك، يمتلك لبنان عناصر قوة تصلح لفرض مشيئته، ليس في التفاوض وحسب بل في عرض البحر، وهذه القوة تمثلها المقاومة المستعدة لحفظ حقوق لبنان فور إعلان الدولة رسمياً عن حدودها، وهو ما يجب على الدولة أن تستفيد منه. وبالتالي، ينصّ توقيع المرسوم 6433، على أن حدود لبنان تقع عند الخط 29 وتشمل نصف حقل “كاريش”، والثبات في التفاوض –في حال أُعيد تجديدها- عند هذا الخط بصفته خط الحدود اللبنانية وعدم التراجع عنه، معناه أن المقاومة ستتبنى وجهة النظر تلك وتتعامل مع هذا الإحتمال بمثابة إعلان رسمي لحدود لبنان، وإذا ما رفض الإسرائيلي الإعتراف بأن تلك المنطقة باتت منطقة متنازع عليها، في إمكان المقاومة إجبار العدو على الالتزام!
إذاً، لم يعد ينفع السكوت أمام هذا التمادي الأميركي الوقح وقلب الحقائق من جانبه ومحاولات خداع الجانب السياسي اللبناني بأنه وسيط نزيه يعمل على إجتراح حل “تسووي” لقضية الحدود، بينما وعلى أرض الواقع، يثبت أنه طرف منحاز بالكامل إلى الطروحات الاسرائيلية. والمطلوب اليوم، فضّ الشراكة في مجال الترسيم مع الطرف الأميركي وإيصال رسالة بالغة إليه بأن إبتزاز لبنان بحقوقه في المياه بذريعة الأزمة الإقتصادية ومحاولة فرض إسقاطات عليه من خلفية “العوز” لهو أمر مرفوض، وعلى رئيس الجمهورية ألا ينصاع أو يفرّط بهذه الحقوق، سيما بعدما وصل إلى تقدير مفاده أن الجانب الأميركي يُمارس الغش والخداع على الجانب اللبناني لجرّه إلى طاولة يرسم فيها الطرف الأميركي ما يراه مناسباً ويريد إجبار اللبنانيين على تبنّي النتائج من دون صلاحية البت بما يُقرّره هو.
بالتوازي مع ذلك، لا يجدر بالمستويات السياسية الأخرى ان تُبقي على صمتها الحالي، فالمعركة المخاضة بوجه الإسرائيلي ومن خلفه الأميركي، لا تقلّ شأناً عن أي معركة عسكرية جرى خوضها في السابق ويحتمل أن تُخاض لاحقاً، وما يجري اليوم يمثل عملياً وبوجه شرعي، محاولة للسطو على حقوق لبنان في عرض البحر. والصمت حيال ما يجري يمثل خيانة أو بالحد الادنى قبولاً بوضع اليد على تلك الحقوق التي لا يُقدّر ثمنها بالأميال والكيلومترات البحرية على السطح، بل تُحسب بما هو تحت المياه ويُقرّش بمليارات الدولارات الأميركية التي لها أن تنقل لبنان من حالة إلى أخرى مختلفة كلياً، وهنا بيت القصيد.