“ليباون ديبايت” – روني ألفا
زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيڤ لودريان التي ضربت عرض الحائط بكل بروتوكولات وأُصول العلاقات الدولية لم تَعد تثيرُ فينا غيظاً سيادياً. تأنيبُنا من الأقارب والعقارب وأولاد الحلال والحرام يكادُ يتحوّلُ الى تراثٍ عالميٍ يُدَرَّسُ كنموذجِ إنحطاطٍ حضاري يستحق لو خصَّصَ له المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي فصلاً مستقلاً في كتابه ” سقوط الحضارات ” .
من تفرَّسَ في قَسَماتِ وجهِ لودريان وجده وكأنه يعطي ” النعمة استحقاقها “. زيارته مهينةٌ للطبقة السياسية وأثرُها أكثرُ إيلاماً من أثرِ فأسٍ تبترُ يداً من المعصَم.
في المحصّلة، فرنسا منعتِ المعرقلينَ من دخول أراضيها على حد تعبيره. هذا أولُّ الغيث على ما أردف. ثمة شخصيات لبنانية ستُحرَمُ قريباً مِن التسكُّع قرب برج إيڤل ومن إطعامِ طيورِ الحمامِ فتات خبزٍ يابسٍ على أدراج كنيسة مون مارتر. أحجيتان: هل وُضِعت معايير لتحديد هوية المعرقلين؟ هل يعرف لودريان ان المُقاصَصين صاروا متمرِّسين بالإلتفاف على السيد ” قيصر ” و نسيان المِستِر ” ماغنتسكي ” فما همُّ الغَرقَى من البلل؟
أكثر المعامل شهرةً في لبنان معامل النسيان. أفضل المواد الأولية تدخل في الدواء المعجزة. في نهاية هذا العهد سيَنسى اللبنانيون ثلاثيةَ الشعب والجيش والمقاومة. ثلاثيةُ الكبتاغون والثلث المعطّل وحقوق المسيحيين ستحلُّ محلَّها مدعومة من حسين دِقّو ومن ينتمي اليه في الوطن والمهجر.
لسنا في معرِض مساءلة حَنَق لودريان. حَنَقهُ مشروع. متفقون على ان لبنان مُسِح به الأرض ولوّثَهُ سياسيوهُ بأفضل ماركات الموبقات على الإطلاق. سرقة وقتل ونهب المال العام واذلال الشعب وسائر معزوفة النعوت التي لا نقاش حول انها ” تلبس الطبقة السياسية لبساً “.
أمران ينغصّان عيشتنا أو ما تبقى منها. أولاً شعورنا نحن المقيمين بالخجل وعجزنا عن إقناع لودريان اننا لا نُختزَل بهذه الطغمة. بالطبع لقاء الوزير الفرنسي بممثلي المجتمع المدني قطع نصف الطريق نحو تقديم واجب العزاء بلبنان القديم لكنه لم يطمئننا نحن المشاهدين الأعزاء أن مصيرنا المربوط بالثورة المباركة على وشك أن يتحوّل الى حديقَةِ انجازات. كل ما استنتجناه هو ان فرنسا الحنون تركب قطار الثورة دون ان تتفقد سكك الحديد. بين محادثات ڤيينا وحراك الكاظمي في بغداد لجمع السعودية بإيران وعودة ” السين سين ” هناك احتمال كبير بأن يخرج القطار الذي استقلته فرنسا عن مساره. الخسائر لا يمكن تحديدها راهناً.
الأمر الثاني يتعلّق بتاريخنا. التاريخ، هذا الشيخ الجليل الذي يتمشّى ليلاً ويتفقدنا ونحن نيامٌ ويتأكد من أن فرنكوفونيتنا بخير ويزرع في عقلنا الباطنِ بناتَ أفكارٍ مصطادَةٍ حديثاً من نهر السين. نحن الذين ” بَرَشْنا ” كتاب ال Becherelle الزهري بَرشاً وتعلّمنا فيه كيف تتآلفُ الأفعال الفرنسية وتُعرَبُ وكيف تتزوجُ من عِرسانِ الوقت.
لم يتسنَّ لنا خلال زيارة لودريان الخاطفة تذكيره أننا من البلد نفسه الذي ينتمي اليه صلاح ستيتيه وألكسندر نجار وأمين المعلوف وجورج شحاده وناديا تويني وأننا نميّز بين الملكة ماري أنطوانيت زوجة الملك لويس السادس عشر وبين طانت ماري روز زوجة لويس الخضرجي في الأشرفية.
أغلب الظن أنَّ جان إيڤ لا يعرف أننا بكينا على ليوبولدين ابنة ڤكتور هوغو أكثر من إيمانويل ماكرون وحفظنا ” لو سيد ” لِكورنَايّ ” عن ظهر قلب سيَّما تلك الشعطَة التي شعطها ” دون رودريغ ” مخاطباً حبيبته ” شيمان ” مؤكداً أنه يافعٌ في العمر صحيح إنما الأنفسُ النبيلةُ لا تُقاسُ فيها القيمُ بعددِ السنين.
الفرنسيون خبراء طلاسِم ورموز إنما يتصرفون كأن التاريخ وضعهم في ” الفريزِر “. ما زالوا في زمن جان دارك. زيارة لو دريان لمدرسة القلبين الأقدسين في السيوفي من آثار حنان الأمومة الفرنسي تجاه المسيحيين. حبَّذا لو شمل عطف الوزير إحدى المدارس الرسمية أو مؤسسة تربوية إسلامية لنستنتج أن الأم الحنون خرجت من الثلاجة. فرنسا هي هي لم تتبدل. تحرّكها شركة توتال وأحلام ” كروتال ” وسرب من طائرات ” الميراج “. موعظة لو دريان في قصر الصنوبر عبارة عن قنبلة دخانية ليس إلا.