الحدث

بيتر وغادة: انتهى العهد ولم تنتهِ “حرب” قضاته

 

ملاك عقيل -أساس ميديا

لم يكن ادّعاء “المحامي” بيتر جرمانوس، بوكالته عن  شركة  Prosec المتخصّصة بتحويل الأموال، على القاضية غادة عون و300 شخص مدنيّ “حرّضتهم” الأخيرة على محاصرة الشركة، وفق نصّ الدعوى، سوى التتمّة الطبيعية للحرب التي اندلعت بينهما بعد فتح ملف الفساد القضائي في شباط من عام 2019.

بيتر جرمانوس، مفوّض الحكومة السابق لدى المحكمة العسكرية، والقاضية غادة عون، مدّعي عام جبل لبنان، هما نتاج خيار وزير العدل السابق سليم جريصاتي في التشكيلات القضائية الأولى في تشرين الأوّل من عام 2017، بوصفهما أبرز رموز قضاة العهد.

قدّم جرمانوس استقالته من السلك القضائي في شباط من عام 2020 بعد إحالته أمام المجلس التأديبي ضمن ما يشبه “تسوية” شملت قضاة آخرين حامت حولهم شبهات فساد مدعّمة بتقارير “شعبة المعلومات” ومحاضر التفتيش القضائي. لكن الاستقالة والعقوبات المسلكية ثمّ حصوله على تعويض نهاية الخدمة، كانت البدائل عن المحاكمة عدليّاً. واليوم ينشط “المحامي” تويتريّاً في كل الاتّجاهات، ويعدّ العُدّة لخوض مجال الشأن العام.

ولنتذكّر خطاب “التبخير” الذي ألقاه جريصاتي في حفل تكريم جرمانوس عند تعيينه، وتأكيده يومئذٍ أنّه “منذ صار وزيراً للعدل لم يتخيّل دقيقة واحدة سوى بيتر جرمانوس في موقعه مفوّضَ الحكومة لدى المحكمة العسكرية”.. حينها سنُدرِك حسن خيارات “وزير القصر” و”العون” القضائي الصالح الذي قدّمه لرئيس الجمهورية.

أمّا غادة عون، التي فرزت الرأي العام بين معارض ومؤيّد لـ”تمرّدها”، ونافَسَت، في عدد الـ”لايكات” على تغريداتها، تلك التي يحصل عليها جبران باسيل، فهي ماضية في كسر جدار المحظورات بجملة ادّعاءات طالت رموزاً، وصولاً إلى التقدّم بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات “لتجاوز حدّ السلطة نتيجة مصادرة صلاحيات قانونية عائدة لها”.

في ذلك، كانت عون تردّ على قرار عويدات بكفّ يدها عن ملفّات الجرائم المالية بعد توزيعه أعمال النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان على ثلاثة محامين عامّين. وهي القاضية نفسها التي يُصادف أنّه عند إقرار التشكيلات القضائية، التي نُقلت بموجبها إلى مركز مستشار في محكمة التمييز، زارت القصر الجمهوري ووضعت استقالتها بتصرّف رئيس الجمهورية الرافض لتوقيع المرسوم حتّى اللحظة.

لكن ما تعتبره غادة عون اليوم تقييداً لصلاحياتها في مكافحة الفساد، كان اتَّخذ قبل أكثر من سنتين شكلاً من أشكال التغطية على فاسدين، برأي مواكبين لأداء مدّعي عام جبل لبنان وللعلاقة الجدلية بين  “بيتر وغادة”.

في شباط 2019، انطلق ما عُرِف بـ”ملفّ السمسرات والفساد القضائي”، بإشارة من معاون مفوّض الحكومة القاضي هاني حلمي الحجّار لدى “شعبة المعلومات”. وتدحرجت التوقيفات لتطول مرافق القاضية عون، وتوقيف من عرّف عن نفسه حينئذٍ بأنّه “مدير مكتب جرمانوس”.

من واكب تلك المرحلة يجزم أنّه عند توقيف مرافقها سرّبت القاضية عون أنّها هي من أمَرت بتوقيفه، وتفاعلت مع المُهلّلين على صفتحها على الفايسبوك، ليتبيّن لاحقاً أنّ التوقيف حصل بإشارة من القاضي الحجار. فيما حاولت الضغط وقتئذٍ على جرمانوس والحجّار لنقل التحقيق إليها. لكنّ جرمانوس نفض يده من الموضوع، وأحالها إلى الحجار الذي لم يتجاوب مع مراجعتها.

وما لا يعرفه أو يتجاهله كثرٌ هو أنّ وزير العدل في ذلك الحين ألبرت سرحان، القريب من العهد، جَمَعَ  في آذار 2019 النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود والنواب العامّين، واتّفقوا على حصر ملفّ مكافحة الفساد بالنوّاب العامّين، ومن بينهم جرمانوس وعون، وكانت بعض التحقيقات تتعلّق بأشخاص قريبين منهما.

في السياسة بدا الاجتماع بمنزلة إقصاء للقاضي الحجار عن متابعة ملف الفساد القضائي، ونقل التحقيقات من يد شعبة المعلومات، التي كان التحقيق فيها قد وصل إلى استدعاء رئيس قلم النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لدى “الشعبة” بإشارة من الحجار.

بعد ذلك الاجتماع، لم يكن صعباً رصد توقّف كرة  التحقيقات في ملف الفساد. وقد ختم جرمانوس التحقيق، الذي كان قد اُستُدعي فيه رئيس قلم النيابة العامة في جبل لبنان، وأجرى في النيابة العامة العسكرية تحقيقاً معه من دون التوسّع، ومن دون إجراء دراسات فنية، ومتابعة حركة الاتصالات. وهي إجراءات ضرورية في مثل هذه التحقيقات لكشف الحقائق.

بعدئذٍ رفض وزير العدل “العوني” توصية التفتيش بكفّ يد جرمانوس. وشَنّ بعض رموز العهد حملة  بوجه القاضي الحجار وصلت إلى حدّ “تلاعب” وزير سابق، وهو نائب متنيّ، ببيان رسمي صادر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، عبر زجّ خبر إحالة الحجار إلى التفتيش القضائي على الرغم من أنّ هذه الإحالة لم تحصل باعتراف وزير العدل “العوني”. فكان أن أصدر القصر الجمهوري بياناً توضيحيّاً، واستقبل الرئيس عون القاضي الحجار في اليوم التالي.

ويقول مطّلعون على خفايا ملفّات الفساد: “اليوم، وفي ظلّ اشتباك جرمانوس وعون، انكشفت “مسرحيات” العهد في القضاء، وسط التهليل للتمرّد على قرارات مجلس القضاء الأعلى والقاضي عويدات بتوزيع العمل في النيابة العامة في جبل لبنان. وكأنّه يحقّ لـ”وزير عدلهم” يومئذٍ حصر تحقيقات الفساد، التي كانت تطول قريبين من قضاة العهد، بهؤلاء أنفسهم، بينما لا يحقّ لمجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحييد عملية مكافحة الفساد عن منطق الشعبويّة والاستعراض والاستثمار السياسي التي تُرافق كل الخطوات التي تقوم بها القاضية عون”.

هكذا انقلب المشهد اليوم إلى اشتباك بين عون وجرمانوس، الأولى بصفتها القضائية، والثاني بصفته محامياً لشركة  تتّهمها مدّعي عام جبل لبنان بتهريب أموال اللبنانيين.

وفيما يرى خصوم العهد أنّ “الاشتباك يشير إلى هشاشة المنظومة القضائية للعهد، التي كان يتغنّى بها جريصاتي، ويفضح ازدواج المعايير في مكافحة الفساد”، يدحض الفريق المؤيّد لغادة عون هذا الواقع مع تسليمه بأنّ “رئيس الجمهورية وثق في البداية بقدرات القاضي جرمانوس في موقع بالغ الحساسية الأمنية والسياسية، لكنّه لم يكن على قدر المسؤولية”.

أمّا في ما يتعلّق بالقاضية عون، فيوضح هذا الفريق: “أقوى نقاط قوة مدّعي عام جبل لبنان أنّها قاضية شريفة، ولا غبار على نزاهتها، مع تأكيد الفريق عينه أنّ “عون هي الشاهد الملك على تخاذل قضاة وحمايتهم لفاسدين، وهي لن تتوانى عن كسر كل الأعراف في ظل الظروف الاستثنائية والمصيرية القائمة إذا كانت الغاية رمي الفاسدين في السجون”، سائلاً: “كيف يمكن لِمن يتّهم غادة عون بمخالفة القانون أن يتغاضى عن الجرائم المالية الفظيعة المرتكبة بحق اللبنانيين؟”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى